الكاتب محمد نبيل محمد يكتب : مبررات اعلان دولة فلسطين أو بطلان الاعتراف بدولة اسرائيل  

الكاتب محمد نبيل محمد

رفضت الأمم المتحد طلب الكيان الصهيونى الانضمام إلى المنظمة فى خريف 1948، ومع تفاهمات وممالآت من الصهاينة تجاه الدول الأوربية بالتحديد والولايات المتحدة بالتخصيص(!) عادت وقدمت طلباً آخر فى ربيع 1949 وجاءت نتيجة التصويت بالقبول (37 مع، 12 ضد، 9 ممتنع)، ثم أصدرت الجمعية العمومية قرارها رقم 273 بتاريخ 11 مايو 1949 بقبول عضوية إسرائيل بناءً على إعلان إسرائيل بأنها:”تقبل بدون تحفظ الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وتتعهد بتطبيقها من اليوم الذى تصبح فيه عضواً فى الأمم المتحدة”… وبأنها:” تتعهد بتطبيق قرارا الجمعية الصادر 29 نوفمبر 1947 (قرار تقسيم فلسطين) و11 ديسمبر 1948 (قرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين)”

وأمام الدعم الغربى والأمريكى لقيام دولة الكيان الصهيونى إلا إن الضمير العالمى اشترط على موافقته الاعتراف باسرائيل عدة اشتراطات محددة وواضحة، واعلنت دولة الصهاينة القبول والموافقة بالشروط والإلتزامات، وكما يقال قانونا:”العقد شريعة المتعاقدين” أى أنه لاقيام لدولة الكيان ما لم تعترف تلك الدولة بدولة فلسطين، وما لم توفق على عودة اللاجئين الفلسطينيين من الأردن ولبنان وسوريا إلى وطنهم ودولتهم.

وكما جاء بقرار التقسيم 181 للجمعية العامة للأمم المتحدة فى 29 نوفمبر 1947، والذى يدعو إلى إنهاء الانتداب البريطانى على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى دولتين، دولة عربية ودولة يهودية، مع اعتبار القدس كمنطقة دولية منفصلة تحت وصاية الأمم المتحدة، ويمثل القرار الأساس القانونى الذى استمدت منه دولة إسرائيل شرعيتها، وهذا القرار سمح بإنهاء الانتداب البريطانى عن فلسطين العربية والتسليم بالأمر الواقع، وقبول وجود يهودى عبرى على الأراضى الفلسطينية العربية، بل وسمح بتشكيل حكومة منتخبة فى كلا الدولتين، … وهنا سارع الكيان الصهيونى بتوطين علاقات مع الغرب وامريكا وكذلك بناء دولته تمهيدا لاعلانها اعتمادا على “قرار التقسيم”

لكن ومع مرور أقل من ثلاثة عقود من قرار التقسيم وإعلان دولة عبرية، ولم تعلن عن الدولة العربية “صاحبة الأرض الحقيقية” واحتل الصهاينة أراضى خمس دول عربية “الأردن وسوريا ولبنان ومصر” بالإضافة لاحتلال كامل فلسطين، فى أعقاب 5 يونية 1967 وهنا صدر قرار مجلس الأمن رقم 242 فى 22 نوفمبر 1967، وينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضى (وليس من أرض) احتلتها فى حرب عام 1967، وإنهاء حالة الحرب بين إسرائيل والدول العربية، وإنشاء حدود آمنة ومعترف بها تعيش فيها جميع دول المنطقة بسلام، كما أقرعلى ضرورة عودة اللاجئين.

وعندما سرقت وطالت يد الصهاينة فى تنفيذ سياسة الأمر الواقع وبناء المستوطنات “المستعمرات” على الأراضى التى احتلتها من لبنان وسوريا وفلسطين، فقد صدر قرار مجلس الأمن رقم 452 فى 22 تموز / يوليو 1979 تحت موضوع الإستيطان الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان وخصوصاً تلك غير القانونية، وينص القرار على أن “سياسة إسرائيل فى بناء المستوطنات على الأراضى العربية ليست ذات مرجعية قانونية وتعتبر خرقاً لإتقاقية جينيف الرابعة التي تتعلق بحماية الأشخاص المدنيين فى وقت الحرب الموقعة فى 14 آب / أغسطس 1949” ويدعو الحكومة والشعب الإسرائيليين لوقف عمليات إقامة وبناء وتخطيط المستوطنات فى الأراضى العربية المحتلة منذ 1967 بما فى ذلك القدس، وتم اعتماد القرار بموافقة 14 دولة وامتناع دولة واحدة عن التصويت وهى الولايات المتحدة الامريكية.

ورغم قرار التقسيم الصادر من الأمم المتحدة بوضعية القدس الخاصة والغير تابعة للدولة العبرية حال قيامها، الا ان اسرائيل قامت بأعمال تهويد للقدس وطمس معالمها الاسلامية والمسيحية، بل ودنس رئيس وزرائها “اريئيل شارون” القدس الشريف عندما استباح اقتحامه فى 28 سبتمبر 2000، وأعضاء من حزب الليكود، جنبا إلى جنب مع 1000 حارس مسلح، وقال ان:”الحرم القدسى سيبقى منطقة إسرائيلية”، ومن بعده العديدين حتى وزير الامن “ايتمار بن غفير” الذى اقتحم القدس مع أربعة الاف من اليهود المتعصبين فى 3 اغسطس 2025 والاهم هو اعتراف امريكا بنقل عاصمة اسرائيل من تل ابيب “حيفا” الى القدس فى 6 ديسمبر 2017 اعترف دونالند ترامب رسميًا بالقدس عاصمة لإسرائيل وصرح بأن السفارة الأمريكية ستُنقل من تل أبيب إلى القدس.

والآن وقد التزمت دول العالم الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة بمواثيق انشائها، وبالتالى بتنفيذ قراراتها، وإلا فلا مبرر من وجودها من الأساس، ولا داعى للإلتزام بقرارت جمعيتها أو مجلس أمنها، إذ أن السؤال الذى تبادر للذهن مباشرة عقب إخفاء الجهات المعنية لرسم جرافيتى على أحد حوائط إحدى محاكم بريطانيا “قلعة الديمقراطية” بصندوق قمامة وتصدر من أمامه شرطيين يهددران من يقترب من المواطنين من هذا الرسم، والواقعة تبدأ عندما قضت محكمة بريطانية بحذف جدارية لفنان الشارع الشهير “بانكسى” التى عُرضت على جدار محكمة، فقد حُذفت جدارية “بانكسى” الأخيرة من السجلات، حيث أُزيلت لوحة رشّ مُنقوشة لمتظاهر مُستلقى على الأرض حاملاً لافتة ملطخة بالدماء، بينما يضربه قاضٍ يرتدي شعراً مستعاراً تقليدياً وثوباً أسود بمطرقة، من جدار مبنى المحاكم الملكية الشهيرة.

ما أشبه هذا الحكم بما حكم به دول الديمقراطية والحضارة على الشعب الفلسطينى المقاوم ضد الإحتلال، والذى لا يتظاهر ولا يطالب سوى من أجل تفعيل ما اتفق عليه العالم وأقرته جمعية الامم المتحدة ومجلسها الأمنى، فلا اعتراف بدولة اسرائيل ما دامت لم تعترف بدولة فلسطين، طبقا لقرار التقسيم 181، ولا اعتراف بدولة اسارئيل ما دامت تعترض طريق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم، ولا اعتراف بدولة اسرائيل ما دامت لم تنفذ قرار الاعتراف بها رقم 237 الذى اقرت فيه بعد الحاح منها بالموافقة على الاعتراف بدولة فلسطين فى مقابل اعتراف العالم بوجودها، ولا اعتراف بدولة اسرائيل التى لم تنفذ قرار 242 القاضى بانسحابها من الجولان بل ذادت عليها جبل الشيخ والقنيطرة، والقاضى بانسحابها من جنوب لبنان بل زادت عليه احتلال التباب الخمس، والقاضى بانسحابها من الضفة الغربية وغزة والقدس، بل زادت ونفذت جرائم ابادة جماعية فى حق الفلسطينيين، ولااعتراف بدولة اسرائيل ما دامت لن تنفذ قرار 425 القاضى بوقف بناء المستعمرات اليهودية على الأراضى العربية، ولا اعتراف بدولة اسرائيل ما دامت تدنس القدس الشريف فى مخالفة علنية لمواثيق وقرارات الامم المتحدة والقانون الدولى، ولا اعتراف بدولة اسرائيل ما دامت دولة اثنية عقائدية قائمة على التمييز الدينى، ولا اعتراف بدولة اسرائيل ما دامت تمارس الارهاب والقتل والتعدى على حقوق الانسان وسيادة الدول وتعلن نواياها العدائية تجاه جيرانها العرب فى التوسع على حساب احتلال مزيد من الاراضى العربية، لا اعتراف بدولة ارهابية قائمة على خرافات لا تتفق مع العلم والمدنية والحضارة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.