محمد نبيل محمد يكتب : قناة السويس العبور الدائم والتدخل المستحيل(22)

 عبور القناة وحرب 73وخطاب النصر

الكاتب محمد نبيل محمد

“فى الساعة 1420 بدأت الموجات الأولى لخمس فرق مشاة وقوات قطاع بور سعيد في اقتحام قناة السويس، مستخدمة حوالي ألف قارب اقتحام مطاط، وبعد عدة دقائق وضع ثمانية آلاف جندي أقدامهم على الضفة الشرقية وهم يهللون بملء حناجرهم: الله أكبر، وبدأوا في تسلق الساتر الترابي المرتفع ، واقتحام دفاعات العدو الحصينة، وهم يحملون أسلحتهم الشخصية، والأسلحة الخفيفة المضادة للدبابات.
وفي أقل من ست ساعات، وبالدقة في الساعة 1930 أتمت الفرق الخمس مشاة وقوات قطاع بور سعيد اقتحام قناة السويس على مواجهة 170 كيلو مترًا ، بقوة 80 ألف جندي من أعز أبناء مصر وذلك باستخدام قوارب الاقتحام المطاط، ووسائل العبور والاقتحام الأخرى في 12 موجة متتالية، وأتمت الاستيلاء على 15 نقطة قوية للعدو، وأكملت حصار باقي النقاط القوية، كما تمكنت قواتنا من الاستيلاء على رؤوس الكباري بعمق 2 إلى 4 كيلو متر.
وهكذا دمرت قواتنا المسلحة في أقل من ست ساعات خط بارليف الدفاعي وحطمت حصونه التي استمر العدو يتغنى بها كل السنوات الماضية، وقبل آخر ضوء كانت أعداد كبيرة من طائرات الهليوكوبتر قد أفرغت حمولتها من رجال الصاعقة في عمق سيناء شمالًا وجنوبًا.
ففي الشمال قاتل رجال الصاعقة في مواجهة الجيشين الثاني والثالث في عمق سيناء قتالًا مستميمتًا على الطرق والمضايق ضد مدرعات العدو التي حاولت الاقتراب لاجهاض عملية عبور قواتنا، بل ألقوا بأنفسهم في طريق تقدم العدو، وعلى ظهورهم الألغام المضادة للدبابات كي تنفجر فوق أجسامهم مدرعات العدو.
حتى أن وحدة من الصاعقة ظلت تتمسك بمضيق سدر من يوم 6 إلى يوم 22 أكتوبر فحرمت بذلك العدو من اجتياز هذا المضيق لمدة 16 يومًا ، حتى جاءها الأمر بالارتداد فعادت لتنضم إلى باقي قوات الجيش الثالث” (من كتاب حرب رمضان)
يقول المشير محمد عبد الغني الجمسي – رئيس هيئة العمليات بحرب أكتوبر 1973 – في مذكراته: “ومن الملامح البارزة في قتال هذا اليوم ـ وطول مدة الحرب ـ أن القادة كانوا يضـربون القدوة والمثل لرجالهم، يتقدمون جنودهم، ويقاتلون معهم في الخطوط الأمامية، ويستشهدون بينهم ….. و يكفي أن نعلم أن الضباط قادة الفصائل والسرايا عبروا في الدقائق الأولى، وأن قادة الكتائب قد عبروا خلال 15 دقيقة من بدء القتال، وعبر قادة اللواءات خلال 45 دقيقة، وقادة الفرق خلال ساعة ونصف من بدء الحرب، ولذلك كانت نسبة الخسائر في الضباط والقادة عالية عن المعدل، إلا أن الإصرار على تنفيذ المهام كان يتطلب منهم ذلك وفي سبيل النصر وتحرير الأرض تهون الأرواح.
كان من أصعب المواقف التي تواجه المشاة هي الفترة الحرجة التي كان عليهم أن يقاتلوا دبابات العدو لمدة 6 إلى 8 ساعات حتى تنضم إليهم الأسلحة الثقيلة من الدبابات والأسلحة الأخرى بعد عبورها على المعديات والكباري، وقد تطول المدة إذا تأخر إنشاء بعض المعابر أو تعطل تشغيلها.
إن قتال المشاة ضد الدبابات هو قتال غير تقليدي يتطلب مهارة وشجاعة كبيرة، وكان أمام المشاة بعد ظهر ذلك اليوم بالجبهة 300 دبابة إسرائيلية موزعة على طول الجبهة …. وقد تمكنت قوات المشاة والصاعقة من تدمير 100 دبابة بمعاونة من نيران المدفعية الموجودة على الضفة الغربية للقناة”مذكرات الجمسي
ويقول المؤرخ العسكري جمال حماد في كتابه “المعارك الحربية على الجبهة المصرية”:
“وفي الساعة الثانية وخمس وثلاثين دقيقة قامت طلائع القوات التي عبرت القناة برفع أعلام جمهورية مصر العربية على الشاطئ الشرقي للقناة معلنة بدء تحرير الأرض السليبة، واستمر تدفق الموجات عبر القناة بانتظام بفاصل حوالي 15 دقيقة بين كل موجة وأخرى حتى الموجة الرابعة حيث بدأ تناقص معدل التدفق نتيجة لإرهاق الأطقم المخصصة للتجديف في القوارب ولحدوث بعض الأعطال فيها وتسرب المياه بداخلها وقد أدى عدم انتظام تدفق موجات العبور إلى اللجوء إلى المرونة وعدم التقيد بتسلسل العبور ولذا أعطيت الأسبقية لعبور الأفراد والأسلحة المضادة للدبابات والمعدات التي تؤثر على سير القتال مع استخدام بعض الناقلات البرمائية من طراز كيه 61 حمولة 3 أطنان لنقل الألغام.
وحتى الساعة الرابعة والنصف مساء تم عبور 8 موجات من المشاة … واشتد ضغط أفراد المشاة المصريين على حصون خط بارليف ونقطه القوية وكان الحصن المقام عند علامة الكيلو متر 19 جنوب بور سعيد ـ حصن لاهتزانيت ـ هو أول الحصون التي سقطت، وكان ذلك في الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، وتوالى بعد ذلك سقوط باقي الحصون.
خطاب الانتصار الأول والعبور
خطاب الرئيس السادات بعد نصر أكتوبر 1973
” بسم الله… أيها الإخوة والأخوات
كان بودي أن أجيء إليكم قبل الآن، التقي بكم وبجماهير شعبنا وأمتنا، لكن مشاغلي كانت كما تعلمون وكما تريدون، واثق أنكم تقدرون وتعذرون، ومهما يكن فلقد كنت أحس بكم وبشعبنا وأمتنا معي في كل رأي وكنت أحس بكم وبشعبنا وأمتنا معي في كل قرار، كنتم جميعًا معي، فيما أخذته على مسؤوليتي تعبيرًا عن إرادة أمة، وتعبيرًا عن مصير شعب، ثم وجدت مناسبًا أن أجيء إليكم اليوم أتحدث معكم ومع جماهير شعبنا، ومع شعوب أمتنا العربية وأمام عالم يهمه ما يجرى على أرضنا؛ لأنه وثيق الصلة بأخطر قضايا الإنسانية، وهي قضية الحرب والسلام.
ذلك لأننا لا نعتبر نضالنا الوطني والقومي ظاهرة محلية أو إقليمية؛ لأن المنطقة التي نعيش فيها بدورها الإستراتيجي والحضاري في القلب من العالم وفي الصميم من حركته، ولأن الحوادث كبيرة، ولأن التطورات متلاحقة، ولأن القرارات مصيرية فإنني أريد أن أدخل مباشرة فيما أريد أن أتحدث فيه معكم وسوف أركز على نقطتين: الحرب والسلام.
أولًا: الحرب
لست أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخر معًا ونتباهى بما حققناه في أحد عشـر يومًا من أهم وأخطر، بل أعظم وأمجد أيام تاريخنا، وربما جاء يوم نجلس فيه معًا لا لكي نتفاخر ونتباهى، ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلًا بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه، مرارة الهزيمة وآلامها، وحلاوة النصر وآماله.
نعم سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروي ماذا فعل كل منا في موقعه؟ … وكيف حمل كل منا أمانته وأدى دوره؟ كيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ساد فيها الظلام، ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى تستطيع أمتهم أن تعبر الجسـر ما بين اليأس والرجاء؟
ذلك كله سوف يجيء وقته وأظنكم توافقونني على أن لدينا اليوم من المشاغل والمهام ما يستحق أن نكرس له كل وقتنا وجهدنا، وإذا جاز لي أن أتوقف قليلًا وأنا أعلم أن بكم شوقًا إلى سماع الكثير فإني أقول ما يلي:
أولاً: فيما يتعلق بنفسي فقد حاولت أن أفي بما عاهدت الله وعاهدتكم عليه قبل ثلاث سنوات بالضبط من هذا اليوم، عاهدت الله وعاهدتكم على أن قضية تحرير التراب الوطني والقومي، هي التكليف الأول الذي حملته ولاءً لشعبنا وللأمة.
عاهدت الله وعاهدتكم على أني لن أدخر جهدًا، ولن أتردد دون تضحية مهما كلفتني في سبيل أن تصل الأمة إلى وضع تكون فية قادرة على رفع إرادتها إلى مستوى أمانيها، ذلك أن اعتقادى دائمًا كان ولا يزال أن التمني بلا إرادة نوع من أحلام اليقظة، يرفض حبي وولائي لهذا الوطن أن نقع في سرابه أو في ضبابه.
عاهدت الله وعاهدتكم على أن نثبت للعالم أن نكسة سنة 1967 كانت استثناءً في تاريخنا وليست قاعدة وقد كنت في هذا أصدر عن إيمان بالتاريخ يستوعب سبعة آلاف سنة من الحضارة، ويستشرف آفاقًا أعلم علم اليقين نضال شعبنا وأمتنا لبلوغها والوصول إليها وتأكيد قيمها وأحلامها العظمى.
عاهدت الله وعاهدتكم على أن جيلنا لن يسلم أعلامه إلى جيل سوف يجيء من بعده منكسة أو ذليلة، وإنما سوف نسلم أعلامنا مرتفعة هاماتها عزيزة صواريها، وقد تكون مخضبة بالدماء، ولكننا ظللنا نحتفظ برؤوسنا عالية في السماء وقت أن كانت جباهنا تنزف الدم والألم والمرارة.
عاهدت الله وعاهدتكم على أن لا أتأخر عن لحظة أجدها ملائمة، ولا أتقدم عنها، لا أغامر، ولا أتلكأ، وكانت الحسابات مضنية والمسؤولية فادحة، لكنني أدركت كما قلت لكم وللأمة مرارًا وتكرارًا أن ذلك قدري وأنني حملته على كتفي، عاهدت الله وعاهدتكم وحاولت مخلصًا أن أفي بالوعد ملتمسًا عون الله وطالبًا ثقتكم وثقة الأمة وأني لأحمد الله.
ثانيًا: لقد كان كل شيء منوطًا بإرادة هذه الأمة، حجم هذه الإرادة، وعمق هذه الإرادة وما كنا لنستطيع شيئًا وما كان أحد ليستطيع شيئًا لو لم يكن هذا الشعب، ولو لم تكن هذه الأمة لقد كان الليل طويلًا وثقيلًا ولكن الأمة لم تفقد إيمانها أبدًا بطلوع الفجر، وإني لأقول بغير إدعاء أن التاريخ سوف يسجل لهذه الأمة أن نكستها لم تكن سقوطًا، وإنما كانت كبوة عارضة، وأن حركتها لم تكن فورانًا، وإنما كانت ارتفاعًا شاهقًا، لقد أعطى شعبنا جهدًا غير محدود، وقدم شعبنا تضحيات غير محدودة، وأظهر شعبنا وعيًا غير محدود، وأهم من ذلك كله – أهم من الجهد والتضحيات والوعي – فإن الشعب احتفظ بإيمانه غير محدود، وكان ذلك هو الخط الفاصل بين النكسة وبين الهزيمة، ولقد كنت أحس بذلك من أول يوم تحملت فيه مسؤوليتي، وقبلت راضيًا بما شاء الله أن يضعه على كاهلي، كنت أعرف أن إيمان الشعب هو القاعدة، وإذا كانت القاعدة سليمة، فإن كل ما ضاع يمكن تعويضه، وكل ما تراجعنا عنه نستطيع الانطلاق إليه مرة أخرى.
وبرغم ظواهر عديدة، بعضها طبيعي وبعضها مصطنع من تأثير حرب نفسية وجهت إلينا فقد كان سؤالي لنفسـي ولغيري في كل يوم يمر : هل القاعدة سليمة؟
وكنت واثقًا أنه ليس في قدرة أية حرب نفسية مهما كانت ضراوتها أن تمس صلابة هذه القاعدة، وما دامت القاعدة بخير فإن كل شيء بخير، وغير ذلك لن يكون إلّا زوبعة في فنجان كما يقولون، لست أنكر أننا واجهنا مصاعب جمة؛ مصاعب حقيقية، مصاعب في الخدمات، مصاعب في التموين، مصاعب في الإنتاج، مصاعب في العمل السياسي أيضًا.
وكنت أعرف الحقيقة ولكنني لم أكن في موقف يسمح لي بشرحها، كنت أعرف أننا نحاول أن نجعل الحياة مقبولة للناس، وفي نفس الوقت فإن علينا أن نحتاط لما هو منتظر، و كنت واثقًا أنه سوف يجيء يوم تظهر فيه الحقيقة لغيري كما كانت ظاهرة لي، وحين تظهر الحقيقة فإن الناس سوف يعرفون وسوف يقدرون، وأحمد الله.
ثالثًا: ولقد كانت هناك إشارة واضحة إلى وجود تمزق في ضمير الأمة العربية كلها، وكنت أرى ذلك طبيعيًّا لأسباب اجتماعية وفكرية زادت عليها مرارة النكسة، كان هناك من يسألونني ويسألون أنفسهم، هل تستطيع الأمة أن تواجه امتحانها الرهيب وهي على هذه الحالة من التمزق في ضميرها؟
وكنت أقول أن هذا التمزق – فضلًا عن أسبابه الطبيعية – يعكس تناقضًا بين الواقع والأمل وليس في ذلك ما يخيف بل كنت أعتقد أنه ليس هناك شفاء لضمير الأمة ولا راحة له إلّا عندما تواجه الأمة لحظة التحدي، ولم أكن في بعض الأوقات على استعداد للدخول في مناقشات عقيمة، هل نعالج التمزق قبل مواجهة التحدي، أو نقبل التحدي رغم وجود إشارات إلى التمزق؟
وكان رأيي أن الأمم لا تستطيع أن تكشف نفسها أو جوهرها إلّا من خلال ممارسة الصـراع وبمقدار ما يكون التحدي كبيرًا بمقدار ما تكون يقظة الأمة واكتشافها لقدراتها كبيرة لست أنكر وجود خلافات اجتماعية وفكرية فذلك مسار حركة التاريخ، ولكنني في نفس الوقت كنت أعرف أن الأمم العظيمة عندما تواجه تحدياتها الكبرى، فإنها قادرة على أن تحدد لنفسها أولوياتها بوضوح لا يقبل الشك، كنت مؤمنًا بسلامة وصلابة دعوة القومية العربية، وكنت مدركًا للتفاعلات المختلفة التي تحرك مسيرة أمة واحدة.
ولكنني كنت واثقًا أن وحدة العمل سوف تفرض نفسها على كل القوى وعلى كل الأطراف وعلى كل التيارات؛ لأنها جميعًا سوف تعي أن هذا الظرف ليس مباراة بين الاجتهادات، وإنما هو الصـراع بين الفناء والبقاء لأمة بأسرها وأحمد الله.
رابعاً: ولقد كنت أعرف جوهر قواتنا المسلحة، ولم يكن حديثي عنها رجمًا بالغيب ولا تكهنًا، لقد خرجت من صفوف هذه القوات المسلحة وعشت بنفسي تقاليدها، وتشرفت بالخدمة في صفوفها وتحت ألويتها، إن سجل هذه القوات كان باهرًا ولكنَّ أعداءنا : الاستعمار القديم والجديد والصهيونية العالمية، ركزت ضد هذا السجل تركيزًا مخيفًا؛ لأنها أرادت أن تشكك الأمة في درعها وفي سيفها، ولم يكن يخامرني شك في أن هذه القوات المسلحة كانت من ضحايا نكسة 67 ولم تكن أبدًا من أسبابها.
كان في استطاعة هذه القوات سنة 67 أن تحارب بنفس البسالة والصلابة التي تحارب بها اليوم، لو أن قيادتها العسكرية في ذلك الوقت لم تفقد أعصابها بعد ضربة الطيران التي حذر منها عبد الناصر، أو لو أن تلك القيادة لم تصدر بعد ذلك قرارًا بالانسحاب العام من سيناء بدون علم عبد الناصر أيضًا.
إن هذه القوات لم تُعطَ الفرصة لتحارب دفاعًا عن الوطن وعن شرفه وعن ترابه، لم يهزمها عدوها ولكن أرهقتها الظروف التي لم تعطها الفرصة لتقاتل، ولقد شاركت مع جمال عبد الناصر في عملية إعادة بناء القوات المسلحة، ثم شاءت لي الأقدار أن أتحمل مسؤولية استكمال البناء، ومسؤولية القيادة العليا لها.
إن القوات المسلحة المصرية قامت بمعجزة على أي مقياس عسكري، لقد أعطت نفسها بالكامل لواجبها، استوعبت العصر كله تدريبًا وسلاحًا، بل وعلمًا واقتدارًا، وحين أصدرت لها الأمر أن ترد على استفزاز العدو، وأن تكبح جماح غروره، فإنها أثبتت نفسها.
إن هذه القوات أخذت في يدها، بعد صدور الأمر لها زمام المبادأة وحققت مفاجأة العدو، وأفقدته توازنه بحركتها السـريعة.
ولست أتجاوز إذا قلت أن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلًا بالفحص والدرس أمام عملية يوم السادس من أكتوبر سنة 73 حين تمكنت القوات المسلحة المصـرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب، واجتياح خط بارليف المنيع وإقامة رؤوس جسور لها على الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنه كما قلت في ست ساعات.
لقد كانت المخاطرة كبيرة وكانت التضحيات عظيمة ولكن النتائج المحققة لمعركة هذه الساعات الست الأولى من حربنا كانت هائلة فقد العدو المتغطرس توازنه إلى هذه اللحظة، استعادت الأمة الجريحة شرفها، تغيرت الخريطة السياسية للشـرق الأوسط.
وإذا كنا نقول ذلك اعتزازًا – وبعض الاعتزاز إيمان – فإن الواجب يقتضينا أن نسجل من هنا، وباسم هذا الشعب، وباسم هذه الأمة ثقتنا المطلقة في قواتنا المسلحة، ثقتنا في قيادتها التي خططت، وثقتنا في ضباطها وجنودها الذين نفذوا بالنار والدم، ثقتنا في إيمان هذه القوات المسلحة وثقتنا في علمها، ثقتنا في سلاح هذه القوات المسلحة وثقتنا في قدرتها على استيعاب هذا السلاح.
أقول باختصار: إن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف، أنه قد أصبح له درع وسيف، أريد من هنا أن أشد انتباه حضراتكم معي إلى الجبهة الشمالية حيث يحارب الجيش السوري العظيم معركة من أمجد معارك الأمة العربية تحت القيادة المخلصة والحازمة للأخ الرئيس حافظ الأسد.
وأريد أن أقول لإخوتنا في الجبهة الشمالية أنكم عاهدتم وكنتم الأوفياء للعهد، وصادقتم وكنتم أشرف الأصدقاء، وقاتلتم وكنتم أشجع المقاتلين .. إنكم حاربتم حرب رجال وصمدتم صمود أبطال، ولم يكن في مقدورنا أن نجد رفقة سلاح أكثر مدعاة للطمأنينة والفخر من هذه الرفقة التي تشرفنا بالقتال فيها معكم، ضد عدو واحد لنا هو عدو أمتنا العربية كلها، لقد كنا معًا طلائع المعركة، تحملنا معًا ضراوتها ودفعنا معًا أفدح تكاليفها من دمائنا ومن مواردنا، ولسوف نواصل القتال ولسوف نتحدى الخطر، ولسوف نواصل مع أخوة لنا، تنادوا إلى الساحة صادقين مخلصين، سوف نواصل جميعًا دفع ضريبة العرق والدم حتى نصل إلى هدف نرضاه لأنفسنا وترضاه أمتنا لنضالها في هذه المرحلة الخطيرة من مراحله المتصلة والمستمرة
أيها الأخوة والأخوات:
كان ذلك عن الحرب، والآن ماذا عن السلام ؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.