محمد نبيل محمد يكتب : قناة السويس  العبور الدائم والتدخل المستحيل (23)

الكاتب محمد نبيل محمد

نستكمل مجريات الحرب العالمية الثانية وعلاقاتها بقناة السويس، غزو ألمانيا النازية لمصر

كانت أنباء الهزائم الإيطالية تصل متتابعة إلى القيادة العليا الإيطالية ، وعندما بدأوا يدركون خطورة الوضع ، واحتمال خسارتهم أراضي ليبيا كلها، لم يجدوا مفرًّا من طلب المساعدة من الألمان ، ولم يجد أدولف هتلر بدوره مفرًّا من مساعدة حليفه رغم انشغاله بالتحضير لغزو الاتحاد السوفيتي فيما عرف باسم عملية بارباروسا، فأمر بتشكيل قوة صغيرة أطلق عليها اسم الفيلق الإفريقي، وفي يوم 6 فبراير، يوم سقوط بنغازي، عين القائد إرفين رومل قائدًا لهذه القوة.

كان احتلال البريطانيين لكامل ليبيا حتميًا في حالة استمرارهم، لكنهم اختاروا، بعد تأكدهم من هزيمة الإيطاليين، أن يستقطعوا من قواتهم الموجودة في ليبيا، لكي يرسلوا قسمًا منها لقهر الإيطاليين في الحبشة، والقسم الآخر إلى اليونان لمساعدتهم ضد الغزو الألماني المرتقب، وهذا التوقف البريطاني في برقة منح رومل الوقت الكافي لكي يرسل قواته إلى ليبيا, وفي فبراير 1941 بدأت قوات روميل الهبوط في طرابلس بتعزيزات كبيرة بل قامت إيطاليا بإرسال تعزيزات كبيرة في المعدات والأفراد, فضل إروين رومل الانتظار والاستعداد للهجوم.

في 18 نوفمبر 1941 بدأت القوات البريطانية (تحت اسم الجيش الثامن البريطاني) هجومها على قوات المحور على الحدود الليبية المصرية تحت اسم عملية الصليبي، وأسفرت هذه العملية بعد سلسلة معقدة من المعارك عن إخراج قوات المحور من برقة والوصول إلى مرسى البريقة في 6 يناير 1942، قرر روميل أن التراجع هو القرار الصحيح في الوقت الحالي، فكان يتلقى تعزيزات من القيادتين الألمانية والإيطالية ، ففي 15 يناير استلم 54 دبابة، و20 عربة، كما تم تحويل أسطول جوي من الجبهة الروسية وضع تحت قيادة البرت كسلرنج قائد القوات الألمانية في جبهة البحر المتوسط، وقامت القوات الجوية للمحور بضرب جزيرة مالطة التي كانت تهدد قوافل التموين التي تذهب إلى رومل في أفريقيا.

في 21 يناير 1942 بدأ رومل هجومه الذي كان مفاجئًا للبريطانيين، لذلك اتخذ القائد البريطاني نيل ريتشي قائد الجيش الثامن قرارًا بالانسحاب، واستمر تقدم حتى 3 فبراير عندما وصل إلى خليج البمبة، ثم استولى على التميمي والمخيلي، وتوقف رومل في مواقعه الجديدة أكثر من ثلاثة أشهر كان ينظم فيها خطوط إمداداته.

في سبتمبر 1941، كانت المخابرات الإيطالية قد اقتحمت السفارة الأمريكية في روما ( ولم تكن الولايات المتحدة قد دخلت الحرب ضد دول المحور) وسرقت منها الشفرة السرية التي يتم التخاطب بها بين الملحق العسكري الأمريكي في القاهرة ، وبين الحكومة الأمريكية، وكان مما يتضمنه هذا التخاطب النوايا العسكرية للبريطانيين، وبإعطاء المخابرات الإيطالية هذه الهدية الغالية لرومل ، ظل مطلعًا على نوايا البريطانيين حتى يونيو 1942، عندما خمن الحلفاء أن الألمان اخترقوا هذه الشفرة فقاموا بتغييرها وقبل ذلك (في مايو) كان رومل يلاحظ القوة المتزايدة للجيش الثامن، كما كان على علم بمحاولة القائد ريتشي للهجوم عليه، فكان لا بد له من أن يبادر بالهجوم رغم صعوبات الإمداد عنده.

معركة عين الغزالة

في يوم 26 مايو 1942شنت القوات الإيطالية بقيادة الألماني كروفيل هجومًا على منطقة عين الغزالة وفي ليل نفس اليوم تحركت قوات رومل إلى الجنوب حسب الخطة المتبعة، لكنها واجهت مقاومة عنيفة، خصوصًا في حامية بير حكيم التي تحميها القوات الفرنسية الحرة (جنودها فرنسيون ، وجزائريون ، ومغاربة ، ومن مستعمرات أفريقية أخرى) أما كروفيل فقد سقط أسيرًا يوم 29 مايو.

كانت القوات البريطانية تقاتل في منطقة سمَّتها المرجل وهي تقع ما بين غوط الأوالب وسيدي مفتاح (ما بين الغزالة وبير حكيم)، وسقطت غوط الأوالب في يد قوات المحور في 1 يونيو.

في 2 يونيو شنت القوات الإيطالية بدعم جوي ألماني هجومًا عنيفًا على بير حكيم، واستمرت مقاومة الحامية ببسالة حتى ليلة 10 يونيو حيث انسحبت عبر خطوط قوات المحور، وفي اليوم التالي تم الاستيلاء على بير حكيم.

ما بين 11 إلى 13 يونيو اشتبكت الدبابات في معركة عنيفة نتج عنها تفوق قوات رومل، إذ خسـر البريطانيون 120 دبابة في يوم 12 يونيو فقط.

تلقى ريتشي إذنًا من قيادة كلود أوكنلك في القاهرة 16 يونيو بالسماح لترك طبرق تواجه الحصار، وبدأت القوات البريطانية الانسحاب نحو الشرق، وفي يوم 17 يونيو لم يكن أمام القائد البريطاني نوري (قائد الفيلق الثلاثين) خيار سوى الانسحاب من كمبوت (32 شرق طبرق).

بينما كانت القوات البريطانية 18 يونيو تنسحب نحو الشرق ، أكملت قوات رومل عزل طبرق، وكان فيها حامية من 35000 جندي يقودهم القائد كلوبر، مع كمية كبيرة من الوقود والذخيرة ، وكان يُعتقد أن رومل سيفشل في احتلالها كما حدث في العام الماضي.

فجر 20 يونيو شن رومل الهجوم الكبير على طبرق، ولم تستطع حاميتها الصمود طويلًا، إذ استسلمت في مساء يوم 21 يونيو.

رُقِّي رومل مكافأة له على هذا الانتصار إلى رتبة الفيلد مارشال (المشير)، لكنه ولحبه للعمل، تمنى لو حصل بدل ذلك على فرقة أخرى.

معركة مرسى مطروح

في 22 يونيو بدأت قوات رومل التحرك، وفي اليوم التالي كانت قد عبرت الحدود الليبية المصرية, توقفت قوات المحور لوقت قصير بسبب نقص الوقود في 24 يونيو، ثم تم استئناف التقدم بعد وجود مخزن وقود بريطاني في محطة سكة حديدية، وفي اليوم التالي كانت قوات المحور قد وصلت إلى نقطة تقع إلى الغرب من مرسى مطروح بمقدار 30 ميلًا (48 كم).

كان هدف رومل عندما اقترب من مرسى مطروح أن يقوم بعزل حاميتها بحركة التفافية من الصحراء، لكن القائد البريطاني كلود أوكنلك (قائد القوات البريطانية في الشرق الأوسط) قام بعزل نيل ريتشي (قائد الجيش الثامن منذ نوفمبر1941، والذي كان يدير العمليات الحربية بشكل مباشر منذ ذلك التاريخ)، وتولى بنفسه قيادة ذلك الجيش، وأصدر أمرًا بسحب القوات إلى الشرق، واستطاع بذلك إنقاذ القسم الأكبر من قواته من الوقوع في الأسر.

قام الطيران البريطاني في 26 يونيو بضرب قُوْل إداري لقوات المحور أدَّى إلى نقص الوقود لديها وبالتالي إلى إبطاء تقدمها، ثم وصلت إلى نقطة تبعد 16 ميلًا (25 كم) غرب مطروح وفي نفس اليوم تم تطويقها.

اعتباراً من 26 إلى ليلة 28-29 يونيو دارت معركة كبيرة بين ما تبقى من القوات النيوزلندية والهندية في مرسى مطروح، واستطاع رومل أن يعلن سقوطها يوم 29 يونيو وأنه لا يبعد سوى 125 ميلًا (200 كم) عن الإسكندرية كان سقوط مرسى مطروح انتصارًا كبيرًا لرومل، إذ أسر 7000 جندي، إضافة إلى غنائم كثيرة من التموين والعتاد الحربي.

وصلت قوات المحور إلى نقطة تقع إلى الغرب من الضبعة بستة أميال (10 كم) في 29 يونيو، وفي اليوم التالي اجتازت الضبعة، وقرر رومل ذلك اليوم أن موقع العلمين (112 كم غرب الإسكندرية، و592 كم شرق طبرق) ستتم مهاجمته في الساعة الثالثة من فجر 1 يوليو 1942.

كان أوكنلك قد نشر قواته على مدى 40 ميلًا (64 كم) ما بين قرية العلمين على ساحل البحر، وبين منخفض القطارة الذي لا تستطيع المركبات الآلية عبوره، وبالتالي على رومل أن يقهر جميع هذه القوات ليصل إلى الإسكندرية.

وفى القادم ان شاء الله نستكمل مجريات معركة العلمين الأولى

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.