محمد نبيل محمد يكتب : قناة السويس : العبور الدائم والتدخل المستحيل (20)

الحرب العالمية الثانية وعودة الأطماع لقناة السويس ..
نستكمل الحديث عن قناة السويس وأسباب أطماع القوى الغربية بمصر وبداية الحرب العالمية الثانية، فقد أصبحت مصر عام 1882 بحكم الواقع مستعمرة بريطانية حتى عام 1922 عندما مُنحت مصر استقلالها، ولكن القوات البريطانية بقيت في البلاد حيث لم يقع الحكم الذاتي الحقيقي حتى عام 1952 مع حدوث ثورة 1952والجلاء البريطاني سنة 1954.
انتقال قيادة الأسطول البريطاني إلى الإسكندرية
عام 1930 نقلت بريطانيا مقر قيادة الأسطول الملكي البريطاني من جزيرة مالطا إلى الإسكندرية في هذه الفترة كانت مصر تقبع تحت حكم الملك فاروق الذي حكم مصـر في الفترة من 1936 إلى عام 1952وخلال الحرب العالمية الثانية وجهت انتقادات واسعة إلى سلوك وبذخ الملك فاروق , بل إن أصراره على إنارة كل أنوار قصره في الإسكندرية بينما كل المدينة تقبع تحت الظلام خلال القصف الإيطالي للمدينة كان من علامات الاستفهام الواسعة حول سلوكه وعلاقته وتأييده لدول المحور بالإضافة إلى خدمة الإيطاليين.
عندما كانت القوات الألمانية بقيادة إرفين رومل موجودة في العلمين، كان الموقف العسكري مشحونًا بالاحتمالات الخطيرة على مصر ولاتباع التقليد الدستوري الخاص بتشكيل وزارة ترضى عنها غالبية الشعب وتستطيع إحكام قبضة الموقف الداخلي، طلب السفير البريطاني من الملك تأليف وزارة تحرص على الولاء لمعاهدة 1936 نصًّا وروحًا قادرة على تنفيذها وتحظى بتأييد غالبية الرأي العام، وأن يتم ذلك في موعد أقصاه 3 فبراير 1942، ولذلك قام الملك باستدعاء قادة الأحزاب السياسية في محاولة لتشكيل وزارة قومية أو ائتلافية، وكانوا جميعًا – عدا مصطفى النحاس- مؤيدين لفكرة الوزارة الائتلافية برئاسته فهي تحول دون انفراد حزب الوفد بالحكم ولهم أغلبية بالبرلمان، فطلبت المملكة المتحدة من سفيرها السير مايلز لامبسون أن يلوح باستخدام القوة أمام الملك.
في 4 فبراير 1942 قامت القوات البريطانية بمحاصرته بقصـر عابدين ، وأجبره السفير البريطاني في القاهرة مايلز لامبسون على التوقيع على قرار باستدعاء زعيم حزب الوفد مصطفى النحاس لتشكيل الحكومة بمفرده أو أن يتنازل عن العرش.
الهجوم الإيطالى على قوات الاحتلال للاستيلاء على القناة
في 9 سبتمبر1940خلال الحرب العالمية الثانية شنت القوات الإيطالية المتمركزة في ليبيا هجومًا على القوات البريطانية المتمركزة في مصـر كان الهدف الأساسي للهجوم هو الاستيلاء على قناة السويس ومن أجل تحقيق هذا الهدف كان على القوات الإيطالية التقدم عبر شمال مصر للوصول إلى القناة بعد سلسلة من التأخيرات غُيِّر الهدف الأساسي من الحملة ليصبح التقدم نحو الأراضي المصرية وتدمير أي قوة تعترض سير الجيش الإيطالي في مصر.
تمكن الإيطاليون من التقدم 65 ميلًا داخل الأراضي المصرية واشتبكوا مع طلائع القوات البريطانية في حين كانت القوة البريطانية الأساسية تتمركز في مرسى مطروح والتي تألفت من الفرقة المدرعة السابعة وفرقة المشاة الهندية الرابعة اللتين كانتا تبعدان 80 ميلًا عن أقرب نقطة وصلت إليها القوات الإيطالية، أوقفت القوات الإيطالية تقدمها عند سيدي براني وباشرت في بناء الاستحكامات الدفاعية والتحصينات.
كانت القوة البريطانية الصغيرة تحت اسم القوة الصحراوية الغربية ويقودها القائد البريطاني ريتشارد أوكونور وكان قائده الأعلى هو أرشيبالد ويفل قائد القوات البريطانية في الشـرق الأوسط , بدأت القوات البريطانية الهجوم في الساعات الأولى من يوم 9 ديسمبر 1940 بالتفافة كبيرة في الصحراء، وقد نجح هذا الهجوم نجاحًا تامًا ، وقد ساعد في نجاحه التوزيع السيئ للمعسكرات الإيطالية ، ومن بين قتلى الهجوم الأول كان الجنرال ماليتي وفي 11 ديسمبر أصدر جراتسياني أمرًا بالتراجع للحدود ، وفي اليوم التالي كان البريطانيون قد وصلوا للحدود ، وقد أسروا حتى ذلك التاريخ 38000 جندي إيطالي.
في يوم 16 ديسمبر احتل البريطانيون “سيدي عمر” على الحدود، وفي ذلك الوقت كانت منطقة البردية في ليبيا والتي يبلغ محيطها العسكري حوالي 29 كيلو مترًا، تحرسها حامية من 40000 جندي تحت قيادة الجنرال بيرجونتسولي ، ولم يكن قادرًا على حمايتها طويلًا إذ لم يكن لديه مخزون كافٍ من الماء الصالح للشرب أكثر من شهر، في يوم 3 يناير 1941 حدث الهجوم البريطاني على البردية واستمر القتال في محيطها يومين آخرين أما جنود الحامية كان مصيرهم الأسر.
أما طبرق فقد كان محيطها أكبر حيث يبلغ 48 كيلو مترًا، إلا أن عدد جنود حاميتها أقل إذ يبلغون 25000 جندي وكان مصيرها الطبيعي أن يحتلها البريطانيون في 22 يناير أما الجنود فكان مصيرهم أيضًا الأسر، كما خسر الإيطاليون السفينة الحربية سان جورجو .
شكل السلوك الانهزامي للإيطاليين إغراء للبريطانيين لكي يتقدموا أكثر، لكن هذه المرة كان عليهم أن يتوغلوا في أراضي برقة الواسعة، والتي تشكل الصحراء مساحة كبيرة منها، وهي مجهولة بالنسبة لهم، لكنهم قبلوا المخاطرة.
تقدمت قوة أسترالية باتجاه درنة واحتلوا مطارها “مرتوبة” في 24 يناير، وفي 29 يناير أبلغهم بعض السكان المحليين أن الإيطاليين قاموا بإخلاء المدينة ، فقاموا باحتلالها في اليوم التالي ، ثم توغلوا في الجبل الأخضـر واحتلوا “القبة” يوم 31، في نفس الوقت كانت قوة بريطانية تتوغل في الصحراء باتجاه المخيلي فتم احتلالها في 27 يناير، ثم احتلت “خولان” في 28 يناير، وقد قاتل الجنود الإيطاليون بروح قتالية أفضل من قادتهم , في 2 فبراير غادر جراتسياني برقة تاركًا مهمة قيادة القوات إلى الجنرال تيللير قائد الجيش الإيطالي العاشر، طالبًا منه سحب كل القوات الإيطالية منها , في الوقت الذي كان فيه الأستراليون يتقدمون عبر الجبل الأخضـر، وكان القادة الإيطاليون يسحبون قواتهم من بنغازي تحاشيًا لمواجهتهم، كان البريطانيون يتقدمون عبر الصحراء من “المخيلي”، والتقى الطرفان بالقرب من منطقة “بيضاء الفم” ما بين بنغازي وأجدابيا، وكانت المفاجأة صاعقة للإيطاليين، فدارت معركة عنيفة في هذا الموقع ما بين 6 إلى 7 فبراير انتهت بهزيمة ما تبقى من القوات الإيطالية أما بنغازي فقد احتلت في 6 فبراير، ثم تقدم البريطانيون إلى العقيلة على حدود برقة الغربية في 9 فبراير, طوال فترة الغزو الإيطالي لمصر وما تلاها من مواجهات بداية من 9 سبتمبر 1940 إلى 9 فبراير 1941، لم يخسر البريطانيون وحلفاؤهم من دول الكومنولث والهنود سوى 500 قتيل، و1373 جريحًا، و55 مفقودًا , وكانت هذه الخسائر الضئيلة نسبيًّا ثمنًا لانتصار باهر، حيث تقدموا لمسافة 800 كم، وأسروا 130000 إيطالي، واستولوا على 380 دبابة ما بين خفيفة، ومتوسطة، واستولوا على 845 مدفعًا، وكان الجنرال تيلليرا من بين القتلى، أما جراتسياني فقد استقال تاركًا قيادة القوات الإيطالية في ليبيا إلى رئيس أركانه إيتالو جاريبولدي ، وكانت هذه أسوأ نهاية لمسيرة جراتسياني العسكرية.
ونستكمل فى القادم ان شاء الله، غزو ألمانيا النازية لمصر خلال الحرب العالمية الثانية.