محمد يوسف العزيزي يكتب: تحقيق الأمن المطلق.. معضلة الكيان الصهيوني المستحيلة!

الكاتب الصحفي محمد العزيزي

في المقال السابق طرحنا سؤالا محوريا: هل السيطرة الناعمة للكيان الصهيوني أخطر من الاحتلال العسكري المباشر؟ الإجابة تستدعي قراءة دقيقة لمجمل ما يجري في المنطقة، وما تعكسه تصريحات وزراء اليمين المتطرف داخل حكومة نتنياهو وقرارات “الكابينت” الصهيوني.

الاحتلال المباشر دائمًا يظل محاطًا بالرفض والمقاومة ويظل ظاهرا للعيان بما يرتكبه من جرائم تُراكم ردود أفعال علي مستوي العالم وإن كانت متقاطعة، بينما السيطرة الناعمة تحاول التغلغل في الوعي وتغيير المعادلات عبر الاقتصاد والإعلام والتطبيع الثقافي..

من هذه الزاوية تبدو السيطرة الناعمة أخطر، لأنها تعمل على تفكيك الرفض الشعبي وتحويله إلى قبول تدريجي، غير أن إسرائيل رغم ذلك عاجزة عن تحقيق ما تسميه “الأمن المطلق”. فطبيعة المنطقة وتشابك قضاياها ورفض شعوبها للتطبيع، يجعل أي مشروع للسيطرة الناعمة عرضة للتآكل مع أول شرارة مواجهة بالإضافة – وهذا هو الأهم – إلي فكرة ” الثأر ” الذي لا يموت بالتقادم كثقافة لسكان المنطقة العربية، وأن التسامح في قضايا الأرض والعرض والدم من المستحيل القبول بها!

أما استراتيجية “صناعة العدو”، التي يلوّح بها اليمين الإسرائيلي بين الحين والآخر، فهي سلاح ذو حدين.. صحيح أنها توحّد الداخل الإسرائيلي مؤقتًا حول الخطر الخارجي لكنها تزرع بذور العزلة الدائمة وتدفع باتجاه سباق تسلّح وصعود حركات مقاومة أكثر صلابة.

وهذه الاستراتيجية تعكس مأزقًا حقيقيًا: كلما حاولت إسرائيل تعزيز أمنها عبر افتعال “عدو جديد”، كلما ازدادت هشاشتها الأمنية والسياسية

في السياق الدولي يطل اسم ترامب مجددًا مدفوعًا بشغفه لنيل “نوبل للسلام”.. والسؤال هنا: هل يستطيع ترامب أن يلجم اندفاع نتنياهو نحو الحرب المفتوحة – خصوصا بعد اعتداء الكيان علي سيادة دولة قطر – ويصوغ صفقة تضع حدًا للنزيف في غزة والضفة؟ أظن أنه من الصعب الجزم بذلك، فالمعادلة معقّدة ومصالح نتنياهو الداخلية قد تتجاوز أي ضغوط خارجية خاصة أنه يستخدم الحرب كأداة للبقاء في السلطة!

وبعد انتهاك سيادة قطر واستباحة مجالها الجوي، وبعد جلسة لمجلس الأمن لم تسفر إلا عن بيان صحفي – وليس قرار إدانة طبقا للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة – بإدانة هذا الاعتداء من الكيان …!

هل تبرز إشارات لموقف عربي موحد خلال القمة العربية الإسلامية التي تعقد يومي الأحد والإثنين القادمين بإعادة النظر في اتفاقيات السلام والاتفاقيات الإبراهيمية، ومشروعية القواعد الأجنبية الأمريكية والبريطانية في المنطقة إذا استمر العدوان الإسرائيلي علي الفلسطينيين واستمرت عمليات بناء المستوطنات والقضاء علي أمل قيام دولة فلسطينية!

هذه الورقة إن تحولت إلى فعل حقيقي قد تكون الاختراق الأبرز في الأزمة لأنها تضع إسرائيل أمام ثمن استراتيجي باهظ: إما التهدئة والدخول في تسوية أو المخاطرة بفقدان شبكة العلاقات التي اعتبرتها أهم إنجازاتها في العقد الأخير.

في المحصلة، يبقى هاجس الأمن هو العقدة المركزية في العقل الإسرائيلي، وبين وهم السيطرة الناعمة ومأزق الاحتلال المباشر، وبين مغامرة صناعة العدو وضغوط الداخل والخارج تظل إسرائيل بعيدة عن أي أمن مطلق، بل يمكن القول إن كل محاولة للهروب إلى الأمام تضعها بشكل أعمق داخل دائرة الخوف التي صنعتها بيديها!

ويبقى السؤال مفتوحًا أمام القارئ: هل يمكن لإسرائيل أن تخرج يومًا من دائرة الخوف وصناعة الأعداء لتعيش أمنًا حقيقيًا.. أم أن وهم الأمن المطلق سيظل يطاردها ويقود المنطقة إلي جولات جديدة من الصراع؟

الإجابة ليست حكرًا على السياسيين أو الخبراء وحدهم، بل هي مساحة للتفكير المشترك، حيث يملك كل قارئ رؤية قد تضيء جانبًا من الحقيقة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.