الكاتب الصحفي عصام عمران يكتب: بين الجهل والفقر .. يضيع الأثر !!

الكاتب الصحفي عصام عمران
في عام 1917، وبينما كان الفقر يثقل كاهل الفلاحين في صعيد مصر، عثر أحدهم على قطعة لامعة مدفونة في الأرض، لم يكن يدرك أنّ ما بين يديه هو تمثال ذهبي للإله آمون، تحفة نادرة من الأسرة الثانية والعشرين، تحمل في طياتها آلاف السنين من تاريخ مصر وحضارتها، لكن بالنسبة له، لم يكن سوى معدن أصفر قد يضمن له قوت يومه أو يسد به رمق عائلته.
وعندما التقى الفلاح البسيط بعالم الآثار البريطاني هوارد كارتر ” مكتشف مقبرة توت عنخ آمون “،
استغل الأخير جهله وضيق حاله، فابتاع التمثال منه بجنيه مصري واحد فقط، قد يبدو المبلغ زهيدًا،
لكنه في ذلك الوقت كان يعادل ما يقارب 570 دولارًا بقيمة اليوم، أي نحو 28 ألف جنيه مصري ،مبلغ
يوازي ثمن هاتف حديث، بينما كان الفلاح يفرّط في كنز لا يُقدَّر بثمن !! .
كارتر، وهو يدرك قيمة ما حصل عليه، لم يحتفظ بالتمثال طويلًا، بل أهداه إلى صديقه ومموّل حفرياته اللورد كارنفون..
ومع مرور السنين، باع ورثة كارنفون التمثال في مزاد عالمي مقابل نحو 83 مليون دولار ” قرابة خمسة مليارات جنيه ” .
وهكذا تحولت الصفقة البسيطة إلى مأساة تاريخية، ضاع فيها حق الوطن لصالح أجانب عرفوا قيمة الكنز أكثر من
أصحابه !! .
اليوم، يُعرض التمثال خلف زجاج متحف المتروبوليتان في نيويورك، بعيدًا عن موطنه الأصلي ،شاهدًا على جهل فلاح
باع تاريخه بأبخس الأثمان، وعلى استغلال غريب أدرك قيمة ما تملك مصر. إنها ليست مجرد حكاية عن قطعة ذهبية،
بل مأساة تكشف كيف يمكن للفقر والجهل أن يسرقا من الأمم أعظم ما لديها !! .
تذكرت تلك الواقعة المؤلمة وأنا أتابع ما أثير مؤخرا حول قيام إحدى الموظفات بسرقة سوار أو ” اسورة ” ذهبية أثرية
من مقتنيات المتحف المصري بالتحرير أثناء تجهيز عدد من القطع للخروج ضمن معرض للآثار المصرية في إيطاليا
وقامت ببيعها وفقا لاعترافها لتاجر فضيات مقابل ١٨٠ الف جنيه وقام بدوره ببيعها لتاجر ذهب بمبلغ ١٩٤ الف جنيه
وللأسف قام الأخير وفقا للتحقيقات بصهر الاسورة و تشكيلها مع قطع أخرى وكأن التاريخ يعيد نفسه ليضيع أثرا نادرا
بالغ الأهمية ، ولكن هذه المرة ليس بسبب الجهل كما هو الحال فى واقعة تمثال آمون حيث تعمل المتهمة إخصائية
ترميم بالمتحف الأمر الذى يؤكد أنها تعرف جيدا قيمة الاسورة الأثرية والتاريخية معللة سبب سرقتها لحاجتها الى
المال لتغطية نفقات العلاج !! .
الغريب في الأمر أن قيمة الاسورة الذهبية فى حال بيعها بسعر الذهب هذه الأيام تبلغ أكثر من ٣ ملايين جنيه فوزنها
قرابة ٦٠٠ جرام من الذهب عيار ٢٤ وسعر الجرام الواحد يتعدى ٥ آلاف جنيه ناهيك عن القيمة الأثرية و التاريخية
للأسورة التى لا تقدر بثمن ، ولكن يبقى الفقر والجهل الخطر الأكبر الذى يهدد تاريخ الدول ، ولن ابالغ إذا قلت يهدد
مستقبل وكيان البلدان والأمم أيضا !! .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.