” باب الكهف ” ..قصة قصيرة للإعلامي محمود عبد السلام 

الإعلامي محمود عبد السلام

تناثرت سحب الخريف فى السماء البعيدة ، على الشاطئ المهجور ، يجلس رجل غريب ، ينتظر شيًىء عجيباً ، هاجر من بلاد بعيدة ، لاقى الاهوال فى طريقة ، تخطى الصحراء الموحشة ، والحيوانات المفترسة والاشجار ذات الاشواك الطويلة كالسيوف ، تسمم بلدغات الافاعى ، وطاردته الذئاب ، ومرت عليه ليالى بغير نهار ، وايام دون ليل ، اختفى القمر من السماء شهوراً ، واصبح الليل سواداً حالك الظلمة ، ومرت ايام دون ليل اهلكته الشمس الحارقة ، مات سنوات ثم ارتدت فيه الروح وعاش سنوات وهو ميت ، كان امره كله غريباً ، مشى وهو طفل بلاداً يبحث عن الشاطئ المهجور , اعادوه الى امه ، ممسوساً من الجن ، تنطلق على لسانه الاشعار فيقول القصائد الطوال ، يصمت بعدها شهوراً ، ثم ينطق بلغة غريبة ، قال عنها حكيم المدينة انها لغة الاجداد التى اندثرت ، وطمرت تحت الرمال ، ظل الى ان شب عن الطوق ، ومازال يرى فى احلامه الشاطئ المهجور ينادى وبين بخر البحر يرى فتاه جالسة تنتظره ، فى عمر الشباب هجر المدينة وذهب يبحث عن السماء البعيدة والشاطئ المهجور ،قضى عقوداً من الزمان وهو فى الطريق ، شاب الشعر انحنى الظهر وصمت اللسان ، وفى يوم خريفى وصل الى الشاطئ ، تمدد على الرمال ، وراح فى سُبات عميق نام ليلة او اثنتين او عشرة ، لم يدرى ، لكنه استيقظ على صوت الموج وقطرات من الندى تتداعب وجه ، تلفت حوله لم يجد بشراً ولا جان ولا حيوان ، نظر تجاه البحر ، وجد بين الامواج فتاة تقترب نحوه ، حتى خرجت من البحر مبللة ويتساقط عنها قطرات الماء اللامعة الفضية المتوهجة بشعاع الشمس ، فرك عيناه ونظر ثم فركها مرة اخرى حتى تأكد ان ما يراه حقيقة ، فتاة مكتملة الانوثة لها ذيل سمكة ذهبى جميل ، خرجت من البحر تحمل بين يديها كنوزاً ثمينة ، اقتربت منه حثيثاً ، كان مبتهجاً وسعيداً وخائفاً، لكن ادركه الامان حين ، أبتسمت ، مدت له يداً بشرية واخفت الاخرى الزعنفية ، وجلست بجانبه ، حكى له بلغة اجداده عن مغامراته والامه التى مر بها حتى وصل اليها ، لم ترد لكنه رسمت له على رمال الشاطئ مشهداً من حلمه الذى تكرر على مر السنين ، ابتسم لها وهز رأسه بالموافقة ، ثم رسمت له مرة اخرى صورته طفلاً ، ازداد اندهاشه، ثم تركته ونزلت الى البحر وهى تدعوه للنزول معها ، تردد قليلاً ، ثم اندفع بكل قوته ناحية الماء والامل يحدوه ان يجد حلمه ، غاص عميقاً حتى تعدى المسافة المضيئة فى الماء ، الى المسافة المعتمة ، وهناك وجد كهفاً مغموراً بالماء والرمال يضئ بأسماك فوسفورية ، ووجد أيضاً اهله واهل مدينته يحيط بهم اللؤلؤ الابيض فى كل مكان ، دخل الى الكهف فانغلق عليه من الخارج وساد ظلام دامس ، فتلمس مكاناً بينهم ثم جلس ساكناً منتظراً ان يفتح باب الكهف يوماً ما .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.