جهاد شوقى السيد تكتب: زراعة وتجارة الأعضاء البشرية!

في ظل التقدم العلمي في جميع المجالات والمجال الطبي -تحديدا- واستخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات الجراحية والمناظير،
وانتشار مصطلح زراعة الأعضاء بين المجتمعات المختلفة، بل وتخصص كثير من الأطباء في هذا المجال، وأصبحت عمليات زرع الأعضاء متاحة في الدول الغربية وبعض الدول العربية ولهذا نجد في دول الغرب من يتبرع بأعضائه في حالة وفاته بمقابل مادي يصرف للورثة أو كهبة وفي بعض الأحيان تقوم المستشفيات بالخارج باستخدام أعضاء المتوفين في حوادث الطرق وغيرها،
ظاهرة الاختطاف في تزايد مستمر
وإن كان التقدم في هذا المجال سينقذ الكثير ممن يعانون من أمراض تستدعي زراعة عضو كالقلب أو الكلي أو الرئة وغيرها،
فهنالك وجه آخر قبيح لهذا التقدم وهو الاتجار بالبشر، فنجد ظاهرة الاختطاف في تزايد مستمر بهدف الاستفادة من الأعضاء البشرية
ولم يقتصر الاختطاف علي البالغين فقط فقد شملت هذه التجارة القبيحة الأطفال أيضا،
فبسبب قوائم الانتظار الطويلة من المرضى في انتظار زراعة عضو ما، تلجأ أسرهم إلي السبل غير القانونية في سبيل إيجاد متبرع
بمبالغ مالية باهظة مستغلين احتياج من يعانون من ضائقة مالية وعرض مبالغ مغرية في مقابل جزء من أجسادهم،
وأدي هذا إلي انتشار عصابات وتجار مستغلين احتياجات المرضى لهذه العمليات، فكثرت عمليات الاختطاف ونقل أعضائهم
إلي الدول التي يتم بها عمليات الزرع.
تورط بعض الدول الغربية
وقد تم القبض على بعض من هذه الشبكات الإجرامية بمصر والكشف عن بشاعة هذه الجرائم وكيف تمت وتورط بعض الدول الغربية بعينها
في شبكات الاتجار وتمويلها أيضا، ففي عام ٢٠١٧ قامت هيئة الرقابة الإدارية في مصر بالقبض علي شبكة إجرامية
تقوم بالاتجار بالبشر مستغلة الحالة المادية السيئة لدى البعض، وقد ثبت تورط رجال أعمال ودول عربية وأيضا أطباء بوزارة الصحة
في هذه الجريمة البشعة وتم إيقافهم عن العمل وإحالة القضية إلى النائب العام، فيما تحفظت السلطات علي ملايين الدولارات.
وفي عام ٢٠٢٠ تم القبض أيضا على شبكة تم إنشاؤها على مواقع التواصل الاجتماعية في مصر بهدف الاتجار في الأعضاء البشرية،
وقد اعترف المتهمون بحسب بيان الداخلية علي أنهم قاموا بتوسط لعمليات الاتجار بين المانحين والمشترين
وأخذ مبالغ باهظة نظير دفع مبالغ زهيدة للمتبرع.
قضية شائكة منذ عقود في مصر
وتعتبر هذه القضية شائكة منذ عقود في مصر وقد ناقشت أفلام كثيرة هذه القضية مثل فيلم “جري الوحوش” للفنان نور الشريف
وفيلم “الحقونا” ومناقشة قضية سرقه الكلي لبعض المرضي دون علمهم أثناء خضوعهم للعمليات الجراحية الأخرى
التي انتشرت بكثرة في هذه الحقبة.
وقد كان للأزهر الشريف والأمة الكثير من النقاشات والقرارات تخص هذا الملف، فقد ناقش شيخنا الكبير الشعراوي رحمة الله عليه
مسألة نقل الأعضاء وهل هي حرام أو لا؟ وهل للمتبرع أن يتبرع بجزء من جسده في مقابل مادي؟ وهل يجوز لأهل المتوفي
التبرع بأعضائه أو حتى علي سبيل الهبة أو المنح؟، ففي لقاء تلفزيوني مع المحاور الكبير طارق حبيب أجاب شيخنا علي كل هذه الأسئلة، بقوله:
“جسد الإنسان ليس ملك له حتى يقوم بمنحه لأحد بل هو من خلق الله للاستفادة منه وليس ملك له، فالله ملكك نفعها
ولكن احتفظ بالملكية لذاته، ونجد هذا في قول الله تعالى:
“أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ
فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ” صدق الله العظيم. وإن كنت لا تملك فكيف لك أن تبيع شيئا ليس ملكك فهو لا يستطيع أن يبيع أو يهبه
وإلا كان الجسد سيورث بعد الممات للورثة للاستفادة منه كالمال والاملاك.
وقد أجاز الإمام الشيخ جاد الحق في فتواه الرسمية عام ١٩٧٩ إنه يجوز نقل عضو من إنسان حي متبرع لوضعه في جسم إنسان آخر،
مؤكداً أن الإنسان لديه ولاية من الخالق على أعضائه، ويمكن لوليِّه التصرف لإنقاذ حياة شخص آخر، كما يجوز أيضاً
قطع العضو أو جزء من الميت إذا أوصى بذلك قبل وفاته، أو بموافقة عصبته، وبإذن من النيابة العامة.
الموافقة على مشروع القانون
في عام١٩٩٧ تمت الموافقة على مشروع قانون يجيز نقل الأعضاء البشرية للمريض ولكن حظر بيعها أو الاتجار بها،
وعلى المتبرع أن يكون كامل الأهلية وألا يضره هذا التبرع، وحظر التبرع بالأعضاء التي تحمل الصفات الوراثية أو الأعضاء التناسلية.
وفي عام ٢٠١٤ قام الأزهر الشريف بإجازة التبرع بالأعضاء من الإنسان الحي والميت بعد الكثير من المجالس والندوات
وتداول هذه القضية بين الفقهاء وعلماء الدين، ولكن بضوابط وقوانين مغلظة تتيح هذا النوع من العمليات للضرورة القصوى،
وألا يعرض هذا حياة المتبرع لأي خطر على جسده، فقد كرم الله الإنسان فلا يجب أن نسيء إليه بأي شكل من الأشكال،
وأن يكون المتبرع كامل الأهلية وفي حالات الإعدام يجب سؤال المتبرع قبل الإعدام وإقراره بهذا كتابيا.
ولا زال هذا الملف الشائك محور نقاش ونزاع لدى الكثير من الأقطاب.
وما زال للحديث بقية.