٥٢ عاما مضت ولا تزال حرب السادس من أكتوبر ٧٣ نبراسا ونورا يضيء الطريق نحو مستقبل مزدهر حيث كانت بمثابة ملحمة بطولية توقف عندها كاتبو التاريخ طويلا لما شهدته تلك المعجزة العسكرية من بطولات وتضحيات مصرية متكاملة الأركان
وستظل حرب أكتوبر المجيدة رمزا خالدا لقوة الإرادة المصرية وقدرتها على عبور المحن وقهر المستحيل ومثار فخر للشعب المصري وللعرب جميعا ولم لا وقد قضت على غطرسة الجيش الذي لا يقهر واستعادت كبرياء الأمتين العربية والإسلامية
و تحت شعار ” إرادة شعب .. صنعت مجد ” تحتفل مصر وقواتها المسلحة هذه الأيام بالذكرى الثانية والخمسين لحرب أكتوبر المجيدة ذلك النصر المبين الذي قاتل المصريون من أجله ودفعوا ثمنا غاليا من دمائهم الطاهرة ليستردوا جزءا عزيزا من أرض الوطن هو أرض الفيروز سيناء
لقد حقق جيل أكتوبر العظيم ملحمة النصر واستطاعوا تحطيم أسطورة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يقهر ورفع راية الوطن على ترابه المقدس وأعاد للعسكرية المصرية الكبرياء والشموخ حين عبر عشرات الآلاف من أبطال القوات المسلحة يوم ٦ أكتوبر عام ١٩٧٣ إلى الضفة الشرقية لقناة السويس لاستعادة أغلى بقعة في الوطن هي سيناء واستعاد المصريون معها كرامتهم واحترام العالم وهو ما يجعلها علامة مضيئة في تاريخ العسكرية المصرية العريقة فقد تبارت فيها جميع التشكيلات والقيادات في أن تكون مفتاحا لنصر مبين إذ علمت العالم أن الأمة المصرية قادرة دوما على الانتفاض من أجل حقوقها وفرض احترامها على الآخرين وأن الحق الذي يستند إلى القوة تعلو كلمته وينتصر في النهاية وأن الشعب المصري لا يفرط في أرضه حتى تفيض روحه وقادر على حمايتها والزود عنها
نجحت الاستراتيجية العسكرية المصرية في إسقاط نظرية الأمن الإسرائيلي في معظم نقاطها فلم تستطع العوائق
الطبيعية القوية بين القوتين من منع المصريين من بدء الهجوم كما لم يحقق احتلال شرم الشيخ ضمانا للملاحة
الإسرائيلية في خليج العقبة ولم تحقق القوات الجوية المتفوقة ردعا للمصريين واستطاعت مصر أن تدير أعمالا قتالية
بالغة العنف ضد إسرائيل فترة طويلة من الزمن نسبيا الأمر الذي أثر على المجتمع الإسرائيلي واقتصاديات الدولة
وأدى التنسيق مع الجبهة السورية قبل بدء القتال وفي المراحل الأولى إلى تشتيت الجهود الإسرائيلية على جبهتين
وتمكنت خطة الخداع الاستراتيجية من تضليل القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية كما نجحت القيادة السياسية
والعسكرية في إعداد الدولة للحرب على أسس علمية وساعد ذلك على تنفيذ الحشد والفتح الاستراتيجي للقوات
طبقا للخطة بدر ومن خلال خطة خداع استراتيجي معقدة دون مشاكل تقريبا ودون أن تفطن القيادة الإسرائيلية
واستطاعت الاستراتيجية العسكرية المصرية استغلال الطاقات العربية بقدر المستطاع سواء بالدعم المالي أو شراء
الأسلحة اللازمة أحيانا أو الدعم بالقوات المحدودة أحيانا أخرى وقد نجح ذلك في تجنب كثير من المواقف الصعبة
خاصة في الأيام الأخيرة من الحرب
كان نصر أكتوبر بمثابة نقطة تحول حاسمة في تاريخ العلاقات الدولية وأعظم درس تاريخي على امتداد القرن الماضي
فلقد أثبتت معركة النفط واستخدامه كسلاح استراتيجي أن النظام الدولي انعكاس لواقع موازين القوى الحقيقية فقد
اعتبر رفع أسعار النفط في عام ٧٣ / ١٩٧٤ بمثابة انتصار جماعي للعالم الثالث
وأثبتت الحرب للعالم أجمع قدرة المصريين على إنجاز عمل جسور يستند إلى شجاعة القرار ودقة الإعداد والتخطيط
وبسالة الأداء والتنفيذ مما أكد للجميع أن الشعب المصري ضرب أروع صور البطولة ووقف إلى جوار قواته المسلحة.
أكدت حرب أكتوبر استحالة سياسة فرض الأمر الواقع واستحالة إجبار شعوب المنطقة كما أثبتت أيضا أن الأمن
الحقيقي لا يضمنه التوسع الجغرافي على حساب الآخرين ولذلك تنبه العالم لضرورة إيجاد حل للصراع العربي
الإسرائيلي وكان من أبرز نتائج تلك الحرب رفع شعار المفاوضات وليس السلاح
وما أشبه الليلة بالبارحة فإذا كانت حرب أكتوبر المجيدة ولا تزال ملحمة وطنية مصرية متكاملة عادت فيها أرض سيناء
الحبيبة إلى وطنها الأم وتجمعت فيها كل المبادئ الوطنية والقيم السامية وأسس النجاح والتميز من إرادة حديدية
وإيمان بالله وثقة في النصر والانتماء والولاء للوطن فإن ما تقوم به مصر قيادة وحكومة وجيشا طوال السنوات الأخيرة
من أعمال تأمين ومشروعات عمران وتنمية خير دليل على يقظة هذا البلد ووعيه بما يحاك ضده من مؤامرات
ومخططات تستهدف زعزعة استقراره والنيل من وحدة شعبه وأرضه أيضا