الكاتب الصحفي عصام عمران يكتب : عيش مصر  !!

الكاتب الصحفي عصام عمران

قالوا قديما ” أن من شرب مياه نيلها لابد من يوم تاني يجيلها ” فى إشارة إلى حب وعشق زوار  مصر وتعلقهم بها والعودة إليها مرات ومرات عديدة ، ولكن يبدو أن ذلك لم يعد قاصرا على مياه النيل فقط وإنما لتذوق عيش مصر وطعامها الذى يتميز بطعم ومذاق خاص عن غيره فى مختلف بلدان العالم المتقدم منها قبل النامى .

اقول ذلك بمناسبة ما أثير مؤخرا على وسائل التواصل “السوشيال ميديا ” بسبب رغيف العيش المصري .. حيث اشترى مجموعة من الشباب  طن دقيق، وخبزوا منه خبرا مصريا بطريقة مبتكرة، وصدروه  مجمّدا للخارج ، وكانت المفاجأة الجميلة أن الرغيف المصري تم عرضه بجانب مخبوزات مشهورة “زي الكرواسون والتوست والباتيه ”  … وأصبح العيش المصري  الأكثر مبيعًا و ينفد من الأرفف في أقل من ساعة يوميًا.

الأمر الذى جعل الكثيرين غير مدركين كيف لمنتج جديد من بلد بعيدة، ومن غير دعاية ضخمة،  يحقق هذا النجاح ، لكن السر مكتوب ببساطة على العبوة:”خبز مصري مخبوز في مصر ” !! .

وبهذه المناسبة السعيدة دعونا  نقص على حضراتكم  حكاية ” رغيف العيش المصرى ” فنحن المصريين اللى بيسموا الخبز “عيش” ..وده مش من النهاردة .. ده من أيام جدودنا قدماء المصريين .

ودخلت الكلمة معانا فى كل تفاصيل حياتنا .. لما بنطلب لحد شغل بنقول خليه ياكل عيش .. ولما نزعل من حد ونعاتبه بنقول له .. ده ما كانش عيش وملح.. أو هان عليه العيش والملح … وأعظم قسم عندنا “وحياة العيش والملح” وفيه ناس مع الكلمة دى بتقطع رغيف قدام عينيها  .. وفى الوقت ده لازم تصدقه لانه مش ممكن يقسم بالعيش والملح ويكون كداب .

العيش قصة كبيرة عند المصريين ، ودخلوه فى كل حاجة فى حياتهم وإليك بعض الأمثلة اللى قالوها زى الجعان يحلم بسوق العيش .. أو راجع قفاه يقمر عيش .. دا ما بيضحكش للرغيف السخن .. وشه يقطع الخميرة من البيت .. أدى العيش لخبازِه حتى لو أكل نصه، وكل لقمة حبيبك تسره، وكل لقمة عدوك تضره.

طيب ايه سر ارتباط المصريين بالعيش ..وليه سموا “رغيف الخبز” عيش ؟! .

الحكاية دى بقالها 7000 سنة واكتر ، والعيش عندنا بيتجاوز فكرة التغذية وبقا هو الحياة نفسها فجدودنا قدماء المصريين أول شعوب الدنيا اللى عرفت تطحن وتعجن وتخمر الخبيز وتصنع الرغيف….

نعم جدودنا عرفوا الخميرة .. وفيه نقوش ورسومات بتأكد أن احنا أول شعب عرف طريقة التخمير، اللى هى المادة الأساسية لصناعة الخبز ونضجه واللى بتخلى طعمه أحلى .

هذه النقوش عثروا عليها في مقبرة “وب أم نفرت” بالجيزة، وبيظهر فيه رجل مكلف بتسخين الفرن ، يعنى شغلته فران .. وفى الرسمة الفران ده بينحني على وعاء، وفوقه نص “هيروغليفي” بيقول :”سخن الماء جيدا لأن العجينة اختمرت”.

..وبالمناسبة الرغيف اللى اتعمل من 7 الاف سنة ممكن تشوفه تلاقيه النهاردة عندنا فى الصعيد باعتبارى من أبناء سوهاج واسمه  العيش الشمسى .. ولسه بيتعمل بنفس طريقة جدودنا حتى الآن .

التاريخ بيقول ان المصريين القدماء عرفوا رغيف الخبز وكان هو الطعام الأساسى لكل الشعب .. والرسومات على جدران المعابد بتبين ازاى كانوا بيعملوه .. ازاى بيخلطوا الدقيق بالخميرة والحليب والتوابل والملح، ويعجنوه بأيديهم ويقطعوه ويفردوه ويسووه .

مش بس جدران المعابد اللى كشفت لنا معرفة المصريين للعيش .. كمان بعثة اثرية اكتشفت مخبزا كاملا من القرن التالت قبل الميلاد والمخبز ده متطابق مع الفرن البلدى فى الأرياف والصعيد واللى لسه شغال لحد النهاردة .ومن تقديس المصريين للعيش كانوا بيحطوه مع الطعام فى المقابر لاعتقادهم أن الميت هيستخدمه فى الحياة الأبدية ، وكذلك كان من أهم القرابين المقدمة فى عهد الملك رمسيس، وفى عصر المصرى القديم استخدم الخبز للتمييز الطبقى والاجتماعي ، فكان الخبز يقسم إلى ثلاثة أصناف هي: دقيق القمح للأغنياء، ودقيق الشعير للطبقة المتوسطة، أما الفقراء فكان لهم خبز أسمر من دقيق نوع من الحبوب البرية.

الخلاصة ..العيش  فى مصر له أصول وآداب من أيام جدودنا قدماء المصريين وبنتوارثها جيل ورا جيل .. علشان كده مش مستغرب خالص أن الرغيف المصري يبقى عالمي وتريند ويبهر الدنيا !! .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.