الكاتب الصحفي عصام عمران: الفريضة الغائبة!!

الكاتب الصحفي عصام عمران

يبدو أن كلمة “شكرا” باتت بعيدة المنال في زماننا هذا، وهو ما يمكن أن نعتبره تجسيدًا حرفيا لعبارة “الفريضة الغائبة”، خاصة إذا تعلق الأمر بالدولة المصرية وما تنفذه من مشروعات أو ما تحققه من إنجازات في شتى المجالات.

أقول ذلك بمناسبة الإنجاز الضخم، ولن أبالغ إذا قلت غير المسبوق، الذي حققته وزارة الكهرباء والطاقة هذا العام، لاسيما في شهور الصيف التي لم تشهد انقطاعا للكهرباء أو حتى تخفيفا للأحمال، كما كان الحال في الأعوام الماضية، رغم أن صيف هذا العام شهد العديد من الموجات الحارة، تجاوز فيها استهلاك الكهرباء كل الأرقام القياسية، حيث بلغ ٤٠ ألف ميجاوات في بعض أيام شهري يوليو وأغسطس الماضيين، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ وزارة الكهرباء بمصر، ومع ذلك لم تلجأ لتخفيف الأحمال، والأجمل لم ينقطع التيار كما كان الحال في العام الماضي.

نعم يا سادة، حدث ذلك هذا العام، ولم نسمع كلمة شكر واحدة في حق الدولة المصرية قيادة وحكومة، وقد يرى البعض أن ذلك من صميم عملها، وهو كذلك، ولكن يجب علينا، خاصة في وسائل الإعلام بشتى أنواعها، الإشادة بالإنجاز تماما كما ننتقد التقصير أو الإهمال، حتى نكون بحق منصفين ومرآة للواقع الذي نعيشه، الأمر الذي يكسبنا المصداقية لدى المواطنين قبل المسؤولين.

ولا أخفيكم سرا أنه منذ ما حدث العام الماضي من أزمات وانقطاعات للتيار وتخفيف للأحمال، والأنظار كانت تتجه إلى منظومة الكهرباء في مصر وقدرتها على تجاوز صيف شديد الحرارة قد يدفع الاستهلاك إلى مستويات غير مسبوقة، وبين حالة من الترقب لدى المواطنين والقطاع الصناعي، جاء صيف 2025 ليكتب نجاحا للشبكة القومية في اختبار استثنائي.

لم يكن قاصرا على صيف شهد أكثر أوقات الضغط على شبكة الكهرباء في تاريخها، نتيجة موجات الحر الشديدة، بل هو أيضا اختبار لثقة المواطنين في الحكومة وتعهداتها مرارا بعدم قطع الكهرباء.

ورغم أن ذروة استهلاك الكهرباء في مصر تجاوزت الحمل القياسي المسجل العام الماضي بأكثر من 2000 ميجاوات في عدد من الأيام؛ فإن الشبكة القومية تمكّنت من استيعاب هذه القفزة بكفاءة عالية، دون اللجوء إلى انقطاعات مبرمجة أو مفاجئة، ما يبرز فاعلية التخطيط المسبق من جانب وزارة الكهرباء بالتنسيق مع وزارة البترول، ولم يقتصر نجاح منظومة الكهرباء في ضمان استقرار الإمدادات على تلبية احتياجات المواطنين فحسب، بل امتدّت انعكاساته الإيجابية على الاقتصاد المحلي مع ضمان استمرار عجلة الإنتاج، ومن ثم تعزيز ثقة المستثمرين وحمايتهم من الخسائر المحتملة نتيجة انقطاع التيار.

وبمقارنة الحمل القياسي المسجل في 2024 ليوم واحد عند 38 ألف ميجاوات، واجهت منظومة الكهرباء في مصر هذا

العام عدّة اختبارات حقيقية تمثّلت في 5 أرقام قياسية للأحمال، وفقا للمركز القومي للتحكم في الطاقة، اولها 26

يوليو: 38 ألفًا و800 ميجاوات،و27 يوليو: 39 ألفًا و400 ميجاوات، 12 أغسطس: 39 ألفًا و500 ميجاوات ،13 أغسطس:

39 ألفًا و800 ميجاوات ،14 أغسطس: 40 ألف ميجاوات.

وهذا الرقم الأخير يمثل 80% من قدرة محطات الكهرباء العاملة في مصر (50 ألف ميجاوات يوميا) ، كما أنها تتجاوز

ذروة الطلب في دولة صناعية مثل جنوب أفريقيا (أكبر اقتصاد في القارة السمراء)، البالغة 38.9 ألف ميجاوات، مع

الوضع في الحسبان أن كيب تاون لا تتمكن من تلبية الذروة، بل تلجأ إلى تخفيف الأحمال وسط مشكلات كبيرة في

البنية التحتية للشبكة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مصر تجاوزت جنوب أفريقيا في عام 2024 وأصبحت أكثر دولة توليدًا للكهرباء في أفريقيا

للمرة الأولى تاريخيًا بكمية 237.4 تيراواط/ساعة، بحسب بيانات معهد الطاقة البريطاني، وبالتأكيد ستكون على موعد

مع قفزة جديدة في إجمالي 2025.

هناك 3 عوامل رئيسة تجاوزت بها الحكومة الانتقادات والشكوك التي طالتها العام الماضي فيما يتعلق باستهلاك

الطاقة الكهربائية، في مقدمتها الإجراءات العاجلة التي اتخذتها وزارة الكهرباء بداية من الصيانة الشاملة منذ العام

الماضي لضمان أعلى كفاءة تشغيلية للمحطات، وحتى تعزيز فرق الدعم الفني والطوارئ والمراقبة اللحظية للأحمال

على مدار الساعة خلال أشهر الصيف، إضافة إلى تعزيز قدرات الطاقة المتجددة، إذ رُبِط نحو 2000 ميجاوات من الطاقة

الشمسية والرياح وبطاريات تخزين الكهرباء بالشبكة القومية منذ أواخر العام الماضي، ساعدت في تلبية الكهرباء

المتجددة لنحو 12% من ذروة الطلب.

وكانت محطة “أبيدوس-1” للطاقة الشمسية في أسوان بقدرة 500 ميجاوات هي البداية أواخر ديسمبر 2024، تبعها

هذا العام اكتمال التشغيل التجاري لمحطة رياح بسعة 650 ميجاوات بالقرب من منطقة رأس غارب، فضلا عن محطة

أمونت لطاقة الرياح بقدرة 500 ميجاوات.

وكان شهر يونيو الماضي شاهدا على خطوة تاريخية لقطاع الكهرباء في مصر بتشغيل أول نظام لبطاريات التخزين

بقدرة 300 ميجاوات/ساعة، المتصل بمحطة “أبيدوس-1” للطاقة الشمسية، ما يضمن استمرار ضخ إمدادات الكهرباء

المتجددة على مدار الساعة، وهذه بداية لمشروعات أخرى تترقبها البلاد في هذا الصدد.

أخيرًا وليس آخرًا، يبقى توفير إمدادات الغاز المسال وتعزيز قدرات الاستيراد أبرز وأهم عوامل نجاح منظومة الكهرباء

في مجابهة الطلب القياسي هذا الصيف، لاسيما مع اعتماد مزيج التوليد على الغاز الطبيعي بأكثر من 80%.

ختاما، ونحن على وشك توديع أشهر الصيف الحارّة، لا شك أن الحكومة أوفت بوعدها بعدم قطع الكهرباء، لكن الأهم

أن التجربة قدمت دروسا واضحة، أبرزها أن الاستثمار في الصيانة الدورية، وتنويع مزيج الكهرباء، والتخطيط المسبق

لإدارة الأحمال، هي ركائز أساسية لضمان أمن الطاقة الذي يعد جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي للبلاد.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.