محمد يوسف العزيزي يكتب: القمة انتهت، لكن القضية لم تنتهِ..  إلى متى يبقى العرب أسرى البيانات؟

الكاتب الصحفي محمد العزيزي

انتهت القمة العربية الإسلامية الاستثنائية التي استضافتها الدوحة وجاء بيانها كما توقع كل مواطن عربي: كلمات مكررة عن الإدانة والاستنكار والتضامن لم تخرج عن النطاق التقليدي الذي اعتادت عليه القمم منذ عقود دون أي إجراءات عملية توقف العدوان أو تردع الاحتلال!

هذه الخلاصة لم تفاجئ الشارع العربي الذي يدرك جيداً أن الهوة بين تطلعات الشعوب وقرارات الحكومات ما زالت قائمة، بل وتزداد اتساعاً مع كل حدث جلل يضع الأمة أمام اختبار جديد!

العدوان الأخير لم يكن مجرد استهداف لقطاع غزة الذي يعيش حرباً مدمرة منذ عامين، بل تجاوز ذلك إلى انتهاك سيادة دولة عربية ترعى مفاوضات سلام في سابقة خطيرة تكشف مدى استهتار الكيان الصهيوني بالقانون الدولي والأعراف الدبلوماسية، وهو استهتار يتم برعاية أمريكية وتحت ضغط حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة لا تري أي اعتبار للمجتمع الدولي أو للمنظمات الأممية، ومع ذلك، فإن البيان الختامي للقمة لم يرق إلى مستوى هذا التحدي بل اكتفى بمفردات دبلوماسية باتت لا تُقنع أحداً.

اللافت أن كلمات بعض القادة مثل رئيس مصر، ورئيس باكستان، ورئيس وزراء ماليزيا ذهبت إلى الدعوة لاتخاذ خطوات جادة من قبيل إعادة النظر في اتفاقيات السلام وقطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الكيان الصهيوني وفرض عقوبات وتعليق عضويته في الأمم المتحدة

كانت هذه الكلمات بمثابة بارقة أمل يمكن البناء عليها لتحويل القمة إلى محطة مفصلية في تاريخ العمل العربي والإسلامي المشترك.. غير أن هذه الأصوات سرعان ما تلاشت وسط ضجيج المجاملات السياسية وحسابات التوازنات الدقيقة، ليخرج البيان في النهاية مجرد وثيقة إدانة لا تحمل أي التزامات فعلية!

المفارقة المؤلمة أن الشعوب العربية والإسلامية كانت تنتظر من قمة الدوحة قرارات بحجم المأساة التي يشهدها العالم العربي والإسلامي، فإذا بها تجد نفسها أمام نصوص مكررة تتحدث عن التضامن بينما تتواصل الجرائم على الأرض. ولعل ما زاد من خيبة الأمل أن القمة انعقدت في لحظة كان يمكن تحويلها إلى فرصة تاريخية لإعادة الاعتبار

للعمل الجماعي العربي والإسلامي، إلا أن هذه اللحظة ضاعت كما ضاعت فرص كثيرة من قبل، حين اختار العرب أن

يطلبوا من جلادهم أن يكون وسيطاً في محنتهم.

إن الاكتفاء بلغة الإدانة من دون أفعال حقيقية يبعث برسالة خاطئة، ليس فقط إلى الشعوب التي تعيش الخذلان،

وإنما إلى الكيان الصهيوني الذي يقرأ هذه البيانات باعتبارها ضوءاً أخضر لمواصلة سياسته في القتل والتدمير والإبادة!

فهل يمكن أن يجد الاحتلال ظرفاً أنسب من هذا لممارسة عربدته؟ وهل يمكن أن يتوقع مقاومة حقيقية وهو يرى

الانقسام العربي والتردد الإسلامي في اتخاذ قرارات جادة؟

لقد أصبحت هذه القمم، على أهميتها الرمزية، مرآة لبؤس واقع عربي.. كلماتنا فيه كثيرة.. ولغتنا فيه غنية.. لكن

أفعالنا فيه غائبة، وإرادات البعض فيه مقيدة بحسابات ضيقة!

إدانة بلا فعل لا توقف مجرماً، واستنكار بلا خطوات لا يحمي شعباً.. فالشعوب لا تحتاج إلى بيانات بقدر ما تحتاج إلى

مواقف جريئة وإجراءات عملية من قبيل تفعيل أدوات الضغط الاقتصادي والسياسي، وتوحيد الموقف العربي

والإسلامي في المحافل الدولية، والدفع نحو إجراءات قانونية تجرّم الاحتلال وتفرض عليه العزلة.

ويظل السؤال الحاضر والمُلح: إلى متى يبقي العرب أسرى للبيانات واللغة الدبلوماسية المكررة، بينما يتوسع

الاحتلال في جرائمه بلا رادع ولا حساب؟

القمة انتهت، لكن القضية لم تنتهِ..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.