الكاتب الصحفي عبدالرازق توفيق يكتب: الهند مع «الصين وروسيا» .. و«الشرق الأوسط» كفر بسياسات أمريكا
«النظام العالمى متعدد الأقطاب» .. هل اقترب ؟

الصراع بين النظامين العالميين القائم والقديم الذى تقوده الولايات المتحدة بالنفوذ والهيمنة وازدواجية المعايير وتدمير وإسقاط الدول والضرب بالقانون الدولى والإنسانى عرض الحائط والانحياز الأعمى والمطلق لهمجية إسرائيل والنظام العالمى الجديد المتطلع أن يأخذ مكانه وهو يهدف إلى وجود وإرساء دعائم نظام عالمى متعدد الأقطاب يتوارى أمامه النظام القديم والقائم.. كل ذلك يتجلى الآن بوضوح تتبدل وتتغير فيه العلاقات والمعادلات ويتحول صديق الأمس لأمريكا إلى خصم.. تجده فى الصفوف الأولى فى تحالف النظام العالمى الجديد.. فما شهدته الصين فى الأيام الأخيرة يعكس ان الأمور تجرى كما هو مخطط لها بنجاح.. تجتمع قوى عالمية كبرى الصين- روسيا- الهند- كوريا الشمالية ودول أخرى تبعث بصور ورسائل شديدة الوضوح ومهمة الوصول إلى واشنطن وقد التقطها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وقالها صراحة.. «يبدو أننا فقدنا صديقين هما الهند وروسيا لصالح الصين.. متمنيا لها الازدهار».. لكن بطبيعة الحال من تحت أنيابه.. وقال انه شاهد العرض العسكرى المبهر الذى قدمته الصين ويضم أسلحة إستراتيجية فتاكة تعكس حجم التطور الرهيب الذى وصلت إليه بكين وحصاد لتكنولوجيا متقدمة ورادعة.. والسؤال هذا التحول التاريخى فى التحالفات الدولية والذى يضم قوى دولية متعددة وأيضاً إقليمية فى الشرق الأوسط كفرت بالنظام العالمى القديم والقائم الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بغطرسة وهيمنة بل وتخلى عن حلفائها فما فعله الرئيس ترامب مع الهند سواء بفرض رسوم جمركية جائرة وصلت إلى 50 ٪ على الصادرات الهندية ثم وعلى حسب الموقف أو التصريحات الهندية انحياز ترامب لباكستان العدو اللدود للهند.. فالهند استوردت من روسيا بـ140 مليار دولار لسد احتياجاتها من الطاقة منذ بدء الحرب الروسية- الأوكرانية وهو يعنى لدى الأمريكان والأوروبيين دعما غير مباشر لموسكو فى حربها على أوكرانيا.
السؤال الذى يفرض نفسه فى ظل هذا المشهد والانسحاب التدريجى للنظام العالمى القائم بقيادة الولايات المتحدة.. هل يجبر ترامب على تغيير سياساته إلى التوازن والعمل على استعادة العلاقات القوية مع الهند ودول الاتحاد الأوروبى ودول الشرق الأوسط التى ضجت وكفرت بالسياسات الأمريكية وازدواجية المعايير والغطرسة والهيمنة والحماية والدعم المطلق لأوهام وسياسات وهمجية حكومة المتطرفين فى الكيان الصهيوني؟.. هل يتراجع عن دعم إسرائيل ويتصدى لجنون نتنياهو وأوهامه فى إقامة إسرائيل الكبرى وإشعال المنطقة وتهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم؟.. وهل يتخلى عن سياساته الاقتصادية فى رفع الرسوم الجمركية على صادرات دول العالم ومنها الهند وأوروبا والصين إلى أرقام ونسب صادمة.. فى ظنى ان ترامب سيواصل سياساته وخسارة حلفائه ولن يتراجع لكن الثمن سيكون فادحاً وباهظاً وسوف تصل الأمور إلى طريق مسدود نتيجة الصدام وإشعال العالم خاصة ان الحرب الروسية- الأوكرانية ومحاولات ومفاوضات وقفها لم تكلل بالنجاح ولم يرضخ القيصر الروسى فلاديمير بوتين لمطالب ترامب ولا يلقى بالاً بتهديداته وربما يقابلها بسخرية.. ثم انه من الواضح أن أوهام الصهاينة فى مزيد من التوسع والاحتلال والانتهاكات والإجرام وخزعبلات إسرائيل الكبرى واحتلال غزة وان تكون ملكية أمريكية أكبر من قدرة ترامب على مجرد مناقشتها أو إعادة النظر فيها وهو موضوع بلا عقل وراء جنون نتنياهو.. القوى الكبرى فى الشرق الأوسط غاضبة وساخطة على السياسات الأمريكية التى تنحاز إلى إسرائيل وتدعم مشروعاتها الخبيثة بلا حدود.
فى ظنى أن القادم للولايات المتحدة الأمريكية هو الاسوأ فى ظل سياسات ترامب التى تكبد «واشنطن» خسائر باهظة وأفقدتها مصداقيتها ولم تعد تحظى باحترام أو تقدير أو حتى خوف فى كثير من دول العالم.. فالصين تصعد بقوة وإلى جوارها روسيا ومعهما حليف جديد هى الهند.. إلى جانب أعداء أمريكا والغرب مثل كوريا الشمالية وفنزويلا وبطبيعة الحال هناك البرازيل ودول كثيرة فى أمريكا الجنوبية أبرزها فنزويلا وأيضاً فى القارة الإفريقية وبطبيعة الحال الدول الكبرى فى الشرق الأوسط الذين وجدوا فى أمريكا شريكاً غير نزيه.. طامعاً منساقاً وراء أطماعه وغطرسته لديه إصرار على سياسات الغطرسة والهيمنة.. والغريب ان الولايات المتحدة هى نفسها من تهدم ركائز النظام العالمى القائم الذى ظهر عقب الحرب العالمية الثانية حيث فقدت الأمم المتحدة ومجلس الأمن المصداقية وبات حق «الفيتو» مصدر ضجر وسخط دولى وهناك مطالبات تقودها مصر العظيمة بإصلاح منظومة مجلس الأمن والمطالبة بإلغاء حق الفيتو واستئثار دول بعينها «الخمس» لهذا الحق خاصة أنه تسبب فى ظلم وصراعات ونزاعات وحروب وافشال كل جهود السلام وإنهاء الصراعات.
أشك أن ترامب سوف يعيد حساباته ويحاول إصلاح سياساته ومازال يعانى من هواجس قوة أمريكا العظمى ولا يرى أن العالم يتغير وأن هناك قوى دولية صاعدة بقوة تتفوق على واشنطن.. وفى ظل تحالف دولي- إقليمى لكسر النظام العالمى بقيادة أمريكا واستبداله بنظام عالمى جديد متعدد الأقطاب أكثر عدلاً ونزاهة.. التحالفات الجديدة فى «بريكس» و«شنغهاى» وحتى الدول الناشئة كفرت وفى حالة تمرد ضد الأمريكان.. فنزويلا تدفع بمقاتلات فوق السفن والمدمرات الأمريكية وإيران لم تعد تبالى بتهديدات أمريكا بل أعلنت جاهزيتها لأى اعتداء وتهديد ووعيد لأمريكا وإسرائيل ودول كبرى فى المنطقة تتحرك دون قيود لا ترى سوى مصالح بلادها وشعوبها ولم تعد أمريكا خيارها الأفضل حتى وان بدت تعلى من شأن التوازن لكنها فى النهاية لا تتبع أحداً ولا تأخذ أوامرها من أحد.. بوصلتها مصالحها الوطنية العليا.. لا تقبل الضغوط أو الإملاءات الأمريكية وترفض بحسم سياسات البلطجة والابتزاز.
تحيا مصر