الكاتب الصحفي عبدالرازق توفيق يكتب : مصر.. وسلام البناء والأقوياء 2/2

الدول لا تدار بالعواطف والعنتريات والمتاجرات والمغامرات، فتلك طــامة كبرى.. الدول العظيمــة، لا تعرف إلا الحسابات والتقديرات الدقيقة، والفكر الاستباقى، وتوقع الأحداث ورصد التهديدات المســتقبلية والاســتعداد لها، وتبنى الحكمــة وعــدم الاندفــاع، أو الإقدام على التهور لأن التكلفة ستكون باهظة، سواء فى حالة النصر أو الهزيمة، إذا ما كان لا يوجد دوافع إستراتيجية أو وجودية لاتخاذ قرار الحرب، فلا يوجد نصر دون تكلفة باهظة تعطل لعقود طويلة والخسارة أو الهزيمة، قد تفقد معها الأرض والوجود والسيادة إضافة إلى فاتورة وكلفة الحرب ذاتها.
دعونا نتفق أن الحكمة هى أساس الأمن والاستقرار والسلام، ثم يقود ذلك إلى بناء القوة والقدرة والردع الذى يحمى دون صدام ويردع دون إطلاق نار أو رصاص، وبالتالى تتحقق أهداف البناء والتنمية والازدهار.
لذلك فإن التأثر العاطفى بما يجرى فى المنطقة وبما يؤدى إلى مخرجات وتصريحات وكتابات ومقالات أو تسفه من قيمة السلام أمر يفتقد للموضوعية وعدم إلمام بأهداف ما يجرى، خاصة إذا كان وطنك هو الهدف، أمنه وأرضه ووجوده ومشروعه الوطنى لتحقيق التقدم، من هنا أنه لا مجال سوى للحسابات وتقديرات الموقف شديدة الدقة والصواب والتى لا تحتمل الخطأ، وهذا يتأتى من فرط الحكمة والعلم، والثقة، فالسقوط فى مغبة التهور باهظ التكلفة، ولا داعى له طالما أن جميع أهدافنا محققة، وسيادتنا كاملة، ومقدراتنا محفوظة.
شروط دخول مصر الحرب واضحة تماماً، ترتكز على مبادئ، ودوافع وأسباب لا لبس فيها، إذا تعرض أمنها القومى للمساس أو الخطر، أو مقدراتها الوجودية أو انتهاك سيادتها، أو أرضها، فى اعتداء لا يحتمل التأويل والتفسير، استهداف واضح، لكن ندخل مواجهات أو صدامات عسكرية بدون دوافع أو أسباب أو أهداف.. فهذا هو العبث لا تقدم عليه دولة عظيمة فى حجم مصر اختارت طريق البناء والسلام المرتكز على قوة الردع، والقدرة والحماية الفائقة للأمن القومى وهو أمر يثير فزع وخوف كل من يفكر فى الاقتراب من خطوط مصر الحمراء.. لذلك فإن فلسفة السلام لدى مصر ليست صدفة أو من قبيل الخضوع والاستسلام ولكنه سلام تحميه قوة تتنامى وتصمد طبقاً لمستجدات التحديات والتهديدات وأكثر منها، والتعامل مع أسوأ السيناريوهات، فالدولة المصرية فى حالة جاهزية مستمرة للتعامل مع فرض الحرب عليها، والدولة المصرية تفكر بشكل استباقى وتتحصن بالقوة والقدرة والردع وهى مقومات قادرة على فرض السلام، وهو ما يترجم رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى العبقرية فى استباقية بناء منظومة الردع المصرية، ليس هذا فحسب بل إعداد وبناء الدولة المصرية بشكل شامل من خلال مفهوم القدرة الشاملة والمؤثرة لمجابهة ما قد يفرض عليها فى أى وقت، فالجاهزية المصرية ليست مرتبطة بحدث معين أو توترات، ولكنها فى حالة يقظة وتأهب وبناء مستمر، لا يتوقف بل تدرك أن توقف وتجمد القدرة والجاهزية عند حد معين يعنى الهلاك.
السلام وهو خيار إستراتيجى لمصر لم يمنعها من اتخاذ المواقف القوية والحاسمة والقاطعة تجاه ما يحدث فى المنطقة من مخططات وأوهام «صهيو – أمريكية».. تتعلق بمخطط تصفية القضية الفلسطينية، وتهجيـر الفلسـطينيين من قطــاع غـزة أو المسـاس بالأمن القــومى المصرى، بل جاءت مواقف مصر بما يليق بدورها وثقلها وقوتها.
السلام لا يمنع مصر من أن تقول بثقة وشرف وشموخ لرئيس أكبر دولة فى العالم وأقواها.. لا لمخطط التهجير، ولا لاستقبال الفلسطينيين.
السلام، لم يمنع زعيما قويا ووطنيا وشريفا من أن يضع النقاط على الحروف ويرسم «خطوط حمراء» وهو الرئيس والزعيم الذى قال مخاطباً العالم فى حضور قادته:
«أؤكد للعالم بوضوح ولسان مبين وتعبير صادق عن إرادة جميع أبناء الشعب المصرى فرداً فرداً أن تصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل لن يحدث وفى كل الأحوال لن يحدث على حساب مصر أبداً»، وهو الزعيم القوى الأمين الشريف، الذى قال عن تهجير الفلسطينيين «ظلم لن نشارك فيه» وهو من قال «إنه مهما أبرمت إسرائيل من اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربيـة، فلا أمن ولا استقرار ولا سلام فى الشرق الأوسط دون إقامة دولة فلسطينية».
السلام ليس وهماً، طالما أنه فى أعلى درجات القوة والقدرة، والسلام لا يحول دون اتخاذ المواقف القوية والشريفة والحاسمة، والسلام مستقر طالما أن كل أهدافنا تتحقق وأن أمننا وسيادتنا ومقدراتنا لم تمس، فقرار الحرب لا يعرف قسوته إلا من ذاق من ويلاته، ولذلك فإن العسكريين هم من يدركون تداعيات قرار الحرب، لذلك لا يتخذ اعتباطاً أو وفقاً للعواطف والعنتريات، ولكن وفق المصلحة العليا للوطن وحماية أمنه وسيادته وأرضه ومقدراته ووجوده، خاصة إذا كنا ندرك أننا مستهدفون ويراد لنا التوريط والاستدراج وضرب ما تحقق من قوة وقدرة وبناء، ونجاحات عظيمة فى إطار المشروع الوطنى، كما أن مشاهد اللُّحمة والدعم والتوافق العربى لم يعد كما كان وبالتالى فإن هناك قضايا تخص كل العرب وليس دولة بعينها ولا يمكن أن تتحمل مصر فواتير قاسية وباهظة نتيجة حسابات العواطف والعنتريات طالما أن كل أهدافها وخطوطها الحمراء وأمنها القومى وأراضيها وحدودها فى اكتمال السلامة، ولم نقصر على الإطلاق فى الدعم الشامل للحقوق المشروعة والتصدى للبلطجة والعدوان والإبادة، وهناك نجاحات سياسية ودبلوماسية عظيمة فى حشد المجتمع الدولى وبناء وعى لدى الرأى العام العالمى تجاه الحقوق الفلسطينية المشروعة وأيضاً الإجرام والإبادة والتجويع الصهيونى.
مصر يا سادة لم تختبىء تحت ستائر السلام، ليس هذا فحسب بل فى أعلى درجات الجاهزية لكافة السيناريوهات.
تحيا مصر