الكاتب الصحفي عبدالرازق توفيق يكتب : كلام الرئيس واضح.. لن أراهن بحياة المصريين

تساؤلات كثيرة، شاعت فى الأشهر الأخيرة مع تعانق الأحداث فى المنطقة خاصة فى ظل حرب الإبادة الصهيونية فى غزة، وأوهام إسرائيل لتنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين من القطاع وهدفهم توطينهم فى سيناء، ومع الموقف المصرى القوى والحاسم بالتصدى لمخططات وأوهام إسرائيل وتهديدها لتل أبيب بأن الاقتراب من الأراضى والحدود المصرية خط أحمر وأن تجاوزه سيؤدى إلى اندلاع حرب شاملة، وعلى مدار عامين فشلت تل أبيب فى تحقيق أى نجاح على أى صعيد، وبات مخطط التهجير يواجه الفشل الذريع، مع أعراض قاتلة للكيان الإسرائيلى سواء فى عزلة دولية، أو انقسامات واحتجاجات داخلية وحالة كارثية لجيش الاحتلال من استنزاف وإنهاك وهروب وتراجع حاد فى الروح المعنوية وخسائر اقتصادية فادحة، وقطع العلاقات التجارية والاقتصادية بين إسرائيل وعدد كبير من دول العالم، بما يشير إلى أن أوهام ومخططات الكيان الصهيونى أكبر بكثير من قدراته ولا يملك تنفيذها.. فجيش الاحتلال لا يستطيع تحقيق أو حماية أوهام نتنياهو، ولم ينجح فى غزة فما بالنا إذا كان الأمر يتعلق بوهم إسرائيل الكبرى فلا يمكن وهذه ثوابت عسكرية لأى قوة جوية أن تحسم الحرب.. فالحرب أرض وفرد.
فى ظل التصعيد والاستفزاز الإسرائيلى فى المنطقة وما يحدث فى قطاع غزة من تجاوز للخطوط الحمراء، وتصريحات حكومة المتطرفين وتربصها بمصر، وإطلاق العنان للأكاذيب والتشويه وحالة الاقتراب الجغرافى فى ظل تموضع القوات دارت رحى تساؤلات كثيرة أبرزها هل اقتربت الحرب والمواجهة بين مصر وإسرائيل.. وهل مصر ستدخل عسكريًا فى ظل حصار ومنع المساعدات الإنسانية من قبل جيش الاحتلال للفلسطينيين فى غزة واختلفت تركيبة السؤال من النخب إلى المواطن البسيط الذى تساءل احنا هنحارب، وهنا السؤال الذى أطرحه متى ستحارب مصر، وقد كتبت عددًا من المقالات حول هذه التساؤلات من قبل تحت عنوان هل اقتربت الحرب، وهل اقتربت المواجهة بين مصر وإسرائيل، ومتى تحارب مصر وما هى الأسباب التى تدفعها إلى ذلك.
الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال زيارته للأكاديمية العسكرية المصرية فجرًا أجاب بوضوح عن هذه التساؤلات مؤكدًا أن السلام خيار إستراتيجى لمصر، وهو سلام الأقوياء الذى فرضته مصر قبل أكثر من أربعة عقود، وبالتالى فإن مصر متمسكة وملتزمة بإتفاقية السلام والرئيس السيسي، قال «محدش يطلب منى أراهن بحياة المصريين وأدخل فى صراع حتى ادخل المساعدات الإنسانية لقطاع غزة لأن ذلك يعنى حدوث صدام عسكرى مع الجانب الإسرائيلي» ــ وأكد الرئيس أن مصر تبذل جهودًا مكثفة لا تتوقف من أجل إيقاف الحرب على الفلسطينيين وادخال المساعدات وتحدث عن المعابر، وأن المعبرين اللذين يربطان مصر بالقطاع، هما معبر رفح وهو مخصص للأفراد وكرم أبوسالم بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلى الذى حاول التشويه والنيل من دور مصر.
الرئيس السيسى أكد بشكل واضح أن مصر لن تدخل حربًا إلا إذا فرضت عليها أى بمعنى أن أمنها القومى أو حدودها أو أراضيها أو مقدراتها الوجودية تعرضت لتهديد مباشر وواضح، أو انتهكت سيادتها، أو محاولة فرض أمر واقع عليها بشكل واضح على الأرض.
الحرب كما قلت من قبل ليست فسحة أو نزهة، والحفاظ على الأوطان ليس مهمة سهلة، وإدارة الدول ليست بالشعارات أو العواطف ولكن تجرى وفق حسابات وتقديرات بميزان من ذهب ترتكز على الحكمة والموضوعية والعلم والبدائل، لذلك فإن ما يحسب للرئيس عبدالفتاح السيسى وهو إنجاز عظيم وإستراتيجى أنه رغم المخاطر والتهديدات من كافة الاتجاهات فى ظل ما يحدث فى الجانب الآخر من دول الجوار من فوضى وسقوط دول وإقتتال أهلى وحروب وعدوان، نيران مشتعلة، ظلت مصر آمنة مستقرة لم تمسسها نار، ذلك لأن وجود قائد عظيم وحكيم ولديه رؤية إستراتيجية لم يغامر أو يندفع أو يتهور أو يستدرج رغم أن مصر تمتلك قوة وقدرة ردع هائلة وجيشًا وطنيًا شديد الجاهزية والاحترافية وهو أقوى جيوش المنطقة فى ظل ما شهده من تطوير وتحديث وانضمام أحدث منظومات التسليح فى العالم، لكن هل ذلك يستدعى التورط فى حرب، هذا ليس فى قاموس مصر، لأن الحفاظ على القوة ربما يكون أصعب من بناء هذه القوة والجيش المصرى جيش وطنى شريف لا يهاجم ولا يعتدى على أحد، ولكن يدافع عن الأمن القومى والحدود والمصالح والسيادة المصرية، فقد دفعت مصر ثمنًا فادحًا فى العقود الماضية بسبب الاندفاع والتهور والعواطف، وغياب الرؤية والحسابات والتقديرات الدقيقة.
نعم مصر تمتلك واحدًا من أفضل وأقوى جيوش العالم، لكن هذه القوة الرادعة تحمى الوطن وأمنه القومى ووجوده وتطوره وتفرض السلام والأمن والاستقرار وتمنع الحرب، فهناك مقولة للرومان تقول إذا أردت السلام عليك أن تستعد للحرب، والقوة تحمى السلام وتمنع الحرب، وهو ما يسمى الردع، والرئيس السيسى أكد على هذا المعنى بقوله: «نحن مسالمون صحيح، لكن لا أحد يستطيع أن يؤذى مصر» وقالها من قبل «محدش يقدر، واللى عاوز يجرب يجرب» ولابد أن نتأكد أن أعداء مصر يعرفون ذلك جيدًا وإلا لم ينتظروا عليها، فالكيان الصهيونى لا ينتظر على ضعيف، بل يبادر بالإجهاز عليه عندما يدرك ضعفه، وأن ما يتحقق بالسلاح يتحقق بدون اطلاق رصاصة واحدة، خاصة إذا كنت قويًا تقف على أرض صلبة، تستطيع بسلاح السياسة والدبلوماسية وقوة نفوذك وعلاقاتك الدولية أن تفرض رؤيتك وتحقق أهدافك والحقيقة أن هناك محاولات شيطانية كثيرة جرت لاستدراج واستنزاف مصر ليس من رصيد قوتها، لكن حكمة القيادة أجضهت كل هذه المحاولات الخبيثة.
الرسالة الثانية التى ألتقطها من حديث الرئيس السيسى فى الأكاديمية العسكرية، هى تأكيده على أهمية دور الإعلام والمسجد والكنيسة فى تغيير الواقع وتحقيق الأهداف المنشودة وبناء الوعى ودعم الاصطفاف، والحقيقة أن الرئيس أصاب الحقيقة خاصة أن الإعلام لم يعد وسيلة للترفيه ولكنه بات سلاحًا خطيرًا ومهمًا، فى الحفاظ على الدول أو هدمها لأنه فى ظل التطور التكنولوجى الهائل، تحاول قوى الشر هدم الأوطان من الداخل بتزييف وعى شعوبها وتحريضها، وتضليلها، لذلك يتصدى الإعلام الوطنى من خلال بناء الوعى والتعريف بحجم التحديات وعرض الواقع والحقائق، والنجاحات ومهددات الأمن القومي، كما أن المسجد والكنيسة لهما دور حيوى فى تشكيل الوعي، وحماية الشباب من المخاطر التى خلقتها حالة الانفتاح على العالم بسبب تطور وسائل الاتصالات وسنتاول ذلك فى مقال قادم، حول المطلوب من المسجد والكنيسة وقلت من قبل عن خطبة الجمعة وعظة الأحد، أكبر وأهم منصة جماهيرية يمكن الاستثمار فيهما فى حماية العقل المصري.