الكاتب الصحفي عبدالرازق توفيق يكتب :دروس من محنة الشرق الأوسط

لا يمكن أن تمر الأحداث الساخنة والتصعيد الخطير فى المنطقة وما تشهده من متغيرات جيوسياسية حادة وصراعات عنيفة وحروب دامية ومخططات ومؤامرات وأوهام دون أن تكون هناك عبر ودروس مستفادة تؤكد على الصواب وتعالج الثغرات فى دول المنطقة تتجلى فيها رؤى وإرادة وفكر قادة عظماء حفظوا لوطنهم أمنه وسلامته واستقراره وحدوده ومواقفه.. وهناك دول ارتكبت أخطاء كارثية وغابت عنها فكرة الاستثمار فى الدولة الوطنية.. وسمحت بتوغل الجماعات والميليشيات والكيانات الموازية على حساب الدولة الوطنية.. هذه الكيانات تسببت دون وجود تقديرات أو حسابات.. أو إدراك لمفهوم الدولة وكيفية اتخاذ قرار الحرب فى توريط دولها فى مواجهات أدت إلى تدمير كبير واضعاف ملحوظ بل فقدان أجزاء من أراضيها وفرض العدو الصهيونى سيادته عليها بالاحتلال والتوسع.
الحقيقة لا أجامل وليس لأنى مواطن مصرى وهذا شرف وفخر أعيش به وعليه.. أن الدولة المصرية نموذج للدولة الوطنية العظيمة التى تتوحد فيها وتتناغم كافة المؤسسات الوطنية وتعزف لحناً واحداً.. هو مصلحة الوطن والعمل على حمايته وتحقيق مصالحه وغاياته.. فلا مجال ولا وجود لكيانات أو ميليشيات أو جماعات موازية تنازع الدولة الوطنية فى سلطاتها وقراراتها.. أو وجود كيانات موازية لمؤسسات الدولة.. فالسلاح فى يد الجيش والشرطة فقط.. ومن يرفع السلاح فى وجه الدولة لا رحمة به ومعه.. دولة قرارها واحد.. دولة مؤسسات تدير أمورها وتحقق أهدافها وفق حسابات دقيقة تتخذ فى ذلك أحدث ما وصل إليه العلم وما تفرضه الحكمة من وسائل وأساليب وقرارات حفاظاً على أمن ووجود ومسيرة الوطن والحفاظ على استقرار شعبه وبما يحفظ الأرض والحدود.
مصر التى تقف قوية قادرة شامخة صلبة وحيدة فى وجه الطوفان.. أعنى المخطط الصهيو- أمريكى ترفض ولا تقبل تجاوز الخطوط الحمراء.. أو القانون الدولي.. أصدرت مجموعة من اللاءات التى تعكس قوتها وشرفها دون مواربة أو خوف.. لا تصفية للقضية الفلسطينية.. لا تهجير للفلسطينيين تحت أى سبب أو بأى شكل.. لا مساس بأمنها القومي.. وهناك لاءات كانت فى وجه أمريكا مباشرة.. رفض مطلب الرئيس دونالد ترامب باستقبال الفلسطينيين بالأراضى المصرية فى إطار خطط التهجير.. رفض العبور المجانى للسفن الأمريكية من قناة السويس.. رفض المشاركة فى الاعتداء على أى دولة فى المنطقة لا يتسق مع الثوابت المصرية.. رفض قاطع وتصدى حاسم لأى محاولات لانتهاكات السيادة المصرية.. براً وبحراً وجواً.. أى لقاءات رئاسية لابد من الاتفاق عليها وتخضع للمعايير والشروط والضوابط المصرية وتتواكب مع مواقفها.. لذلك بات كل مواطن مصرى يدرك عظمة بلاده وقيادتها وشموخها وكيف حفظت لهذا الوطن كرامته.
الحقيقة ان العدوان الصهيونى على مدار عامين على قطاع غزة.. ودول أخرى فى المنطقة ومحاولات أمريكية- صهيونية مستميتة لتنفيذ مخطط التهجير باءت جميعها بالفشل حتى شعر الكيان نفسه أنه لا فائدة.. فمصر تقف كالجبل.. هذه المرحلة كانت ومازالت كاشفة وفارقة وثرية بالدروس المستفادة وأكدت على عبقرية الرؤية الرئاسية فى مصر فى الاستثمار فى بناء قدرات وتطوير وتحديث الجيش الوطنى وتزويده بأحدث منظومات التسليح وتحويله إلى أحد أقوى جيوش العالم.. ليس للعدوان أو الهجوم أو الطمع فى أحد.. ولكن لحماية الأمن القومى والسيادة المصرية ومجابهة التحديات والتهديدات والمخاطر المتزايدة.. بالإضافة إلى حماية مشروع مصر الوطنى لتحقيق التقدم.. وهذه المعجزة التنموية التى تدفع بهذا الوطن إلى الصعود والقوة والقدرة الشاملة والمؤثرة.
الأمر الثالث من دروس ما يحدث فى المنطقة يشير إلى أن غطرسة القوة لا تحقق أهدافها أو أطماعها بل تسطو دائما كما أكدت تجارب التاريخ.. فإسرائيل التى تمارس أبشع الجرائم ضد الإنسانية.. وتشن حرب إبادة وحصار وتجويع ضد الفلسطينيين لم تحقق أى نجاح فى تنفيذ مخطط التهجير يتلاشى رويداً رويداً مع استمرار الاستنزاف والانهاك والانقسام فى الداخل والعزلة الدولية.. لذلك فإن غطرسة القوة الصهيونية فشلت بشكل ذريع وأدت إلى نوبة من يقظة دول المنطقة واتجاهها إلى التحالف وإنهاء الخلافات النسبية والتقارب وبناء علاقات جديدة تقوم على المصالح والمصير المشترك من هنا.. فإن هناك صياغة إستراتيجية لدول المنطقة لمواجهة أوهام وأطماع ومخططات وغطرسة إسرائيل.. فى الوقت الذى باتت إسرائيل منبوذة إقليمياً ودولياً.
الحقيقة الرابعة التى لا لبس فيها والتى نجحت مصرفى تحقيقها بكفاءة وضعت الفارق فى إدارة ما يدور فى المنطقة.. هو الاستثمار فى بناء علاقات دولية قوية تقوم على الارتباط بالمصالح والشراكة الإستراتيجية وتبادل المنافع والاحترام المتبادل.. واتساق المواقف.. فالارتباط بمصالح إستراتيجية بين الدول والحكمة والتوازن والاحترام يخلق نوعاً من توليد الرؤى والمواقف وبالتالى نجحت مصر باستغلال قاعدة علاقاتها الدولية فى قلب الطاولة فى وجه إسرائيل وعزلها والتصدى لأوهامها حتى لم يبق لها سوى حليف واحد وهو الرئيس ترامب أو الإدارة الأمريكية حتى الشعب الأمريكى بات منقسماً رافضاً لجرائم إسرائيل وأيضاً رافضاً للدعم الأمريكى للكيان الصهيونى وظهرت أصوات جديدة داخل المجتمع الأمريكى حتى فى صفوف الحزب الديمقراطى ترفض الانحياز الراعى والدعم المطلق لإسرائيل.
القضية أو الأمر الخامس من دروس ونتائج عامين من الصراع والتصعيد والعدوان الصهيونى على غزة وعدد من الدول مثل لبنان وإيران واليمن وسوريا وقطر يؤكد أن الإقليم فقد أى نوع من الثقة والاطمئنان لدولة الاحتلال وأنه لا يلتزم باتفاق أو معاهدة ولا يحترم إلا القوة ويخشاها.
نقطة أيضاً مهمة أننا يمكن القول بأنه انتهى زمن وعصرالكيانات الموازية من جماعات وميليشيات مسلحة وأن مفهوم الدولة الوطنية ومؤسساتها هو من سيحل بالإضافة إلى استفاقة الشعوب التى عانت من الفوضى والتفكك وأدركت قيمة وأهمية الجيوش الوطنية ومؤسسات الدولة التى توفر له الأمن والاستقرار.. كما أكدت على أهمية الوعى الحقيقى والاصطفاف الوطنى فى حماية الدولة.
تحيا مصر