” خارج المنافسة ” ..قصة قصيرة للأديب محمد الشرقاوي
ينتبه المهندس عادل لهذا الصوت الجهوري القادم من مقدمة عربة المترو، ينظر إلى صاحبه ويطيل النظر، لا يكاد يصدق ما ترى عيناه، يسقط في بئر عميق من التساؤلات التي يكسوها الحزن والحسرة:
ماذا يفعل هذا؟ وما الذي أدى به إلى ذلك؟ وكم من أمثاله يقومون بنفس الفعل؟ وكيف يقابل أولو الأمر تلك التصرفات؟
يقترب الشاب شيئا فشيئا، ما زال يعيد على الأسماع تلك الجمل التي حفظها الناس عن ظهر قلب، وما زال المهندس عادل يمعن النظر إليه، فارع الطول، ممشوق القوام، مفتول العضلات، حاد البصر، تناسق جميل بين أجزاء جسمه، ملابسه رائعة اللون والشكل، يمر بين الناس بانسيابية رائعة، يوزع نظراته هنا وهناك، تتدلى من كتفه حقيبة بلاستيكية ممتلئة عن آخرها، يشير له بعض الركاب فيلبي على وجه السرعة ثم يعود إلى ندائه مرة أخرى بكلمات رائعة تعبر عن درجة علمية مرموقة.
ما زال المهندس عادل ينظر إليه منتظرا وصوله، يبحث في جيبه عن بعض العملات الصغيرة، يعيد البحث حتى يعثر على واحدة منها، يلتقطها سريعا، يقترب الشاب ويقترب إلى أن يصل إليه ليجد يده ممدودة بتلك العملة، يلتقطها الشاب ويقدم له علبة المناديل الورقية، يأخذها المهندس عادل بالرغم من عدم حاجته إليها ولكنه أراد أن يكون ذلك بداية حوار بينهما حتى يمحو آثار التعجب والدهشة، فربما كان في الأمر سر لا يعلمه.
المهندس عادل: أرى أن هذا ليس مكانك أيها الشاب الجميل.
الشاب: نعم سيدي، أعلم ذلك جيدا، ولكن ليس لي حيلة.
المهندس عادل: كيف ذلك؟
الشاب: لقد حصلت على بكالوريوس الهندسة الزراعية منذ عامين قضيتهما في البحث عن عمل يناسبني أبدع فيه
وأظهر مهاراتي العلمية وأفكاري ولكن دون جدوى، قمت بإجراء مقابلات في كثير من الشركات والمكاتب وتركت نسخا
من أوراقي بكل منها على وعد بالاتصال وما زلت أنتظر
المهندس عادل: خذ هذا الكارت واتصل بي بعد أسبوع تماما.
الشاب: كل الشكر والتقدير لحضرتك ، سأنتظر بشوق بالغ موعد الاتصال.
ينصرف الشاب ليعود إلى مزاولة نشاطه بينما ينصرف عقل المهندس عادل لعقد مقارنة بين هذا النموذج من الشباب
في بلادنا التي تشكو من قلة الإنتاج وتعيش على استيراد ما يلزمها،
أما أمثاله في البلاد التي انطلقت في عالم التقدم والقوة والإنتاج فقد تم توظيف مهاراتهم ومواهبهم وأفكارهم لخدمة
تلك الدول حتى تظل في قيادة العالم، هذا العالم الذي لا يعترف إلا بالقوة العلمية والاقتصادية والفكرية،
لقد أدركت الآن لماذا صارت معظم شعوب الشرق خارج المنافسة واكتفت بمقاعد المشاهدين، ينتبه لصوت يسأله:
هل المحطة القادمة هي ميدان التحرير، ينظر من النافذة ليدرك أنه قد وصل إلى وجهته المقصودة، يجيب على سؤال
الرجل بكلمة نعم، ثم يتهيأ للنزول عاقدا العزم على تشغيل بائع المناديل في مكتب الخدمات الزراعية واستصلاح
الأراضي والذي أوشك أن يفتتحه بمشاركة أحد أصدقائه المقربين من زملاء دفعته.