الكاتب الصحفي محمد العزيزي يكتب : لا يكفي تبديل المقاعد، ولا إعادة تدوير الوجوه!

عندما تتفاقم الأزمات وتتسع دائرة تأثيرها يصبح البحث عن حل ضرورة لا تحتمل التأجيل.. لكن المدهش أن كثيرًا من محاولات الإصلاح تبدأ من حيث انتهى الفشل، أي من استدعاء نفس الأدوات التي صنعت الأزمة نفسها، فنجد أنفسنا أمام معادلة غير منطقية: كيف يمكن أن نتوقع حلولًا جديدة من عقول كانت شريكة في صناعة المشكلات؟ الحقيقة التي تغيب عن البعض أن من كان جزءًا من المشكلة لن يكون يومًا جزءًا من الحل!
لقد اعتدنا أن نشاهد مسؤولين ظلوا لسنوات طويلة في مواقع قيادية، أشرفوا خلالها على ملفات حساسة ثم غادروا مواقعهم تاركين وراءهم مشكلات أعقد وأكبر، بل أحيانًا كوارث تراكمت على ما سبقها.. هؤلاء يعودون اليوم ليتحدثوا بلسان الناقد الحريص على المصلحة العامة، بل يزايد بعضهم في انتقاد سياسات هم أنفسهم من دافعوا عنها بالأمس، وخاضوا معارك لتبريرها وإقناع الرأي العام بصحتها، والمفارقة أن يتم استدعاؤهم لا للاستماع إلى نقدهم وحسب، بل أحيانًا لمنحهم مواقع مؤثرة باعتبارهم “أهل خبرة” و”حملة رؤية”.
صحيح أن الخبرة المتراكمة قيمة لا يمكن إنكارها، لكن هذه الخبرة لا ينبغي أن تتحول إلى صك براءة من الفشل، أو إلى تذكرة عودة إلى مواقع صناعة القرار وأن أقصى ما يمكن أن تمنحه الخبرة هو الاستشارة أي المساعدة في تفادي أخطاء سابقة أو توجيه نحو مسار معين!
لكن لا يمكن أن تكون هذه الخبرة نفسها وسيلة للإصلاح، فلو كان لدى هؤلاء ما يكفي من الحكمة والقدرة على التغيير، لما وصلت الأمور إلى ما هي عليه أصلًا أثناء توليهم للمسؤولية.
الإصلاح في جوهره ليس عملية تجميلية، بل عملية جراحية دقيقة تحتاج إلى أدوات جديدة وعقول متحررة من أسر البيروقراطية والروتين وميراث ” الأقدمية الوظيفية ” التي اعتدنا أن تكون معيارًا لتولي المناصب، هذه العقلية القديمة هي التي كرّست قيادات أمضت سنوات طويلة في مواقعها دون أن تضيف قيمة حقيقية، فقط لأنهم استوفوا شرط الزمن لا شرط الكفاءة!
اليوم يقف العالم على أعتاب تحولات كبرى مع تطور التكنولوجيا وصعود الذكاء الاصطناعي الذي يفرض إيقاعًا جديدًا للحياة والاقتصاد والإدارة، وهذه المرحلة لا يمكن التعامل معها بالعقلية التي اعتادت العمل في كهوف مغلقة، ولا بالوجوه التي ارتبط اسمها بالفشل أو العجز عن التكيف مع المتغيرات.
نحن بحاجة إلى عقول شابة، مرنة، جريئة في التفكير، قادرة على كسر القوالب القديمة وتقديم حلول مبتكرة تواكب العصر، دون أن تتجاهل الاستفادة من الخبرة، ولكن في حدودها الطبيعية كعامل مساعد لا كقائد للتغيير.
الرهان اليوم يجب أن يكون على جيل جديد من المفكرين والمخططين وصناع القرار، ممن لم يتلوثوا بثقافة تبرير الفشل أو التعايش معه، بل من يملكون الشجاعة للبحث عن طرق غير مألوفة، ولديهم الحافز لبناء سياسات واقعية قابلة للتنفيذ، فالإصلاح ليس مهمة للذين صنعوا العطب، وإنما مهمة للذين يرون الصورة بعيون مختلفة ويملكون إرادة التحرر من إرث الماضي