محمد يوسف العزيزي يكتب : من أمن العقاب أساء الأدب.. بين صفعة المُسن وغضب الناخبين !

الكاتب الصحفي محمد العزيزي

لم يعد ما يحدث في الشارع المصري يمرّ عابرًا دون أن يترك أثرًا في وجدان الناس ، فمواقع التواصل الاجتماعي، – رغم ما تحمله من مبالغات ووقائع غير صحيحة ومفبركة –  أصبحت مرآة لما يجري في المجتمع، تكشف في لحظات ما كانت تحتاج إلى سنوات من الملاحظة والتحليل.
خلال أيام قليلة ، شغلت واقعتان الرأي العام، ظاهرهما مختلف، لكن جوهرهما واحد، إذ تشيران إلي  خلل اجتماعي وسياسي عميق يهدد تماسك القيم وهيبة القانون معًا :

رجل مسن يُضرب ويُصفع علي وجهه ويُهان في الشارع بالسويس، ونائب برلماني يُلقى في الترعة أثناء حملته الانتخابية في البحيرة.
مشهدان في مكانين متباعدين، لكن بينهما خيط واحد واضح من تراجع الإحساس بالمسؤولية، وغياب الردع، واهتزاز الثقة في مفهوم العدالة !

الواقعة الأولى – مؤلمة في بعدها الإنساني والأخلاقي – لرجل في السبعين من عمره، يُصفَع على وجهه أمام ابنته والمارة من صاحب العقار الذي أراد طرده من مسكنه.. والمؤلم لم يكن الضرب وحده، بل صمت الجيران والمارة، وكأن المروءة غابت والخوف حلّ محلّها. ولولا انتشار الفيديو على مواقع التواصل، لما تحرك أحد!
تحركت وزارة الداخلية مشكورة، وتم القبض على الجاني وهو رهن التحقيق.. لكن السؤال الأهم يظل قائمًا: كيف وصلنا إلى هذه الدرجة من التبلّد الإنساني، بحيث يُهان مسنّ أمام الجميع دون أن يتحرك ضمير؟
إنها ليست حادثة فردية بقدر ما هي مرآة لانهيار قيمة الرحمة والتكافل التي كانت عماد الشخصية المصرية!

أما الواقعة الثانية، فبدت في ظاهرها نقيضًا للأولى، لكنها تحمل المعنى ذاته .. ففي محافظة البحيرة، قام عدد من المواطنين بإلقاء نائب برلماني في الترعة أثناء قيامه بالدعاية الانتخابية للفصل التشريعي الجديد متهمين إياه بالتقصير في خدمتهم طيلة سنوات تمثيله لهم وأنهم لم يروه يوما بينهم !

ورغم أن السلوك بحد ذاته مرفوض تمامًا، إلا أنه يكشف حجم الغضب الشعبي المكتوم وفقدان الثقة في – بعض – ممثلي الشعب، الذين غابوا عن دوائرهم ثم عادوا يطلبون الأصوات.

لقد تحولت الرسالة هنا من “صندوق الانتخابات” إلى “صوت احتجاجي غاضب”، ومن نقد سياسي إلى فعل عنيف، لأن المواطن لم يعد يجد طريقًا مؤسسيًا يعبّر من خلاله عن استيائه.

وبين الواقعتين يبدو الربط عميقا وخطيرا .. في الأولى، اعتدى فرد على القانون حين شعر أنه فوق المساءلة.. وفي الثانية، اعتدى جمهور على ممثل القانون حين فقد ثقته في عدالته ومصداقيته!
كلاهما وجهان لأزمة واحدة، قوامها غياب الردع وضعف الوعي وفقدان الإيمان بسلطة القانون وهيبته.

حين ينهار هذا التوازن، يتحول المجتمع من دولة قانون إلى غابة من ردّات الفعل، ويصبح الخطر مضاعفًا: خطر العنف من فوق، والعنف من تحت.

لقد تحوّل “قانون القوة” في أذهان البعض إلى بديل عن “قوة القانون”، وغابت القناعة بأن العدالة هي صمام الأمان الحقيقي لأي مجتمع.

حين يشعر المواطن أن المعتدي لا يتم عقابه بشدة، وأن المسؤول لا تتم محاسبته عند التقصير في واجباته ومسئولياته، ينهار الإحساس بالمواطنة، وينفتح الباب علي مصراعيه أمام الفوضى الأخلاقية والسياسية معًا !

إن ما جرى في السويس والبحيرة ليس حادثتين عابرتين، بل جرس إنذار لخلل مزدوج:
خلل اجتماعي أضعف منظومة القيم والتراحم، وخلل سياسي أضعف جسور الثقة بين المواطن ومؤسسته التشريعية، ولا سبيل لعلاج هذا الانقسام إلا بإعادة بناء الثقة، عبر عدالة يتم تطبَّيقها بصرامة، وتربية مجتمعية تعيد الاعتبار للقيم، وإعلام يقوي الوعي لا يكرس الغضب.

فالمجتمعات لا تنهض بالقوانين وحدها، بل بالقيم التي تجعل هذه القوانين محترمة وفاعلة،
ومن يستهين اليوم بصفعة على وجه مسن، أو بدفع نائب إلى الترعة، لا يدرك أنه يصفع – في الحقيقة-  وجه الوطن نفسه!

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.