محمد يوسف العزيزي يكتب: خطاب ترامب .. خليط من النرجسية المقيتة والكذب المفضوح!

الكاتب الصحفي محمد العزيزي

شهدت الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خطابًا أثار جدلاً واسعًا ألقاه الرئيس ترامب، اتسم بلغة حادة وتهكمية أحادية الجانب، وترك وراءه العديد من علامات الاستفهام حول مصداقية السياسة الخارجية الأميركية ودورها في المنظمات الدولية!

منذ اللحظة الأولى أطلق ترامب سهامه نحو الأمم المتحدة، واصفًا إياها بأنها مجرد “كلمات فارغة لا تُسهم في إحلال السلام”.. ولم يكتفِ بذلك بل ادعى أنه تمكن بفضل جهوده من إيقاف سبع حروب “لا نهاية لها” حول العالم بما في ذلك النزاع بين الهند وباكستان، وهو ما نفاه الطرفان بشكل قاطع وسبب فضيحة لكذب ترامب

هذا الخطاب المبالغ فيه لم يُظهر فقط انفصال ترامب عن الواقع، بل كشف عن أزمة ثقة متصاعدة بين الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.

والأكثر إثارة للجدل والعجب أن ترامب حاول أن يقدّم نفسه كبديل للأمم المتحدة في حل النزاعات وتجاهل في الوقت نفسه حقيقة أنه يستخدم حق النقض “الفيتو ” في مجلس الأمن بشكل متكرر لإفشال كل قرار دولي يدعو إلى وقف حرب الإبادة في غزة!

هذا التناقض الصارخ بين خطاب السعي للسلام وممارسات إفشال كل فرصه، أظهر ازدواجية فاضحة تهدد مكانة الولايات المتحدة وتُضعف مصداقية المنظمات الدولية في أعين الشعوب!

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد طالب ترامب – بتبجح ودون مواربة – بالحصول على جائزة نوبل للسلام في وقت يستمر فيه نزيف الدم في غزة وهو يقف علي منصة الأمم المتحدة يمارس الكذب بينما تتصاعد الاتهامات لإدارته بالمشاركة في سياسات ترقى إلى الإبادة الجماعية أو على الأقل تأجيج النزاع وتدير الأزمة ولا تبحث عن حل لها!

هذا المطلب ” المهزلة ” بدا منفصلًا عن الواقع وأثار موجة من الاستهجان الدولي، لأنه يعكس عقلية استعراضية تتعامل مع قيمة السلام كإنجاز دعائي.. وليس كمسؤولية تاريخية أمام العالم

خطاب الاستعلاء تجنب أيضا الخوض في القضايا الإنسانية الملحة، مثل مأساة اللاجئين وانتهاكات حقوق الإنسان وأزمات دول الجنوب.. بل حرض عليها بقسوة تخاصم الدبلوماسية وشعارات حقوق الإنسان التي تتشدق بها أمريكا، مما أعطى انطباعًا بأن واشنطن في ظل هذه الرؤية، تفتقد الحد الأدنى من الحس الإنساني والالتزام الأخلاقي الذي يتوقعه العالم من دولة كبري

أما على صعيد العلاقات الدولية، فقد مارس ترامب سياسة الضغط والابتزاز بشكل فج، مهددًا بفرض عقوبات على البرازيل إذا لم تتوافق مع السياسات الأميركية، وهذا النهج الذي يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية، أظهر الولايات المتحدة وكأنها تمارس دور “الوصي” على الدول، وهو ما يضع العلاقات الدولية في مسار توتر ربما يدفع لإعادة تقييم جديدة

خطاب ترامب أعاد إنتاج صورة الزعيم الأوحد الذي يدعي امتلاك مفاتيح حلول كافة الأزمات متجاهلاً أراء الحلفاء ومصالح الدول الأخرى حيث قدّم نفسه باعتباره “نجم السلام”، بينما شواهد الواقع تشير إلى عكس ذلك ! هذه المفارقة انعكاس لنهج يعتمد على النرجسية والاستعراض أكثر من اعتماده على العقلانية والدبلوماسية.

في النهاية، لا يمكن النظر إلى خطاب ترامب إلا باعتباره عرضًا متكررًا لاستعراض القوة والهيمنة، لكنه في الحقيقة يكشف تآكل المصداقية الأميركية وتراجع قدرتها على إقناع العالم بخطابها السياسي. فحين تتحول المنابر الدولية إلى ساحات استعراض شخصية، يضيع جوهر الدبلوماسية وتفقد دورها وتصبح الساحة مفتوحة أمام مزيد من الفوضى والتوترات التي تهدد الاستقرار العالمي!

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.