الدكتور مجدي أبو الخير يكتب : كيانٌ عديمُ الشّرفِ بخَاتمٍ رسميّ !

في أكثر من حادثةٍ، ويومًا بعد آخر، وحتى تاريخه، يثبُتُ للعالم أجمع، ورسميّا، كذب الاحتلال الصهيوني في كل ما يروّج له ويدّعيه؛ فمن ذلك -على سبيل المثال، وفي (إبريل 2025م)- روايته الكاذبة حول استهدافه عمدًا وقصدًا لطاقم المسعفين الـ(14) التابعين للهلال الأحمر الفلسطيني، بعدما خرج وزير خارجيته (جدعون ساعر) وقتها يبرر كذبًا استهدافهم؛ فلا دليل على كونهم مسعفين، لا زِيّ طوارئ، ولا سيارات ذات أضواء طوارئ، وحركتهم المريبة. وهو ما فندته وكذّبته صحيفة (نيويورك تايمز) إثر حصولها على دليلٍ دامغ يدحض تلك الرواية من خلال مقطع فيديو من هاتف أحد المسعفين الذين عُثر عليهم في مقبرةٍ جماعية في ر فح جنوبي غزة، على نحو ما بات معلومًا حينها. إذ ذكرت الصحيفة أن الفيديو يُظهر بوضوح سيارات الإسعاف، وشاحنة الإطفاء التي كان على متنها عناصر الإسعاف والدفاع المدني الـ(14)، مشيرة إلى أن مصابيح الطوارئ في المركبات كانت مشغّلة لحظة استهدافها من قبل القوات الإسرائيلية. وعليه طالبت الأمم المتحدة الكيان، والذي بات في موقفٍ فاضح وقتها، إجابة واضحة عن ذلك، والتي صرحت أن الأمر لا يزال قيد التحقيق، فضلًا عن تصريحٍ سابق ونادر يفيد ربما بكذب ضباط الميدان بشأن تلك الواقعة.
وهذا بدوره يعيدنا إلى تحقيق أعدته (نيويورك تايمز) –أيضًا- في (مارس 2024م) حول مزاعم إسرائيل بعمليات قطع رءوس واغتصاب من قِبل حماس يوم السابع من (أكتوبر 2023م) خلُصت فيه الصحيفة إلى أنه لا توجد أيّة أدلة على ذلك. ورغم ذلك ظلت إسرائيل تُلحّ على تكرار تلك الادعاءات والأكاذيب؛ وهنا أذكر لقاءً لـ(أيوب قرّا)، وزير العمل الإسرائيلي السابق على بي بي سي، يكرر تلك المزاعم حتى صفعه مذيعُ القناة، وأظنه حمدان الجرجاوي، وقتها بتحقيق النيويورك تايم بأن هذا غير صحيح وفقًا له.
وفي منتصف (نوفمبر2023م)، وعقب استهداف الكيان لمستشفى الشفاء في مجزرة مروعة فاضحة على بربريته ووحشيته، وادعاؤه وقتها أن سبب ذلك صاروخٌ لحماس بالخطأ؛ كشف تحقيق لنيويورك تايمز –أيضًا- أنه ادعاء كاذب وأن القذيفة كان مصدرها الجيش الإسرائيلي، موثقة ذلك بالأدلة القاطعة. بل، خلصت الصحيفة من ذلك -أيضًا وبالقياس- إلى ما يفيد باستهداف إسرائيل لمستشفى المعمداني هو الآخر.
وإذا ما تركنا مثل تلك الأدلة القاطعة بكذب هذا الكيان المجرم إلى تصريحاتٍ رسميةٍ له عقب إنشائه وكالة تهدف إلى تسهيل عملية تهجير الفلسطينيين إلى دولٍ أخرى؛ حيث ادّعى قبول بعض الدول لاستقبالهم؛ كالسودان والصومال وإندونيسيا، وهو ما رفضته تلك الدول وقتها رسميًّا. غير أن أكثرها فجاجةً عندما أعلن وزير داخلية الكيان (موشيه أربيل)، (إبريل 2025م)، بهجرة مئات الفلسطينيين بشكل طوعي إلى مدينة (لايبزيغ) الألمانية على متن (16) رحلة جوية حتى خرجت الخارجية الألمانية، وفي تصريحٍ رسمي تكذب ذلك، موضحةً أن مَن جاءوها كانوا (19) ألمانيًا، وأفراد عائلاتهم.
لنكون بذلك أمام آلةٍ هائلةٍ رسمية عِمادُها الكذب، ولا شيء غير الكذب طوال الوقت. حدّ خروج (نتنياهو وترامب)، في (السابع من إبريل 2025م) ليؤكدا أن دولًا هناك أبدت رغبتها في قبول الفلسطينيين لديهما؛ دون ذكر لها، أو تحديدها، في طريقةٍ كاذبة مفضوحة، وأسلوبٍ رخيصٍ ومبتذل لم يعد يخفى على أحدٍ، بل ثبت كذبه أكثر من مرة، اللهم إلا إذا كان يقصد عملاءه، أو حتى مَن رضخوا لِعَصاتِه وجَزَرتِه في آنِ.
غير أن أخطر أنواع الكذب هو ادّعاء الكيان بارتكاب حماس جريمة الاغتصاب؛ ليُلِحق بها العار، ويُجردها من كل غطاء خُلقي وإنساني، ليبقى هو وحده، وحسب آلته الدعائية الجهنمية الكاذبة المحترم الشريف. وأخطر من ذلك ترديد (بايدن) وقتها، وفريقه، وحتى (ترامب وفريقه، لتلك الأكاذيب، والتي ثبت كذبها وفق تحقيق النيويورك تايمز نفسها. لتجد إسرائيل نفسها أمام تقرير أعدته لجانٌ تابعة للأمم المتحدة يفيد ارتكاب جنودها جرائم اغتصاب بحق الفلسطينيين، الأمر الذي أربكها وأزعجها حتى نفتها من فورها خشية عارٍ ينزع عنها صورةً طالما صدرتها للدنيا أجمع. لكن، هل يكفي نفيُها لتبقى صفحتها ناصعة أمام الدنيا لاسيما في ظل تلك التقارير والتحقيقات الدولية؟! أم أن العالم لديه ذاكرة السمك، وقد أُريد له ذلك عمدًا، لاسيما في ظلّ آلتها الدعائية الهائلة والدءوبة، مرئية ومسموعة ومقروءة، والكفيلة بقتلِ أيّة حقيقة أو التغطية، أو حتى التشويش على أي تقرير منصف حتى يطويه النسيان؟! لتبقى أكاذيب السابع من أكتوبر هي الحاضرة طوال الوقت، ماثلة أمام الجميع.
ولا ننسى هنا ذلك القرار التاريخي الشجاع للفارس النبيل (أنطونيو جوتيرش) أمين عام الأمم المتحدة (يونيو 2024م) بإدراجه إسرائيل على قائمة العار، القائمة السوداء لقتلة الأطفال، رغم كل محاولات الكيان لإثنائه عن هذا القرار. هذا فضلًا عن القرار التاريخي لـ(كريم خان) مدعي الجنائية الدولية بإصداره مذكرة توقيف بحق (النتن وجالانت) لارتكابهما جرائم حرب، وإ بادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة.
لنخلص من ذلك كله إلى أننا أمام كيانٍ مجرد من كل معاني الأخلاق والشرف، كيانٍ وحسب تقارير أممية رسمية كذاب ومغتصب، وصحيفته مسودة بكل ما هو عارٌ ومخلٌّ بالشرف. ليكون السؤال الجاد: كيف ينظر الغرب رسميًّا وشعبيًّا إليه بعد تلك التقارير والتحقيقات الدولية بعيدًا عن نظرتنا نحن العرب له؟! لتكون الإجابة فيما نراه منهم، ورغم تلك الأدلة الدامغة على كذبه، يرددون معه أكاذيبه عن السابع من أكتوبر؛ فيراه ترمب -مثالًا- خلال لقاءٍ له مع نتنياهو كأسوأ يومٍ في التاريخ. يرددون معه أكاذيبه عن السابع من أكتوبر رغم ما حلّ واقعًا بالقطاع وأهله حتى ثانيته من مجازر بأظلافه وأنيابه، ومجاعةٍ هي الأولى في الشرق الأوسط حسب تقرير رسمي للأمم المتحدة (الجمعة 22 أغسطس 2025م)، مجاعة كان يمكن تجنّبها، وحسب هذا التقرير، لولا العراقيل الممنهجة التي انتهجها هذا الكيان. حدّ ذهاب هذا التقرير إلى اعتبار موت الأطفال الذين قضوا نتيجة هذا التجريع المتعمد جريمة حرب. وفي الأخير، ليكونَ دأبُنا وواجبُنا، ومن منظورٍ إستراتيجيٍّ، الإلحاح في إبراز مثل تلك التقارير، والتحقيقات الدولية الفاضحة لهذا الكيان المجرم، عديم المروءة، والشرف، وكل شرف.
كاتب المقال دكتوراه دار العلوم القاهرة