” هل أصبح السلام بين مصر وإسرائيل هشاً ؟ ” .. سؤال يردده كثير من الخبراء والمحللين الاستراتيجيين والعسكريين خلال الفترة الأخيرة لا سيما بعد اندلاع الحرب بين الكيان الإسرائيلي و فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس في أعقاب انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من اكتوبر عام ٢٠٢٣ وما تلاها من مجازر ارتكبها الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وسعيه إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم قسريا وتلويحه بدفعهم إلى سيناء لوطن بديل وهو ما رفضته مصر قيادة وحكومة بل وشعبا .
هذا السؤال عاد بقوة بعد الكلمة القوية التي ألقاها الرئيس السيسي خلال القمة العربية الإسلامية الطارئة التى استضافتها العاصمة القطرية الدوحة مؤخرا ، حيث وصف فيها لأول مرة إسرائيل بالعدو وشملت العديد من الرسائل المهمة فى مقدمتها الموجهة إلى أبناء الكيان مؤكدا أن تصرفات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تهدد فرص السلام بل تجهض الاتفاقيات القائمة بالفعل حيث اعتبر الكثيرون هذه العبارة بمثابة تهديد صريح بإمكانية إلغاء اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل اذا ما استمرت حكومة نتنياهو في سياساتها المتطرفة ضد دول المنطقة.
و بحسب الخبراء و المتخصصين فإن كلمة الرئيس السيسي كانت الأقوى والأشد وضوحًا، من تشخيص التحديات إلى دلالات العدوان مرورا بشرح مآلاته وصولًا إلى طرح آلية المواجهة .. حيث أكد أن الحلول العسكرية، وإجهاض جهود الوساطة، والاستمرار عوضا عن ذلك، فى محاولة فرض الأمر الواقع بالقوة الغاشمة، لن يحقق الأمن لأى طرف لذلك أصبح لزاما علينا فى هذا الظرف التاريخى الدقيق، إنشاء آلية عربية إسلامية للتنسيق والتعاون، تمكننا جميعا من مواجهة التحديات الكبرى، الأمنية والسياسية والاقتصادية، التى تحيط بنا.
وكذلك أكد الرئيس السيسي أن هذا العدوان إنما يعكس بجلاء، أن الممارسات الإسرائيلية تجاوزت أى منطق سياسى أو عسكرى، وتخطت كافة الخطوط الحمراء و ما نشهده من سلوك إسرائيلى منفلت، ومزعزع للاستقرار الإقليمى، من شأنه توسيع رقعة الصراع، ودفع المنطقة نحو دوامة خطيرة من التصعيد، وهو ما لا يمكن القبول به.. أو السكوت عنه.
جدد الرئيس السيسي الدعوة للاعتراف الفورى بدولة فلسطين، من جانب جميع الدول التى لم تقدم على هذه الخطوة بعد، باعتبار ذلك السبيل الوحيد، من أجل الحفاظ على حل الدولتين مؤكدا، رسالتنا واضحة؛ فلن نقبل بالاعتداء على سيادة دولنا، ولن نسمح بإفشال جهود السلام .. وسنقف جميعا صفا واحدا، دفاعا عن الحقوق العربية والإسلامية، وفى مقدمتها حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، والعيش بحرية وكرامة وأمن .
الرئيس أكد إننا أمام لحظة فارقة، تستلزم أن تكون وحدتنا نقطة ارتكاز أساسية، للتعامل مع التحديات التى تواجه منطقتنا، بما يضمن عدم الانزلاق إلى مزيد من الفوضى والصراعات، والحيلولة دون فرض ترتيبات إقليمية، تتعارض مع مصالحنا ورؤيتنا المشتركة.
وشدد الرئيس على أن الانفلات الإسرائيلى، والغطرسة الآخذة فى التضخم، تتطلب منا كقادة للعالمين العربى والإسلامى، العمل معا نحو إرساء أسس ومبادئ، تعبر عن رؤيتنا ومصالحنا المشتركة.
وكانت الرسالة الأهم من وجهة نظري تلك التى وجهها الرئيس السيسي إلى شعب إسرائيل قائلا : ” إن ما يجرى حاليا يقوض مستقبل السلام، ويهدد أمنكم، وأمن جميع شعوب المنطقة، ويضع العراقيل أمام أي فرص لأية اتفاقيات سلام جديدة، بل ويجهض اتفاقات السلام القائمة مع دول المنطقة .. وحينها ستكون العواقب وخيمة؛ وذلك بعودة المنطقة إلى أجواء الصراع، وضياع ما تحقق من جهود تاريخية لبناء السلام، ومكاسب تحققت من ورائه، وهو ثمن سندفعه جميعا بلا استثناء .. فلا تسمحوا بأن تذهب جهود أسلافنا من أجل السلام سدى، ويكون الندم حينها.. بلا جدوى “.
وكانت وتيرة التصعيد بين مصر وإسرائيل قد تزايدت على مستويات عدة خلال الأيام الماضية، وهو ما يشير إلى
تحولات واضحة في العلاقة بينهما بعد ما يقرب من 46 عاماً على توقيع معاهدة السلام، ووفقا للخبراء والمحللين فإن
العلاقات المصرية الإسرائيلية، أخذت في التدهور خلال الأشهر الماضية، منذ أن تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي عن
مخطط “إسرائيل الكبرى”، والتي تضمنت خريطة أشار فيها إلى مناطق من شبه جزيرة سيناء، وهو ما اعتبرته مصر
إجراءً عدائياً مباشراً وطالبت بتوضيح ما جاء على لسانه من تصريحات، وما ضاعف هذا التوتر أن إسرائيل تجاهلت
المبادرة المصرية القطرية الجزئية لوقف إطلاق النار رغم أنها راعت الجزء الأكبر من مطالبها.
ومما زاد من وتيرة التوتر تجاه إسرائيل “تعليق” اتفاقية الغاز الموقعة بين البلدين في أغسطس الماضي، وبرهن ذلك
على أن العلاقات ذات البعد التجاري التي ظلت ثابتة أخذت في التدهور أيضاً.
ونتيجة لذلك – بحسب الخبراء – تقلصت مستويات التواصل والتنسيق الأمني، وبدأ الأمر من الرئاسة ثم وزارة
الخارجية إلى أن وصلت إلى مستويات أقل على مستوى الأجهزة الأمنية في ملفات تتعلق بوساطة الهدنة وبعض
التنسيقات الأمنية بشأن اتفاقية السلام.
مصر شعرت بالقلق منذ أن اندلعت أحداث السابع من أكتوبر، وكانت هناك رؤية مسبقة بأن هدف إسرائيل من
استمرار الضربات على قطاع غزة هو تهجير الفلسطينيين، وهو ما دفع الرئيس عبدالفتاح السيسي في ذلك الحين
للكشف عن ذلك بشكل علني، وزادت حالة القلق ، لأن ما تطمح إليه إسرائيل يتعارض مع أسس الأمن القومي
المصري، خاصة وأن إسرائيل تعاملت مع المشروعات التنموية في شبه جزيرة سيناء على أنها موجهة ضدها، وشكل
ذلك دافعاً لمصر لأن تؤمن قواتها هناك وتعزز حضورها خشية أي تهديدات أو إجراءات إسرائيلية غادرة.
المؤكد أن مصر لا تريد الانجراف نحو التصعيد الإسرائيلي الذي يهدف لجرها إلى صراع، ولكن في الوقت ذاته تضع
الاحتمالات كلها نصب أعينها للتعامل مع الواقع الراهن، وهناك رغبة في الحفاظ على اتفاق السلام، وهو أمر تحرص
عليه أيضاً دوائر إسرائيلية بعيداً عن المتطرفين الذين يتصدرون المشهد الآن.
في الوقت ذاته – فإن انتشار القوات المصرية فى سيناء يبقى عاملاً مهماً لردع محاولات تهجير الفلسطينيين، كما أن
القاهرة تكثف جهودها الدبلوماسية لكشف الجرائم الإسرائيلية في الهيئات الدولية والدول الغربية القريبة من دولة
الاحتلال وتعمل على ما يمكن وصفه بـ”الحصار الدبلوماسي”.
فالقاهرة لديها أهداف ترفض أن تحيد عنها، تتعلق برفض القبول بالتهجير ورفض المساس بسيادتها، والتوصل إلى
اتفاق يؤدي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، إلى جانب الحفاظ على أسس معاهدة السلام طالما التزمت إسرائيل
بها، وتعمل على تنسيق المواقف العربية لاتخاذ مواقف جماعية يمكن أن توقف “بلطجة إسرائيل مع اعتدائها على
دول عربية مختلفة خلال الأشهر الماضية، وطالت سوريا ولبنان واليمن وأخيراً قطر، وهناك قناعة بأن الاستهدافات قد
تتوسع ما لم يكن هناك تنسيق عربي إسلامي في مقابلها .