محمد يوسف العزيزي يكتب : “تحالفات الدفاع بين الخليج وآسيا “.. هل تُمهد لمواجهة أمريكية – صينية في الشرق؟

الكاتب الصحفي محمد العزيزي
تشهد المنطقة حراكًا غير مسبوق في خريطة التحالفات الدفاعية والسياسية، إذ لم تعد التطورات الأخيرة مجرد أحداث منفصلة، بل تبدو كأنها حلقات متشابكة في إطار إعادة رسم النظام الدولي في ضوء الصراع المتصاعد بين أمريكا والصين.
فمن ناحية وقعت السعودية اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان، بينما وقعت الإمارات اتفاقية مماثلة مع الهند.. وقد أبرزت صحف باكستانية وثيقة الصلة أن الاتفاقية مع الرياض تشمل التعاون العسكري والاستخباراتي وتطوير الصناعات الدفاعية، فيما أوضحت صحف خليجية أن اتفاق الإمارات والهند يتضمن التدريب وتبادل الخبرات في مجالات الأمن البحري والفضائي!
هذه الخطوة تثير الانتباه ليس فقط لأن باكستان والهند قوتان نوويتان متنافستان تاريخيًا، بل لأن الخطوة تأتي في وقت حساس تشهد فيه منطقة الخليج هشاشة في التنسيق الدفاعي الجماعي، خصوصًا بعد أزمة حصار قطر وما ترتب عليها من تصدعات داخل مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلي الضربة التي تلقتها الدوحة من الكيان الصهيوني!
 وبينما تتمركز القواعد العسكرية الأمريكية في معظم أراضي دول الخليج، فإن إدخال باكستان والهند في منظومة الدفاع يشير لوجود إرادة خارجية ـ وربما أمريكية ـ لإعادة هيكلة شبكة التحالفات بما يتجاوز الإطار الخليجي التقليدي.
وفي الوقت ذاته، لا يمكن إغفال أن هذه الاتفاقيات الدفاعية تأتي في سياق محاولات واشنطن تطويق الصين عبر دول الجوار المباشر لها، فالولايات المتحدة تدرك أن المواجهة مع بكين لن تكون اقتصادية فقط، بل ستأخذ أبعادًا جيوسياسية وعسكرية. وقد كشفت صحيفة واشنطن بوست عن طلب أمريكي رسمي باستعادة قاعدة ” باجرام ” في أفغانستان لمراقبة التهديدات القادمة من آسيا الوسطى، لكن رفض حركة طالبان الصريح لهذا الطلب يؤكد أن أمريكا لم تعد قادرة على العودة إلى ما قبل فضيحة انسحابها من كابول، مما يدفعها إلى البحث عن بدائل أخري عبر تحالفات جديدة مع دول الخليج والهند وباكستان.
وفي المقابل، جاءت تصريحات إسرائيلية لتضيف بعدًا آخر للصورة، فقد نقلت وسائل إعلام عبرية في أول عام 2025 أن حكومة نتنياهو اشتكت إلى واشنطن من “التوسع المقلق للبنية التحتية العسكرية المصرية في سيناء”، والإشارة إلى مشاريع تمركز جديدة وتحديث للمطارات العسكرية. حيث ترى إسرائيل أن مصر تقترب من فرض واقع لمعادلة ردع جديدة لا تتعارض مع نصوص اتفاقية كامب ديفيد، لكنها تقيّد حركة أي اندفاع إسرائيلي محتمل نحو تجاوز الخطوط الحمراء المصرية.
وفي حال دخلت المنطقة في حالة صدام أوسع نتيجة التنافس الأمريكي–الصيني، فإن إسرائيل تسعى مسبقًا
لضمان عدم دخول مصر بقوة في معادلة إقليمية قد تُقيد حرية حركتها.
الأمر لم يتوقف هنا ، فبعد اعتراف دول أوروبية ذات ثقل دولي بالدولة الفلسطينية.. تصاعدت الضغوط داخل أروقة الأمم
المتحدة، خصوصًا مع اجتماعات الجمعية العامة وربما لهذا السبب جاءت دعوة ترامب لقادة مصر والسعودية والإمارات
والأردن وقطر وتركيا إلى اجتماع في نيويورك
 ووفقًا لتسريبات نشرتها نيويورك تايمز، فإن الدعوة تهدف إلى “إعادة ضبط الإيقاع في الشرق الأوسط” بعد موجة
الاعترافات التي قد تمنح زخما جديدا للقضية الفلسطينية وتضعف الموقف الأمريكي–الإسرائيلي في المحافل الدولية.
من هنا، يصبح هذا الاجتماع في نيويورك امتدادًا طبيعيًا لمحاولات واشنطن الحفاظ على زمام المبادرة، ليس فقط عبر
التحالفات الدفاعية مع دول الخليج وآسيا، بل أيضًا عبر الإمساك بخيوط القضية الفلسطينية ومنع تحولها إلى ورقة
ضغط دولية تضعف موقعها في مواجهة الصين وروسيا.
وعليه، فإن الصورة الكبرى تكشف أن جميع هذه التطورات ـ من الاتفاقيات الدفاعية إلى الشكاوى الإسرائيلية، ومن
طلب العودة إلى قاعدة باجرام إلى دعوة قادة المنطقة لاجتماع نيويورك ـ ليست إلا ملامح لحالة لإعادة صياغة موازين
القوة في الشرق الأوسط وآسيا.
إنها لحظة مفصلية تشير إلى أن العالم يتجه نحو ولادة نظام متعدد الأقطاب، حيث لم تعد واشنطن اللاعب الأوحد،
ولم تعد بكين وموسكو بعيدتين عن قلب التفاعلات. أما بالنسبة للأمن القومي العربي والمصري، فإن التحديات
تتضاعف، إذ يجد الخليج نفسه بين مطرقة إعادة الهيكلة الأمريكية وسندان التهديدات الإقليمية، بينما تظل مصر في
قلب المعادلة بحكم موقعها ودورها كضامن لاستقرار الموازين.
إن أخطر ما يمكن أن تواجهه منطقتنا اليوم هو أن تتحول إلى ساحة صراع بين القوى الكبرى، تُدار فيها التحالفات
والاتفاقيات على حساب مصالح شعوبها وأمنها القومي. فالتاريخ أثبت أن حروب الوكالة غالبًا ما تترك خلفها دولًا
منهكة ومجتمعات مدمرة، بينما لا يخرج منها رابح حقيقي سوى القوى الخارجية التي تُدير اللعبة من بعيد.
لذا فإن مسؤولية القادة العرب تظل مضاعفة: إما أن يحصنوا المنطقة بتنسيق جماعي يحفظ مصالحها، أو يتركوا
الباب مفتوحًا أمام الآخرين لفرض أجنداتهم وتغيير موازين القوة وفقًا لمصالحهم لا لمصالحنا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.