الكاتب الصحفي عصام عمران يكتب : أخلاقنا واللص الخفى !!

الكاتب الصحفي عصام عمران
عندما سئل الشيخ محمد متولي الشعراوي.. رحمه الله.. عن رأيه فى التليفزيون، رد بإجابة عبقرية حيث قال أن التلفزيون مثل السكين فائدته وضرره يتوقف على كيفية استخدام كل منا ، وأعتقد أن فضيلته لو كان بيننا هذه الأيام لقال نفس الرأى على وسائل التواصل الاجتماعى التى تشبه السكين فعلا فمن الممكن أن تستخدم في أشياء كثيرة مفيدة للإنسان لكنها فى نفس الوقت ممكن أن تكون أداة للقتل والتدمير وتقود صاحبها إلى الهلاك  ، وهو ما ينطبق تماما على وسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها التى إذا حسن استخدامها قادت صاحبها الى المعرفة والثقافة والإبداع، وعلى العكس تماما إذا أسيء استخدامها كانت وبالا عليه،  بل وعلى الأسرة وربما المجتمع بأسره .
أقول ذلك بمناسبة ما نشهده هذه الأيام من تغيرات خطيرة فى أخلاق الكثيرين منا،  ولن أبالغ إذا قلت انحدارها بشكل مخيف بسبب اقتحام غول ” الميديا ” لحياتنا وتراجع دور الأسرة والمدرسة فى مواجهة هذا الخطر الداهم الذى يمثل أحد أهم وأخطر أسلحة حروب الجيلين الرابع والخامس لضرب استقرار الدول وأمنها الداخلي.
نعم يا سادة نحن نعيش مرحلة متغيرة ومغايرة على مصرنا الحبيبة وعلى أخلاقنا التى تعودنا وتربينا عليها منذ سنوات عديدة باحترام الصغير للكبير واحترام الأبناء للأباء واحترام الأخ لأخية لكن أصبحنا فى مهب الريح من خلال ما طرأ على المجتمع من تغيرات نتيجة لبعض المسلسلات والأفلام ووسائل التواصل الاجتماعى والأغاني النشاز  ، بل  الشاذة ، علاوة على العديد من الأسباب الأخرى وفى مقدمتها غياب القدوة أو بمعنى أدق تغير مقاييس القدوة لدى الكثيرين ، ولعل خير دليل على ذلك ما نشاهده ونسمع عنه من جرائم تحرش وبلجة وسرقة بالإكراه باتت تؤرق معظم أبناء هذا البلد .
فبعد أن كان المجتمع المصري حتى وقت ليس ببعيد متمسكًا بالقيم المجتمعية والدينية، ومنها احترام الكبير، والعطف على الصغير، والنخوة، والشرف، واحترام الكلمة، والإيمان بالمساواة، والعدالة الاجتماعية، وغيرها من الفضائل التى كانت تزيد أبناء المجتمع تماسكًا وثقة بالنفس، وتوفر لديهم الإحساس بالطمأنينة والأمن، حدث الخلل في منظومة القيم الأخلاقية المصرية، بل يمكننا القول أن معظم تلك الأخلاق قد انهار بالفعل، ولم يصبح له وجود .
ومن أبرز هذه الأسباب التراجع الحاد في الكثير من القيم؛ مثل قيمة العلم، وقيمة العمل، وقيمة التدين، وقيمة الوقت وقيمة الأمانة، ومن أهمها كما ذكرت في البداية غياب دور الأسرة، خاصة فى الاهتمام بالتنشئة الصحيحة، ومراقبة الأبناء، وغرس القيم الدينية والأخلاقية، وانشغالها بالبحث عن لقمة العيش، وترك الأطفال فريسة لوسائل التواصل الاجتماعي، والذي اعتبره “اللص الخفي”، والتوغل داخل عالم افتراضي يتلقون منه قيمًا منهارة وفاسدة، فقد ساعدت تلك التكنولوجيا على عزل الأبناء عن آباءهم، بالإضافة إلى أصدقاء السوء.
كما أن غياب دور المدرسة في التربية والتعليم الصحيح، وانحصار المدرس في البحث عن الدروس الخصوصية، وتحويل منظومة التعليم إلى منظومة اقتصادية بحتة، أفقدت الطالب احترامه للمدرس والمدرسة، وشعر وكأنه يمتلكه بفلوسه.
 إضافة إلى ذلك انهيار المنظومة الأخلاقية، بسبب ما تقوم به بعض وسائل الإعلام والتواصلالاجتماعي ، والتي تبث
القيم المنهارة والبرامج غير الأخلاقية من خلال المسلسلات والأفلام، والتركيز على تجارة المخدرات والجنس غير
الشرعي والترويج لسلوكيات فاسدة برغم من أن دورها أساسي ومكمل للأسرة والمدرسة.
كذلك الحال فإن دور العبادة لها أهمية كبيرة جدًا، من حيث تقويم سلوك الناس، وكيفية حسن المعاملة، وتقبل الآخر
والاختلاف معه ثقافيًا ودينيًا واجتماعيًا، وبث روح الأمانة والانتماء للأسرة والمجتمع والدولة، وعدم الغش، والمشاركة
الاجتماعية والتكافل والتطوع ومساعدة المحتاج، ولكن للأسف أصبح دورها في كثير من  الأحيان تلقينيًا فقط، ولتك
الأسباب هدمت الثوابت المصرية وأفقدتهم الثقة في بعضهم بعضًا.
وعلى الرغم من وجود أديان تنظم تلك القيم فإننا تركناها ولم نتعامل بها وهناك دول لم تتدين بأي أديان، ولكنها
تتعامل بروح الدين فتتقدم وتزدهر ونحن نتراجع.
ومن هذا المنطلق فإن منظومة القيم لابد أن تبدأ داخل المدرسة وتؤكد عليها الأسرة، ثم يأتي دور وسائل الإعلام
الهادفة، ويليها دور العبادة، ولابد من اختيار خطيب المسجد على أساس ثقافي وتعليمي،  كبير ويكون مؤهلًا
لمخاطبة جموع المصلين، والذين تختلف ثقافتهم ومستوى تعليمهم ، و لابد أن تحتوي خطبته على القيم الإنسانية
واحترام الآخر، واحترام ممتلكات الآخرين، وحسن معاملة الجار، والعديد من مكارم الأخلاق حتى نعود إلى سابق
عهدنا .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.