الكاتب الصحفي عصام عمران يكتب: لماذا نجح العنانى واخفق سابقوه ؟!

قبل الإجابة على السؤال أعلاه نذكر بأن هناك ثلاث قامات ثقافية وعلمية مصرية متميزة سبق لهم الترشح لمنصب امين عام منظمة اليونسكو ولكن لم يوفق أى منهم للفوز بهذا المنصب الدولى الرفيع حتى جاء الدور على الدكتور خالد العناني ويحقق الحلم الذي انتظره المصريون بل والعرب طوال ثمانين عاما متذ انشاء المنظمة عام ١٩٤٥ ، وكان أول هؤلاء المرشحين الثلاثة دكتور إسماعيل سراج الدين رئيس مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية الأسبق ثم تبعه الفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق وأخيرا السفيرة مشيرة خطاب ولكل منهم قصة وحكاية سواء فيما يتعلق بالترشح أو سبب عدم الفوز .
ويمكن القول أن الحلم أو الطموح المصري للفوز بمقعد المدير العام لليونسكو بدأ قبل ثلاثين عاما تقريبا وتحديدا أواخر التسعينيات من القرن الماضي ، عندما ترشح الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية الأسبق، للمنصب عام 1999، وعلى الرغم من ثقله الأكاديمي والدولي، فإن المنافسة الشرسة وتفتت الأصوات العربية حالا دون فوزه خاصة وأنه ترشح باسم دولة افريقية اعتقد بوركينا فاسو على ما اتذكر .
وكانت أبرز المحاولات وأكثرها جدلا عام 2009، مع ترشّح الفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، واحد اهم وزراء الثقافة المصريين ان لم يكن الأكفأ على الإطلاق و الذى دخل سباقًا انتخابيًّا مع مرشحين من خلفيات ثقافية وسياسية متعددة، وعلى الرغم من أنه وصل إلى الجولة الأخيرة من التصويت، فإنه لم يوفق في النهاية لعدة أسباب لعل فى مقدمتها عدم الإجماع العربى وكذلك عدم حصوله على أى صوت افريقي من ١٣ صوتا لدول القارة السمراء ، علاوة على الموقف المتعنت ضده من قبل الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية بسبب تصريح صحفي نسب إليه بأنه هدد بحرق أى كتب أو مطبوعات إسرائيلية إن وجدت فى المكتبات أو المعارض التابعة لوزارة الثقافة حينذاك !! .
وفي 2017، عادت مصر في محاولة ثالثة عبر الدبلوماسية مشيرة خطاب، وزيرة الدولة للأسرة والسكان السابقة، وقد وصلت مشيرة خطاب إلى مراحل متقدمة من التصويت، لكنها خسرت بفارق صوت واحد أمام الفرنسية أودري أزولاي، وذلك بسبب ضعف التحالفات الإفريقية والعربية أيضا خاصة في اللحظات الحاسمة وهو ماحدث مع فاروق حسني أيضا والذى خسر السباق في الجولة الأخيرة للأسف بسبب صوت إحدى الدول العربية !! .
واذا عدنا للسؤال لماذا فاز خالد العناني وأخفق من سبقوه؟
فيمكن القول أن فوز ” العناني ” لم يكن مجرد نتيجة ترشح روتيني من مصر، بل كان نتاج حملة دبلوماسية واستراتيجية مدروسة بعناية، وضعت في اعتبارها أخطاء المحاولات السابقة وعملت على تفاديها وكان للرئيس السيسي دور مهم فيها خاصة فيما يتعلق بالإجماع العربى والأفريقى ،
حيث حصل العناني على إجماع عربي وتأييد من الاتحاد الإفريقي، وهو ما منح ترشيحه ثقلا دبلوماسيًّا قويًّا، بعكس محاولات سابقة شهدت تنافسًا عربيًّا داخليًّا أضعف فرص المرشحين المصريين وظهر ذلك جليا فى حصوله على ٥٥ من ٥٧ صوتا وهو ما لم يحدث مطلقا منذ انشاء اليونسكو .
وبخلاف سابقيه، جمع العناني بين الخلفية الأكاديمية المتخصصة في علم المصريات، والخبرة التنفيذية كوزير للسياحة والآثار، وقيادته لمشروعات ثقافية كبرى مثل موكب المومياوات الملكية، مما منح ترشيحه بعدًا عمليًّا وثقافيًّا قويًّا يصعب تجاهله.
وقد حرصت مصر على إدارة حملة ترشح العناني بمهنية عالية، شملت جولات خارجية، وعروضًا مفصّلة لرؤيته بشأن مستقبل اليونسكو، ما جعله يحظى بدعم من دول كبرى مثل فرنسا، والبرازيل، وتركيا، والجابون.
وجاء العناني إلى الساحة الدولية بملف نظيف، لا يثير حساسية سياسية أو دينية، بخلاف بعض المرشحين السابقين الذين أثاروا الجدل أو خسروا بسبب مواقف وتصريحات أثارت اللغط .
ويشكّل فوز خالد العناني بمنصب المدير العام لليونسكو لحظة نادرة تلتقي فيها الكفاءة الشخصية مع الحنكة الدبلوماسية والدعم الإقليمي، في إنجاز يُحسب لمصر قيادة وحكومة ، لاسيما وزارة الخارجية بقيادة ” البدر عبد العاطى ” ، بل و يحسب للمنطقة العربية بأسرها، كما أنه يفتح بابًا جديدًا أمام المصريين و العرب للتواجد في المحافل والمناصب الدولية .
بقى القول أن شخصية العناني تضيف بُعدًا خاصًا لهذا الحدث، بحكم خبراته المتراكمة، ما يجعله قريبًا من ركائز رسالة اليونسكو، كما أن خبرته التنفيذية كوزير سابق للسياحة والآثار تمنحه قدرة على الربط بين التراث والتنمية المستدامة، وبين الأصالة والحداثة، وهي معادلة تحتاجها المنظمة في هذه المرحلة.
نأمل أن يمنح فوز العناني دفعة قوية للمشروعات الثقافية في الشرق الأوسط وأفريقيا، خاصة في مجالات التعليم الأساسي وحماية التراث في مناطق النزاع، كما قد يفتح الباب أمام تعاون أعمق بين الدول العربية في مجال الثقافة الرقمية، وتوثيق التراث غير المادي، بما يعيد للمنطقة حضورها الإيجابي في المنصات الأممية.
على المستوى الرمزي، يعيد هذا الحدث الاعتبار لفكرة «العالمية من بوابة المحلية»، فاختيار شخصية مصرية لتقود مؤسسة أممية يعني أن الهوية الوطنية لا تتناقض مع الانفتاح على العالم الخارجي ، إنها لحظة تأكيد أن الثقافة العربية قادرة على تقديم رؤية إنسانية جامعة، تتجاوز الصور النمطية والخطابات المتوترة.
الدكتور خالد العناني هو أحدث مصري يتولي ادارة محفل دولي بقيمة المنظمة الدولية للتعليم والثقافة في العالم .. فقد سبقه الى المحافل الدولية من الشخصيات المصرية , كل من الدكتور محمود محيي الدين والدكتور محمد معيط والدكتورة غادة والي والدكتورة ياسمين فؤاد والدكتور محمد العريان .
المؤكد أنها مهمة ليست سهلة ، فالعناني سيواجه شبكة مصالح متشابكة داخل المنظمة وخارجها، وضغوطًا من القوى الكبرى التي ترى في اليونسكو ساحة نفوذ ناعمة و التحدي الحقيقي سيكون الحفاظ على التوازن بين الاستقلال المؤسسي ومتطلبات التعاون الدولي، دون الانزلاق إلى منطق الاصطفاف السياسي أو الإملاء المالي .