الكاتب الصحفي عبدالرازق توفيق يكتب : روح أكتوبر.. ودولة 30 يونيو
قواتنا المسلحة الباسلة وقدرة مستمرة على تكرار النصر

لم يكن ما حدث لمصر فى 5 يونيو 1967 أمرًا هينًا، بل صدمة قاسية، وضربة موجعة، ومؤلمة، على كافة الأصعدة فقدت خلالها سيناء التى احتلها العدو الصهيوني، ثم تدمير جزء كبير من القدرات العسكرية، تحول خطير مفاجيء فى مسيرة الوطن خلف تحديات وجودية، وأهداف مصيرية سواء باسترداد سيناء، وتعويض القدرة العسكرية التى دمرت من أجل تحقيق هدف التحرير.
الحقيقة أن الذى حدث لمصر فى 5 يونيو كان كفيلاً بإسقاط الدولة، لكن الدول العظيمة لا تسقط مهما واجهت من كوارث من هنا جاء رد الفعل الشعبى والعسكرى على ما جرى أمرًا يعكس عظمة الأمة المصرية، الجيش المصرى أعلن أن المعركة الحاسمة قادمة لا محالة، استهدف العدو فى عمق سيناء، من خلال القوات الجوية التى فقــدت 80 ٪ من قدراتها فى يونيو، ثم عمليات خاصة استنزفت قوات العدو، وفى 21 أكتوبر 1967، كانت قواتنا البحرية مع ضربة قاصمة للعدو، حيث دمرت لنشات الصواريخ المصرية أكبر واحدث مدمرة إسرائيلية إيلات، وهو الذ» غيًّر الكثير من المفاهيم العسكرية، هنا فى ذات الوقت بدأت قواتنا المسلحة، ملحمة إعادة البناء بأسلوب علمي، على أسس صحيحة وهيكلة شاملة، بعد دراسات معمقة لأسباب ما حدث، والوقوف على الثغرات وتعظيم نقاط القوة، والخروج بدروس مستفادة وبدأت سنوات الاستعداد للثأر ومعركة الكرامة والتحرير، والتى استمرت 6 سنوات تخللتها حرب الاستزاف وأعمال بطولية استثنائية، أعادت الثقة للمقاتل المصرى وتم كشف حقيقة العدو وترويجه للأكاذيب حول قوة مزعومة.
على المستوى السياسي، كان الرد من الشعب المصرى الذى رفض قرار الرئيس جمال عبدالناصر بالتنحى وقرر الثأر وتحرير الأرض واسترداد الكرامة، بنفس القيادة، وتمسك بالرئيس جمال عبدالناصر وأعلن دعمه الكامل والمطلق لقواته المسلحة، وأنه مستعد للتضحية بكل شيء من أجل تحقيق الثأر والنصر، وبالفعل تحمل المصريون صعوبات وتحديات وتداعيات قاسية لكنهم كانوا يدركون أن الهدف أعظم وبعد 6 سنوات، وتحديدًا فى السادس من أكتوبر 1973 جاءت لحظة الحصاد لملحمة الإصلاح والبناء والتخطيط العسكرى الفذ، وأيضا الصبر والتضحيات والاصطفاف الذى جسده المصريون، عبر الجيش المصرى العظيم القناة إلى الشرق، لتحرير الأرض، متخطيًا المستحيل بعينه، أكبر مانع مائى وساتر ترابي، ومياه ملغومة بالنابالم، ونقاط حصينة، وقوات العدو كانت تنتظر فى الشرق لكنها لم تتوقع أن يقوم المصريون على مازعموا أنه المستحيل أو الانتحار لكن خير أجناد الأرض لا يصعب عليهم هذا المستحيل لقد كان التخطيط والتنفيذ عبقريًا مبهرًا عكس قدرة الإنسان المصرى على إدارة هذا العمل الإعجازى والملحمى والأسطوري، وتحويل الانكسار إلى أعظم انتصار، رغم أن الجيش المصرى لم يكن متفوقًا على عدوه المدعوم بأحدث منظومات التسليح الأمريكى والغربي، لكن الجندى المصرى والمقاتل الفذ امتلك ما هو أقوى من السلاح الإيمان والإرادة، والإصرار والاستعداد، والتخطيط ووحدة الهدف، والاستعداد للتضحية والشهادة الحقيقية أن نصر أكتوبر العظيم، تجسيد عبقرى لمعدن الإنسان المصري، وقدراته الاستثنائية فقد جمعت ملحمة العبور بين كل عناصر ومقومات النجاح والتفوق، بدءًا من تحويل لحظة الهزيمة إلى أسباب ودوافع لتحقيق النصر بالإمكانيات والقدرات المتاحة، لقد كانت استدارة تاريخية استنهضت الجينات الحضارية داخل الإنسان المصرى الذى لم يرض بالهزيمة، وتحدى كل الظروف القاسية وتمرد على قوانين الطبيعة، أصلح وبنى وخطط وإدار ونفذ بأروع ما يكون.
لا شك أن وراء معجزة العبور هذا الزلزال العسكرى الذى قلب الفكر العسكرى رأسًا على عقب، وأجبر أعرق المؤسسات والمعاهد العسكرية فى العالم إلى تغيير الكثير من المفاهيم القتالية والعسكرية، وبات نصر أكتوبر هذا الإنجاز العسكرى الملحمى والأسطورى شهادة ثقة تتوارثها جميع الأجيال فى قواتنا المسلحة الباسلة وقدرة مستمرة على تكرار النصر فى كل مرة ورسالة ردع مصر ستظل باقية على مدار التاريخ فالجيش الذى حقق هذا النصر بهذه الإمكانيات يخشى منه، ويعمل له مليون حساب، والحقيقة أن المقاتل المصرى هو من صنع الفارق، ويكفى أن موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى عقب ما حدث فى 5 يونيو 1967 قال إن الجيش المصرى لن تقوم له قائمة ولن يفكر فى الرد قبل 50 عامًا وإذا به يفاجأ أن الرد المزلزل جاء بعد 6 سنوات وحطم الاسطورة المزعومة للجيش الذى لا يقهر، وقطع يده الطولي.
ربما تكون السطور السابقة مقدمة طويلة، لما أريد الحديث عنه، سؤال مهم، ما السر وراء هذا النصر العظيم الذى تحقق فى 6 أكتوبر 1973؟ أنه الروح المصرية الفياضة التى لا تقف أمامها صعوبات أو مستحيل، أنها روح أكتوبر العظيم الذى مازلنا نستمد فيه طاقة الإلهام والتحدى والقدرة على تجاوز الصعاب والتحديات، وما أشبه الليلة بالبارحة يعود الجيش المصرى العظيم، لتحقيق نصر من نوع آخر هو، إنقاذ مصر من مصير مجهول، فى يناير 2011 حيث مخطط الفوضى والإسقاط، ودفع مصر إلى أتون الضياع، وقف أبطال الجيش المصرى كالجبل أمام هذا المخطط، لتنجو مصر من مؤامرة خبيثة ضاعت بسببها بعض دول المنطقة هذه الروح أيضا كانت جاهزة ومتوهجة فى دولة 30 يونيو 2011، ويكفى أن أخبرك بأنه بعد يناير 2011 وصعود الإخوان المجرمين إلى الحكم، قالت إسرائيل إن مصر لن تقوم لها قائمة قبل 500 عام وأن مخططاتهم وأوهامهم فى ابتلاع سيناء وتقسيم مصر ستعرف طريقها إلى الواقع، ليأتى رد المصريين الذين انتفضوا مثل المارد، بعدما جرت فى عروقهم من جديد «روح النصر» وبعد أن اكتشفوا خيانة الجماعة الإرهابية وتآمرها على مصر، ومخططتها لتقسيم البلاد والعباد، وتحويلها إلى حرب أهلية وأن تكون مصر تابعة تنفذ الإملاءات والتعليمات من قبل أعدائها، خرج المصريون «الخروج الكبير والعظيم» فى 30 يونيو 2013 لعزل وطرد نظام الإخوان، وقد كان لهم ما أراردوا حيث تصدى جيش مصر العظيم الذى لبى نداء شعبه لإرهاب وإجرام الإخوان، حيث حمى وأنقذ القائد العظيم الفريق أول عبدالفتاح السيسى القائد العام وزير الدفاع والانتاج الحربى آنذاك، روح أكتوبر العظيم التى لم نستثمرها بالشكل المطلوب فى عقود مضت كانت حاضرة ومتوهجة، عندما دحرت مصر المؤامرة على سيناء، حيث نجحت قواتنا المسلحة فى القضاء على الإرهاب وتطهيرها من دنس الإخوان المجرمين، روح أكتوبر كانت حاضرة بتنفيذ أكبر عملية تنمية وتعمير فى سيناء صنعت الفارق روح أكتوبر، و30 يونيو قادت أكبر ملحمة إصلاح وبناء وتنمية فى مصر فى كافة ربوع البلاد وفى جميع القطاعات، لتصنع الفارق فى بناء اقتصاد وطنى حافل بالفرص، ومستقبل واعد، وبناء للإنسان المصرى وتمكينه من الحياة الكريمة، روح أكتوبر و30 يونيو، حاضرة فى قدرة مصر الفائقة على مجابهة التهديدات والمخططات والحدود المشتعلة، ومؤامرات البر والبحر، وأيضا فى إفشال مخطط التهجير، وفى بناء الدولة الحديثة القوية القادرة، القوة الإقليمية العظمى التى يعوًّل عليها العالم ويثق فى قدرتها على ترسيخ الأمن والسلام والاستقرار فى الشرق الأوسط تحية لأبطال أكتوبر الذين منحونا النصر والكرامة والثقة، تحية لقائد عظيم استلهم الروح المصرية فحقق معجزات الإنقاذ والإنجاز أنه الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى استشرف المستقبل، تحول جيش مصر العظيم إلى جيش دولة عظمى بما يواكب حجم التحديات والتهديدات التى تواجه الوطن، تحية إلى شهداء مصر الأبرار.
تحيا مصر