“هى كده ” قصة قصيرة للإعلامي محمود عبد السلام 

الإعلامي محمود عبد السلام

نادى البائعون جميعاً فى نفس واحد ، يعلنون عن بضاعتهم ، افترشوا امام ابواب المسجد ، منتظرين إنتهاء الامام من خطبته ، ترددت النداءات تعلن عن انواع الفاكهة والخضروات والاحذية والملابس ، مالبث ان انهى خطيب الجمعة خطبته حتى هرع المصلون كلهم نحو اماكن حفظ الاحذية والشباشب ، تزاحموا على باب الخروج ، يتدافعون نحو الخارج، كأنهم فئران محبوسه فى مصيدة قد نالت حريتها ، انفلتت كسهام نحو الحرية ، وما ان وصل طليعة المصلين على مشارف باب الخروج ، حتى تناه الى سمعهم ، نداء امام المسجد قبل ان يخطوا اول خطوه خارج صحن الجامع ، استوقفهم نداءه يريد منهم الانتظار لاداء صلاة الجنازة على رجل من اهل الحى ، بعضهم استمر فى التقدم نحو الخارج بالقصور الذاتى والبعض استطاع ان يتوقف كسيارة أمسكت فرامل ، فصنع المصلون خلف بعض موجه من الاهتزاز لاجساد بشرية ، الجميع كان قد تهيأ لمواصلة الحياة بعد الصلاة حسب تخطيط كل واحد منهم ، بعضهم سيقضى بعد الصلاة طلبات للاسرة ، وبعضهم سيذهب لزيارة الاقارب، وبعضهم يخطط لمتابعة مباراة كرة القدم والبعض ينتظرهم دور طاولة حامى على القهوة ، نداء الامام بالعودة لصلاة الجنازة بعثر كل هذه الترتيبات ، بل تعدى ذلك الى خلق صراع داخلهم بين ثواب صلاة الجنازة الذى اخذ يذكرهم به الشيخ وبين رغباتهم فى الانطلاق الى حيواتهم ، أصطف الجميع فى تململ يستمعون الى كيفية أداء صلاة الجنازة ، أطال الامام فى التأكيد على ضرورة صدق النوايا والدعاء بنية خالصة للميت ، ثم مالبث ان أستدعى من ذاكرته بعض المواقف للصحابة فى مثل هذا الموقف ، ثم اطال بتذكيرهم ، بأنهم جميعاً سيشهدون هذا الحال ، وبقدر اخلاصهم فى الصلاة على الميت ، سيكافئهم الرحمن بمثل عملهم ، وسيجدون من يخلص لهم الدعاء باذن الله ، فتصور بعضهم نفسه وهو فى رحلته الاخيرة نحو القبر ، فانقبضت القلوب وتمنى البعض انه لم يأتى لصلاة الجمعة فى هذا المسجد ، حين رفع الشيخ صوته بتكبيرة الاحرام ، راحوا جميعهم يفكرون كيف يستعدون الى مثل هذا اليوم ، ورويداً رويداً زال التململ وحل محله الخشوع وعم صمت عميق لا يسمع سوى بكاء اهل الميت ونهنهة بعض المصلين الذين تأثروا بالموقف ، ووسوسة البعض الأخر بالدعاء بقلب مفعم بالايمان ، كان يقطع هذا الصمت المقدس بين فينه وأخرى تكبيرة الامام ليعلن عن انتهاء ركعة وبدء اخرى ، حتى وصل للتكبيرة الاخيرة واعلن بعدها انتهاء الصلاة ، اندفع اهل الميت نحو الجثمان يرفعوه على الأكتاف متوجهين به للخارج نحو سيارة دفن الموتى ، وقف المصلين فى اماكنهم يرفعون اصابعهم بالتوحيد مرددين إنا لله وانا اليه راجعون ، ثم تحركوا خلف النعش فى عملية خروج هادئة منظمة ، حتى وصلوا الى السيارة ،وانتظروا حتى استقر النعش وانطلقت السيارة وانطلق خلفها مجموعة من سيارات المشيعين ، ثم استدارت جموع المصلين الناحية الاخرى عكس اتجاه السيارة ، يلتفون حول بائعي الفاكهة والخضروات ، وبعضهم استقل سيارته لاداء بعض المشاوير واندمج الباقى فى حوار عن نتيجة المبارة أثناء عودتهم الى منازلهم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.