عبد الناصر البنا يكتب : خطة ترامب .. الدواء فيه سم قاتل !!

تخيل معى لو أنك إنفردت ب ” قط شرس ” كان منغص عليكم عيشتكم ، وقمت بحبسه فى غرفة وحاولت قتله وضيعت عليه كل سبل النجاة ، كونك أحكمت غلق الأبواب والنوافذ عليه ، تخيل القط ده ممكن يعمل فيك إيه ؟ ودا إللى حصل معى فى بداية حياتى ، وقتها القط وقف على رجليه الخلفيتين وصدر منه صرخات مرعبة تشبه الرعد ، وكاد أن يفتك بى لولا أن وجد له متنفس للهرب .. وقد كان !!
هذا الموقف يذكرنى بأوضاع أهل غزة ، تخيل هؤلاء الناس بعد أن أوغلت إسرائيل وأثخنت فى القتل ، وضيقت عليهم كل سبل الحياة من مأكل ومشرب ومأوى .. وغيرها ، وهجرتهم من بيوتهم بعد أتت بعاليها أسفلها ، وأبعدتهم منها إلى الحدود مع مصر ، فهل هناك من سبيل أمامهم غير إقتحام الحدود المصرية ” عنوة ” لكى ينجو بأنفسهم من الهلاك ، وبرأيك ماهو رد فعل مصر المتوقع حيال ذلك !!
هذا هو ماتريدة أمريكا وإسرائيل حرفيا ، محاولة إحراج مصر ” عربيا ــ ودوليا ” عملا بالمصطلح الدارج وضعها فى خانة اليك ، فى زمن كثر فيه المتربصين . فى الـ أشهر التالية لـ وقف القتال الأول وتبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل فى يناير 2025 فى عهد الرئيس ” جو بايدن ” كان هناك أكثر من مقترح وخطة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى برعاية مصر وقطر وأمريكا ، وكانت هناك مبادرة من المبعوث الأمريكى للشرق الأوسط ” ستيف ويتكوف ” ولولى العهد السعودى ورئيس فرنسا ، ومن حماس وإسرائيل وكلها مبادرات باءت بالفشل إما من جانب حماس أو لـ تعنت إسرائيل .
إلى أن وصلنا إلى المبادرة الأخيرة التى صاغها بليل ” دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو ” والتى سميت بخطة ترامب لإنهاء الحرب فى غزة ، والتى سبقتها بروبجندا لم يسبق لها مثيل ، وتصريحات جوفاء ، كان الهدف من وراءها الفوز ” بجائزة نوبل للسلام ” معللا ذلك بأنه أوقف ثمانية حروب فى ثمانية أشهر من بينها الخلاف بين مصر وأثيوبيا وبين الهند والباكستان على غير الحقيقة بالقطع ، ويبدو أن رئيس أمريكا من كثرة الكذب أصبح يصدق نفسه !!
الخطة تتضمن 21 بندا كلها ” فخاخ ” أو قنابل موقوته ، تماما كالدواء الذى يحمل سما زعافا قاتلا ، خطة ترامب أعقبها تهديد أشبه مايكون ” بنصوص اللعنه ” الموجودة على جدران المقابر الفرعونية التى تتوعد من يؤرق الملك فى نومه .. ولكن شتان مابين هذا وذاك ، دونالد ترامب أمهل قادة حماس 3 أو 4 أيام للرد على خطة غزة المزعومة ، وتوعد بمصير قاتم فى حال الرفض ، وبعواقب وخيمة ، وأنه سوف يطلق يد نتنياهو يفعل مايشاء ، وكأنه أعمى لايرى مافعله نتنياهو المجرم بأهل غزة لـ يعقب أنه فى حال الرفض لا يمكن منعه من فعل ما يجب فعله وهو يقصد ” الخيار المر ” . ولعلنا نتذكر أنه سبق وتوعد حماس بالجحيم !! .
دونالد ترامب لو كان رجلا يسعى لـ سلام حقيقى فى غزة ، والشرق الأوسط ما أوعز لـ أمير قطر بإستضافة قادة حماس بما فيهم ” خالد مشعل ” فى المكان الزمان المحددين فى الدوحة مستهدفا قتلهم فى عملية واحدة تضاهى تلك التى فعلتها إسرائيل مع حكومة الحوثى فى اليمن ، والعجيب أن يخرج هذا المتبجح على العلن لـ يعتذر بأن ماحدث لدولة قطر كان خطأ ، بل ويوقّع أمرًا رئاسيًا غير مسبوق جاء فيه أن الاعتداء على سيادة قطر هو إعتداء على الولايات المتحدة الأمريكية .. أى عهر هذا ياترامب .
السم فى خطة ترامب كونها مشروع إستعمارى بحت يرسخ لفكرة الإحتلال ، ويفرط فى حقوق شعب فلسطين فى
تقرير مصيره وفى إقامة دولته التى حظيت بموافقة أغلبية 82 % من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى أن
خطته المزعومة لم تشر إليها لامن قريب أو بعيد ، ناهيك عن كونها ترسخ لفكرة التهجير والوصاية التى يحاول أن
يفرضها من خلال تشكيل “مجلس سلام” لإدارة القطاع برئاسته وعضوية ” تونى بلير ” رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ،
لما له سمعه غير طيبة . هذا المجلس ينأى بفلسطين خارج شرعية الأمم المتحدة ويضعها تحت رحمة مجلس
السلام . الخطة لم تعط بارقة أمل واحدة لإنسحاب إسرائيل من غزة وفق جدول زمنى محدد ، فضلا من كونها محاولة
لإنقاذ نتنياهو سياسيا من ورطة عدم عودة الرهائن أمام شعبه ومعارضية .
عملية نزع سلاح المقاومة بواسطة قوة عربية إسلامية ، ووجود قوات عسكرية دولية لفرض الأمن فى القطاع ؛ وعدم
وجود جدول زمنى للإنسحاب والبنود العائمة الغير واضحة المعالم والكلام المرسل ، جعل من المستحيل أن يكون
هناك إجماع عليها من قبل قيادات حماس أو أى عاقل على وجه الأرض ، وقد تكون الحسنة الوحيدة فى هذه الخطة
الجهنمية هى وقف آلة القتال والدمار التى تدور رحاها بلا هوادة فى غزة ، وهنا يكمن إجماع قادة العالم عليها وفى
القلب منهم مصر ، ومحاولة دعمها وتقريب وجهات النظر من أجل الوصول بها إلى بر الأمان . وأضعف الإيمان لـ رفع
الحرج من عمليات الإبادة الجماعية التى يتعرض لها أهل غزة إنطلاقا من إلتزامهم الأخلاقى أمام ضغوط شعوبهم .
أما من منظور مصر فهى ترى أن وقف الحرب فى غزة معناه وقف عملية الإبادة الجماعية ، إجهاض مخطط التهجير ،
والأهم هو تفادى صدام عسكرى كان لامحالة قادم سواء مع الكيان المحتل أو مع الفلسطينيين فى حال إقتحامهم
للحدود ، وقف القتال هو فرصة لـ إلتقاط الأنفاس بعد جولات مكوكية قادتها مصر ” سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا ”
طوال عامين ” عجاف ” منذ عملية طوفان الأقصى فى الـ 7 اكتوبر 2023 حتى اليوم .
أما أنا فى إعتقادى أن خطة ترامب ماهى إلا محاولة لعملية خداع إستراتيجى كبرى قد تكشفها الأيام القليلة القادمة
.. ندعوا الله أن ينجينا من الفتن والمهالك ماظهر منها وما بطن ، وأن يجعل كيدهم فى نحورهم .. حفظ الله مصر .