الكاتب الصحفي عبدالرازق توفيق يكتب : حرية الرأى والتعبير.. ولكن

لا أحد يختلف على أهمية حرية الرأى والتعبير والرأى والرأى الآخر التى أكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال اجتماعه مع رؤساء الهيئات الإعلامية.. لكن هناك من يفهم حرية الرأى والتعبير بشكل خاطيء أو طبيعتها وكيفيتها ومحتواها ومضامينها ومتى تكون مهمة ومتى تكون حذرة خاصة وأن عنصر التوقيت شديد الاهمية وطبيعة ما يواجه الوطن والمجتمع فالوطن يبقى هو الأهم والأعظم وما يتعلق بالأمن القومى وحجم التحديات والتهديدات التى تواجه هذا الأمن.
دعونا نتفق أن حرية الرأى والتعبير أمر مهم للإعلام والمشتغلين فيه، وهو مبدأ دستورى وقانوني، وضرورى لكن قبل الحديث عن قضية حرية الرأى والتعبير لابد أن نؤكد على معنى مهم فى ظنى أن حريتك تتوقف عند حرية الآخرين، وأنت حر ما لم تضر، فإذا كانت هذه المباديء تحكم علاقة الأشخاص ببعضهم البعض، فما بالنا إذا كانت أساءة استخدام الحرية تلحق الضرر الجسيم بالوطن وأمنه القومي، فهل يمكن وضع حرية الرأى والتعبير بلا سقف بلا حدود خاصة إذا كانت الدولة فى حالة اشتباك مع تهديدات وجودية خارجية.. أم تكون هناك ضوابط ومعايير وياحبذا لو كانت من داخل ضمير الإعلامى أو الصحفى أو حتى المواطن، فمن الشرف والوطنية بل والأخلاق الرفيعة، مراعاة التوقيت ودقة التحديات والظروف التى تواجه الوطن ربما يقول البعض إن كاتب هذا المقال صحفى وعليه أن يدعم حرية الرأى والتعبير بلا حدود، أقول إن هذا خطأ كبير لأن هناك مسئولية وطنية ومجتمعية وأخلاقية، فلا توجد حرية بلا مسئولية وإلا فنحن نتحدث عن فوضى واستباحة.
هناك مجموعة من النقاط من الماضى والحاضر من المهم، استعراضها قبل الخوض فى أحاديث حرية الرأى والتعبير.
أولاً: خلال حرب أكتوبر وعلى مدار أيام الحرب لم تسجل أقسام الشرطة جريمة واحدة وتسابق الجميع لدعم أبطال الجيش حتى قبل الحرب وجدنا التبرع بالمال والذهب والمجوهرات والحفلات لدعم المجهود الحربي، وعندما انطلقت ملحمة العبور فى السادس من أكتوبر عام 1973 ترك المصريون كل شيء وتفرغوا للبحث عما يقدمونه للجيش والأبطال، ذهب الناس إلى المستشفيات للتبرع بالدم وتحول ماسبيرو إلى خلية عمل وكلمات تصاغ فى دقائق وألحان سريعة لتخرج لنا أغانى وطنية تشعل الحماس والفداء والتلاحم وتدعم جبهات الحرب لأن المقاتل إذا لم يجد الدعم والاصطفاف الداخلى ورفع روحه المعنوية فإن ذلك يعد انتكاسة تؤدى إلى نتائج سلبية على جبهات القتال إذن فالضمير الوطنى الحى هو الذى دفع المصريين لبذل الغالى والنفيس والالتفاق حول جيشهم فى الأوقات الحاسمة والصعبة.. وتفرغ الجميع لكل ما يؤدى إلى تحقيق الهدف والمهمة وهو النصر والعبور بالوطن إلى الثأر واستعادة الأرض والكرامة، وهذا ترويه صفحات التاريخ.
ثانيًا: مصر فى هذه اللحظات تمر بظروف وتحديات وتهديدات وجودية ليست من اتجاه واحد، ولكن من كافة الاتجاهات الإستراتيجية، غربًا وشرقًا، وجنوبًا وشمالاً وفى الداخل والخارج، وحروب على العقول وحملات مكثفة وشرسة تروج الأكاذيب والشائعات والتشويه على مدار الساعة وتصدر الاحباط ومعلوم للجميع أن كل ما يجرى فى المنطقة يستهدف مصر وأنها تواجه مؤامرة ومخططًا لم يعد خفيًا على أحد، بل تجاهر به قوى الشر وتطالب مصر بلا حياء أو خجل بل ببلطجة لتفرط فى أمنها القومي، وتتنازل عن مواقفها وشرفها، وتوافق على الظلم، مرة بإغراءات غير مسبوقة وأخرى بضغوط وتهديدات لكن فى كل الأحوال مصر لم ولن تتنازل عن مواقفها الشريفة مهما كانت الإغراءات والضغوط والتهديدات، ناهيك عن تحديات الداخل، خاصة أن هناك من يعيش معنا من خفافيش الظلام يترقب لحظة ضعف، وهناك من يتربص ويريد أن يتلقف أكاذيب أو سلبيات لينسج خيوط أكاذيب ويعيد ويزيد من أجل أن يحبط المصريين ويضرب جدار الثقة والاصطفاف، والسؤال هنا فى أن هذه المعطيات والتحديات والتهديدات والمخاطر والمخططات والمؤامرات ما هو المطلوب أولاً من كل مواطن مصرى شريف؟ والحقيقة أن الشعب المصرى يقدم ملحمة وطنية فى الاصطفاف خلف الوطن والقيادة، وما هو المطلوب فى تلك اللحظات من النخب المصرية، ورموز الإعلام، والمثقفين والمفكرين، وأصحاب الكلمة والقلم، ألا يستحق الوطن أن يدعم ويساند ويؤازر وهل يمكن أن يكون هذا توقيتًا مناسبًا للجدل واثارة الاختلاف ومعارك وهمية وبطولات زائفة، هل هذا وقت المزايدة على الوطن، وهل يصح أن يساعد البعض أعداء مصر فى دعم حملاتهم للأكاذيب والتشويه والتشكيك وتصدير الاحباط؟، وهل إهالة التراب على كل نجاح وانجاز تحقق هو مسار مناسب فى هذه اللحظات الفارقة والبلاد تشتبك مع تحديات وتهديدات من كل حدب وصوب؟ وهل حرية الرأى والتعبير تفتقد للأحساس بدقة اللحظة وما يمر به الوطن؟ بالبلدى أقول يعنى الوطن أو الدولة تلاقيها منين ولا منين من أكاذيب وتشويه الخارج أم من الداخل.
فى ظنى أن حرية الرأى والتعبير لا تعنى البلطجة الفكرية والإعلامية.. ولا تعنى تعمد إهالة التراب على كل نجاح ولا تعنى تشويه كل شيء ولا يمكن أن تكون مجرد نقد هدام لا يغنى ولا يسمن من جوع، لماذا لا نحول حرية الرأى والتعبير والرأى والرأى الآخر إلى طاقة ايجابية، ومضخات أفكار خلاقة ورؤى بحيث تكون فى قمة الرقى والاحترام.. اختلف ولكن بأسلوب راق، وقل إن هذا الفكر خاطيء أو لا يعجبك ولكن بشرط أن تطرح البديل، تدعم الوطن بصناديق من الرؤى والأفكار الخلاقة التى يتحقق بها التقدم لكن تصفية الحسابات، وتعمد تشويه الآخرين ولا أريد القول تنفيذ أجندات شخصية وخارجية، فما معنى أن أرى أن الوطن يتعرض لحروب ومؤامرات ومخططات وتهديدات وجودية وحملات للتشويه والأكاذيب يراد منها تفكيك الاصطفاف، ثم أقول من خلال استغلال حرية الرأى والتعبير بدعم حملات ومخططات قوى الشر، وإذا لم ندرك مثل هذه الظروف والتحديات والتهديدات التى تواجه الوطن لا نستحق أن نعمل فى الإعلام فالمواطن البسيط يدرك ويرى أن مصر فى حالة حرب وجودية.
تستطيع أن تقول ما تشاء وتختلف كيفما تشاء ولكن الأسلوب والدقة والمصداقية والمهنية، والضمير الوطنى اليقظ كل ذلك يصنع الفارق ويجعله مقبولاً، ويحوله إلى طاقة ايجابية هدفها البناء وليس الهدم.
لم يشهد الأمن القومى المصرى ظروفًا وتهديدات أكثر مما يتعرض لها فى هذه الفترة لذلك لابد أن نبادر كإعلاميين وصحفيين بالحذر والانتباه واليقظة وأن تكون بوصلتنا وهدفنا مصلحة الوطن وألا نتورط بقصد أو بدون قصد فى دعم حملات الأكاذيب والتشكيك والتشويه وتصدير الاحباط فى وقت تحتاج فيه مصر إلى الاصطفاف والروح المعنوية العالية والتفاؤل.
حتى فى الأوقات الطبيعية للدول، هناك شكل محترم وبناء ورقى لحرية الرأى والتعبير ومن صدعونا بحرية الرأى والتعبير فى أمريكا والغرب وإسرائيل اعتقد أن الجميع كفر بأوهام واقنعة الغرب التى سقطت وكشفت عن الوجه القبيح للديكتاتورية والإجرام والبلطجة والإبادة والتجويع وإزدواجية المعايير ودعم قتل الأطفال والنساء.
نحن فى أمس الحاجة إلى إعلام يوحد ولا يفرق إلى إعلام يواجه ويحارب إلى جانب الوطن ويقاتل فى خندقه، أن يتصدى لحملات الزيف والأكاذيب، والحرب على عقول المصريين فالإعلام الآن وطنى أو قومى إعلام الدولة الخاص، والجميع فى خندق واحد فى مواجهة الخطر الداهم، لأن الوطن أغلى واسمى ما فى الوجود..
تحيا مصر