الكاتب الصحفي عبدالرازق توفيق : عقود «المسكنات»

هناك فئات مصابة بأمراض نفسية تخشى دائمًا مواجهة الذات بالحقيقة تحن إلى الماضى المولم، الذى أعتمد على المسكنات.. والتخدير، والتجميل والترقيع دون وجود.. انفصال عن الواقع وحنين إلى فترات، ظلت مصر خلالها تعيش على أجهزة التنفس والمسكنات دون وجود علاج حقيقى وناجع، تحقيق التعافى والشفاء والانطلاق إلى القدرة، ولا أدرى ما هى سيكولوجية هذا التشوق والحنين رغم أن الدولة كادت تسقط وتضيع وتموت بسبب إدمان المسكنات وزيادة جرعات التخدير.
هؤلاء الذين يفكرون بهذه العقلية مصابون بالانتها زية، وتفضيل الذات على الوطن الذى لو استمر على حاله وأوضاعه وأزماته ومشاكله المزمنة لاستمر فى غرف الانعاش، وتحت تأثير جرعات التخدير، ربما كان من الصعب افاقته إذا ما استمرت نفس سياسات التسكين والخداع وترويج شعارات الاستقرار الهش، فقد أدمنت العقود الماضية أسلوب عدم تنظيف الجراح من الصديد والتمسك وفضلت بقاءه، وأن تكون المسكنات الحل لتخفيف الألم المزمن.
المشتاقون لعقود المسكنات فاتهم أن المريض كاد يموت لولا عناية الله، الذى سخر الطبيب الماهر الذى شخص المرض وطهره من الصديد وتشافى المريض وتعافى وانطلق بقوة، ونسى هؤلاء أن العقود الماضية عانت فيها البلاد والعباد من مشاكل وأزمات طاحنة، دون حل وعدم قدرة ورغبة فى الإصلاح الحقيقى حتى تهالكت الدولة باتت عاجزة عن الوفاء باحتياجات شعبها، أو تلبية مطالب العصر، ومواكبة التقدم، تحولت إلى ما يشبه المريض الذى فضل واختار له أعداؤه أن يعيش على هذه الحالة خوفًا من استعادته لقوته التى تهدد وجودهم ومصالحهم.
ملامح عقود المسكنات فاقت التصورات تراها فى حالة عجز أمام مشاكل متراكمة وأزمات مزمنة، وغياب رؤية مواكبة الحاضر والمستقبل، وافتقدت البلاد للحلول والأفكار الخلاقة، يزيد العباد وتتضاعف أعدادهم، وتقل وتشح الموارد حتى اختلت المعادلة التى انفجرت فى شكل طوابير جرارة للقتال من أجل الحصول على الخبز أو البنزين أو السولار أو البوتاجاز، ناهيك عن مرض استشرى انهك أكباد المصريين فى ظل مستشفيات لم يبق منها سوى الجدران وبات الشعار العلاج والدواء للأثرياء فقط والتعليم حدث ولا حرج لم يأت بخير، وبات الخريجون أو مخرجات العملية التعليمية، مجرد شهادات حبر على ورق لا تعكس قدرات حقيقية أو احتياجات فعلية لسوق العمل أو حتى ملاحقة قطار التقدم و»عشوائيات» انتشرت بشكل ينذر بكارثة تنفجر فى وجه الوطن، حضانات للإجرام والإرهاب والمخدرات والبلطجة، وحالة من السخط، وعناوين سيئة لدولة عظيمة، ناهيك عن الريف المصرى الذى يرزخ فى غياهب الجهل والمرض والمعاناة وغياب العدالة، والخدمات حتى إن من يمرض يذهب إلى القاهرة أو الإسكندرية لمجرد عمل أشعة مقطعية.
عقود المسكنات حولت البلاد لحالة غريبة من الاستسلام للأمر الواقع ورفع راية الاستسلام فكيف تنفجر الزيادة السكانية، وفى ذات الوقت، تتآكل الرقعة الزراعية بمعدلات خطيرة وكارثية وتكتسى بلون العشوائية الأحمر، وتتهالك بنية تحتية هى أساس أى تقدم، فلا طرق ولا موانيء ولا مطارات ولا اتصالات حتى المرافق التى ولدت فى هذه العقود مثل الخط الأول من مترو الانفاق تقادمت دون تطوير، أو مخاوف من كوارث وتحولت السكة الحديد إلى نعوش تجرى على القضبان، وإسكان يمضى مثل السلحفاة لا يتجاوب مع الزيادة السكانية المرعبة انذاك، فيلجأ الناس إلى العشوائية والزحف القاتل نحو التهام الرقعة الخضراء.. مع فساد بات ينخر فى عظام الوطن حتى خرج أحد أعمدة نظام المسكنات ليقول إن الفساد وصل الرقاب وليس الركب، ناهيك عن رغبة مريضة للحفاظ على الاوضاع دون أى إصلاح بذريعة الخشية من رد فعل الشعب أو الرأى العام، وتحت هواجس الاستقرار الهش.. وغياب المصارحة والمكاشفة والحديث واقناع الناس أنه لا سبيل إلا الإصلاح لوضع حلول حاسمة لمشاكل تراكمت وأزمات تفاقمت وأن استمرار الاوضاع على مسيرتها القاتلة سيؤدى إلى كارثة قد تعصف بالبلاد، حتى وصل الأمر إلى أن أعداء الوطن باتوا على قناعة أن توظيف هذه الحالة فى تحريض الناس وتزييف وعيهم وهم لا يرون ولا يجدون أى جديد للإصلاح أو حتى انجاز، أو حل لمشاكل وأزمات عقود غرقت فى شبر مية، لا تمتلك الأفكار أو الخيال أو القرار، اعطت ظهرها لكل محاولات الإصلاح فبات الوطن ينزف، دون أن يدرى المواطن الذى جعلوه يعيش على محاليل التخدير، والتغييب، لكن أعداء الوطن لم يتركوه على هذه الحالة، زيفوا وعيه وجدوا ضالتهم فى احباطه، وتحريضه واستأجروا من أجل ذلك الخونة والمرتزقة والطابور الخامس من إخوان مجرمين ونشطاء ممولين.
«عقود المسكنات» والتخدير الرشاوى من أجل «سلطة» تستند إلى استقرار هاش وعدم مصارحة الناس، وغض البصر عن أى محاولات للإصلاح الحقيقى والشامل، هذه الحالة يفضلها الانتهازيون أصحاب المصالح الشخصية، والأفكار السطحية اختاروا مصالح ضيقة على مصالح الوطن وبناء دولة قوية حديثة تمتلك مقومات الانطلاق والتقدم، نستطيع أن نخلق شرايين جديدة للموارد فى جسد الاقتصاد تبنى وتعمر وتصلح فى كافة القطاعات والمجالات، بنية تحتية عصرية، موانيء حديثة استثمار فى الموقع الجغرافي، والحفاظ على مكانة مصر فى التجارة البحرية وتعظيم قدراتها بفكر إستراتيجي، ونهضة زراعية غير مسبوقة أضافت أكثر من 4 ملايين فدان للرقعة الزاعية المصرية، وصناعة تتهيأ للانطلاق بقوة للتصدير، وتحقيق الاكتفاء وتوفير مليارات الدولارات، اصلاح حقيقى وشامل وناجح يستند على دعم شعبى ومدن ذكية، وتطوير وتنمية قرى الريف المصرى وهو مشروع القرن، وحياة كريمة ومظلة حماية اجتماعية، ورعاية صحية وتأمين صحى شامل، وشبكات طرق ونقل ومواصلات عصرية، واستثمارات ضخمة ومباشرة غير مسبوقة، ودولة قوية عفية تمتلك قوة الردع، من خلال جيش وطنى عظيم بات هو الأقوى فى المنطقة، وواحد من الأقوى فى العالم يؤدى مهامه باقتدار وكفاءة يتمتع بأعلى درجات الجاهزية يمتلك أحدث منظومات التسليح فى العالم، قادر على حماية الأرض والبر والبحر والجو والقدرات والمقدرات وفرض السيادة ودحر التهديدات والمخططات والتأمين والحفاظ على الأمن القومى وشرطة وطنية على أعلى درجة من الاحترافية ومواكبة التطور فى الفكر الأمني، تحقق أعلى درجات الأمان والأمن الذى يمثل القاعدة للبناء والاستثمارات وهنا الكثير ثم على مستوى المواطن وبناء الإنسان يحصد المصريون ثمار مساندتهم لمشروع وطنى عظيم لتحقيق التقدم وهناك الكثير من البشاير فى القادم فى دولة تحاصر بالصراعات والأزمات وتداعيات ما يحدث فى العالم والمنطقة ورغم ذلك يصل معدل البطالة فيها إلى مستوى غير مسبوق أقل من 7٪ واقتصاد مرن يتعافى بقوة، لذلك أقول التجربة المصرية التى انطلقت منذ 12 عامًا بدأت وهى لا تمتلك شيئًا ولكنها حققت كل شيء من النتائج غير المتوقعة والنجاحات والإنجازات وهو ما أثار جنون قوى الشر الذين يحاولون بشتى الطرق عرقلة مسيرة مصر نحو التقدم لذلك فارق كبير أن تعيش على المسكنات وأن تعيش بكامل الصحة والتعافى وتكتسب القوة والقدرة الشاملة والحقيقية يومًا بعد يوم.