” زبادى شات جى بى تى ” .. قصة قصيرة للإعلامي محمود عبد السلام

رويداً .. رويداً تناقص كيلو الحليب الى الربع ، ارتفع الثمن فى شهرٍ واحد ثلاثة أضعاف ، أى متعة يفتقدها وهو يقف أمام اللبن منتظراً ان تتجمع صفحته البيضاء الناصعة ليهم بالغليان ، والرائحة الشهية التى كانت تفوح من البخر القليل المتصاعد منه ،
يصب نص كيلو الحليب ويضعه فى الثلاجة ، فى الصباح ، يجمع من على الوجه الابيض القشدة المتراكمة ، طبقة لذيذة الطعم ، يخلطها بملعقة من العسل الأبيض ، ويضعها فى رغيف فينو ساخن ، وينتظر كوباً من الشاى الغامق مع الحليب الطبيعى ،
يشرب الخليط المعتق ويلتهم الساندوتش بسعادة بالغة ، يترك حلة بها ماء إلى نصفها تقريباً ، يسخن نصف كيلو الحليب الآخر ، ويضعه فى الخلاط مع كوب من الزبادى ، ويضربه مع بعضه لمدة دقيقة ، ثم يصب الخليط فى ثلاث كوبيات ، ويضعها فى وسط الماء المغلى ويغطيها ،
يذهب لمشاهدة مباراة لكرة القدم ، يعود يكشف عن الغطاء والثلاث كوبيات ، يقضى السهرة أمام فيلم عربى ابيض واسود قديم ، وهو يستمتع بطعم الزبادى الطبيعى ، منذ ان رفع زيدان سعر الحليب ثلاث اضعاف ، نزل بسقف طموحاته الى الريع ، لم يعد يملك رفاهية الاختيار ، إما أن يشرب الشاى بالحليب أو يصنع الزبادى ،
أخرج ربع كيلو الحليب من رف الثلاجة ، وحاول اشعال البوتاجاز ، تذكر أنه لم يسدد آخر فاتورة غاز للشهر الماضى ، أخرج وابور الجاز من بين ركام بقايا أشياء قديمة تركها فى الشرفة ،
هز الآلة العتيقة وجد بها قليل من السائل البترولي ، دلف الى المطبخ ووضع الوابور على المنضدة محاولاً اشعاله ، انتشرت رائحة الجاز فى انحاء المطبخ ، خرج فى البداية غازاً ابيض اللون ، له رائحة الغاز ألأصابه بالسعال ، ثم حشرج قليلاً
أشتعل الوابور متقطعاً ، ثم اخرج ناراً من العدة وانية ، وضع الحليب لتدفئته ثم وضع من بعده الماء ليغلى ، ثم وضع كوباً واحدا من خليط الزبادى والحليب فى الحلة وغطاها ،
عاد بعد حوالى الساعة ، اخرج الكوب واستعد لمشاهدة الفيلم القديم ، لكنه مع أول ملعقة من الكوب ، شعر برائحة الجاز تفوح من كوب الزبادى ، فكر أول الأمر ان يتخلص منه ، لكنه فكر قليلاً ، ثم قال لنفسه ( كأنى تائه فى الصحراء ولا يوجد طعام الا هذا ) لكنه تردد خوفاً أن يمرض ،
خطرت له خاطرة ان يسأل ، شات جى بى تى ، أخرج الموبيل وكتب ، هل ممكن ان تقتل كوباً من الزبادى لها رائحة الجاز انساناً ؟