الإعلامي محمود عبد السلام يكتب : يا تليفزيون .. يا .. تطوير

أغضب قرار رئيس الهيئة الوطنية للاعلام الأخير باستدعاء إعلاميين من الخارج لتقديم برامج مطورة على شاشة ماسبيرو العديد من العاملين بالمبنى العتيق ،
إنشاء القنوات الخاصة كان ضرورة ملحة لمواكبة مستجدات العصر الحديث للاعلام ، إعلام الدولة الذى تأسس فى عهد عبد الناصر ، كان مناسباً لعصره ، ونجح نجاحاً منقطع النظير فى شحن جماهير الوطن العربى بشكل عام والداخل المصرى بشكل خاص بالقومية العربية ، وعدالة القضية الفلسطينية ، والتعبئة ضد العدو الصهيونى ،
هذا الاعلام الناصرى كان يعزف منفرداً بلا منافس سوى بعض القنوات الإذاعية وعلى رأسها اذاعة لندن التى كان يلجأ اليها المواطن الباحث عن الحقيقة ، وهى الاذاعة التى أكدت هزيمة ٦٧ ، بينما كانت الاذاعة المصرية تبث بصوت احمد سعيد من على ضفاف النيل اسقاط مئات الطائرات الاسرائيلية وانتصار مصر الساحق ،
قُيَدَ الاعلام المصرى المتمثل فى الاذاعة والتلفزيون بمجموعة من اللوائح والقوانين التى استهدفت تأمين العاملين كموظفين وليس كمبدعين ، وظلت هذه القوانين هى الحاكمة لماسبيرو منذ نشأته حتى الآن والعقبة الكبيرة فى سبيل التطوير ،
من هذا المنطلق اصبحت كلمة تطوير كلمة مشبوهة لموظفى التلفزيون ، منذ طرح الموضوع غبان عهد وزير الاعلام الأسبق أنس الفقى حتى الآن ، تحررت القنوات الخاصة عند انشائها بعقود مع العاملين مؤقتة ومحددة الأهداف ، ومرتبط استمرار هذه العقود بابداع الموقعين عليها
حققت القنوات الخاصة بما تملكه من سقف حرية لا يملكها إعلام الدولة نجاحات واصبح لكل قناة خاصة نجماً للأفيش هو البطل الذى يجلب الاعلانات والمشاهدين ، وأغلب هؤلاء الأبطال كانوا ممن تميزوا بصعوبة في مناخ روتين الإعلام الحكومى ، والامثلة متعددة وكثيرة ممن نجحوا فى القنوات الخاصة بعد ان تحرروا من قيود المبنى العتيق ، واغلبهم
على الاقل بدأو معدين للبرامج بالتلفزيون والاذاعة ، ثم جلبت القنوات الخاصة الصحفيين الذى لهم خبرات كبيرة فى
تخصصاتهم لتحولهم إلى مقدمى ومعدى برامج ولمعت أسماء منهم وتفوقت ،
رغم أن بعض هؤلاء كانت أقصى أمانيهم ان يُستضافوا فى أحد برامج التليفزيون ، ولأنى كنت أقود فى وقتاً ما كتيبة
العاملين بالفضائية المصرية ( أول قناة فضائية عربية على الإطلاق ) أعلم بواطن الأمور بخبرة داخلية أستطيع من
خلالها أن ألخص مشاكل ماسبيرو فى نقاط أهمها :
عدد العاملين الكبير ، المساواة بين الجميع دون الاعتراف بالتميز ، حساسية المبنى السياسية بحيث يطلب دائماً
من القيادات الحفاظ على الهدوء حتى ولو على حساب المنتج الاعلامى المميز لإرضاء أنصاف الموهوبين ، وأخيرا
اللوائح و القوانين ،
هذا المبنى الرابض على ضفاف النيل منذ اكثر من نصف قرن وعقد ونيف ، متاهة لمن لا يعرف بواطنه ولا سيكولوجية
العاملين به ، حتى جغرافية المكان نفسها صعبة المراس ،
التطوير ليس معناه استقدام عناصر اعلامية من الخارج مشهوداً لها بالكفاءة ، هذا ليس تطويراً ، وانما هو انتاجاً
برامجياً جديداً ، كما أنه آن الأوان أن يتم الاعتماد على وجوه جديدة غير مذيعو البرامج المحفوظين ، والذىن تم
تداولهم بين القنوات مثل ( القرش البراني الذى يلف يلف ويعود الى صاحبه ) ومنهم من تعدى السبعين خريفاً ،
التطوير منظومة كاملة تبدأ من الهندسة الاذاعية ووفرة وسائل الانتاج ، وتحديد الأهداف والأولويات ، والرسالة
الاعلامية وهوية كل قناة منفصلة ، ومجموعة من القوانين واللوائح التى تحمى الإبداع .. ثم توفير الميزانية الكافية
للتطوير ، ثم اختيار العناصر البشرية القادرة فعلا على تحقيق الهدف من التطوير ، بعيدا عن المحسوبية والواسطة
التى قضت على الإبداع فى ماسبيرو .. وغير ذلك هو قبض الريح !