جمال عبد الناصر واحدًا من أهم الزعماء العرب في القرن العشرين، وقائدًا تاريخيًا لعب دورًا محوريًا في مقاومة الاستعمار الغربي، سواء داخل مصر أو في العالم العربي والأفريقي.
لم يكن عبد الناصر مجرد رئيس دولة، بل كان رمزًا للتحرر الوطني وصوتًا قويًا ضد الاستعمار والإمبريالية، حيث استطاع أن يُحدث تغييرات جذرية أثّرت على مستقبل المنطقة بأكملها.
بعد الحرب العالمية الثانية كانت مصر لا تزال تحت النفوذ البريطاني رغم وجود حكومة مصرية شكلية، فالبريطانيون يسيطرون على قناة السويس أهم شريان مائي عالمي ويملكون نفوذًا سياسيًا وعسكريًا كبيرًا.
أما في العالم العربي فقد كانت معظم الدول خاضعة للاحتلال المباشر أو تحت الوصاية الأجنبية، وفي هذا المناخ نشأ جمال عبد الناصر الذي كان ضابطًا في الجيش المصري وتبلورت في داخله فكرة التحرر الوطني.
قاد عبد الناصر مع مجموعة من الضباط الأحرار ثورة 23 يوليو 1952 التي أنهت حكم الملك فاروق وأسقطت النظام الملكي المرتبط بالإنجليز، وكانت الثورة بمثابة الشرارة الأولى لتحرير مصر من الهيمنة الاستعمارية، إذ أعلنت هدفها الأساسي وهو إنهاء الاستعمار وإقامة دولة مستقلة ذات سيادة.
ألغت الثورة الامتيازات الأجنبية، وبدأت في مفاوضات لإنهاء الاحتلال البريطاني، كما وضعت أسسًا لجيش وطني
مستقل. وبعد ضغوط سياسية وشعبية استطاع عبد الناصر أن يحقق إنجازًا كبيرًا بتوقيع اتفاقية الجلاء مع بريطانيا عام
1954، والتي قضت بانسحاب القوات البريطانية من مصر بشكل كامل بعد أكثر من سبعين عامًا من الاحتلال، وهو ما
اعتُبر انتصارًا تاريخيًا جعل عبد الناصر زعيمًا قوميًا في عيون المصريين والشعوب العربية.
ومن أبرز مواقفه في مواجهة الاستعمار قرار تأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956، حيث أعلن أن القناة ملك
للشعب المصري وليست خاضعة للشركات الأجنبية. هذا القرار مثّل تحديًا مباشرًا للهيمنة البريطانية والفرنسية،
ودفع بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لشن العدوان الثلاثي على مصر، لكن الجيش والشعب صمدوا، وفشل العدوان تحت
ضغط المقاومة الشعبية والرفض الدولي، وكان الانتصار في معركة السويس لحظة فاصلة أثبتت أن الشعوب العربية
قادرة على هزيمة الاستعمار.
ولم يقتصر دور عبد الناصر على مصر فقط، بل امتد إلى دعم حركات التحرر الوطني في كل مكان، فقد دعم الثورة
الجزائرية بالسلاح والمال والإعلام حتى حققت استقلالها عام 1962، كما دعم ثورات اليمن الجنوبي وعُمان وليبيا ضد
الاستعمار البريطاني والإيطالي، وساند حركات التحرر في أفريقيا مثل غانا وتنزانيا والكونغو.
وعلى الصعيد الدولي أسس مع نهرو وتيتو حركة عدم الانحياز لتكون جبهة للدول المستقلة في مواجهة الاستعمار
القديم والجديد.
أما داخليًا فقد عمل عبد الناصر على طرد النفوذ الاستعماري الاقتصادي والثقافي، فقام بتأميم البنوك والشركات
الأجنبية، وبنى السد العالي بتمويل مصري وسوفيتي بعد رفض الغرب، ونشر التعليم المجاني ليكسر احتكار النخبة
المرتبطة بالاستعمار للثقافة، وعزز الهوية العربية والوطنية في مواجهة محاولات الهيمنة الثقافية الغربية.
ورغم الانتقادات التي وُجهت له خاصة بعد هزيمة 1967، فإن جمال عبد الناصر يبقى رمزًا لمقاومة الاستعمار، فقد
غيّر وجه المنطقة وأثبت أن الشعوب قادرة على فرض إرادتها، وأن الاستقلال لا يكتمل إلا بالسيادة الكاملة على
الأرض والموارد والقرار السياسي.
وهكذا لم يكن عبد الناصر مجرد رئيس جمهورية بل كان قائد ثورة حررت مصر من الاحتلال البريطاني وألهمت الشعوب
العربية والأفريقية لطرد الاستعمار، وعبر ثورة يوليو واتفاقية الجلاء وتأميم القناة ودعمه لحركات التحرر أصبح بحق رمزًا