محمد يوسف العزيزي يكتب : من الطوق النظيف وإسرائيل الكبرى إلى لاءات القاهرة .. معركة الهوية والحدود

في الشرق الأوسط لا تموت الأفكار القديمة، بل تعود كل مرة بثوب جديد وأدوات مختلفة .. لكنها تحمل نفس الجوهر: السيطرة وإعادة تشكيل المنطقة وفق هوى القوة الغاصبة
من “الطوق النظيف” إلى “إسرائيل الكبرى”، يمتد خيط واحد من المؤامرة يتلون ويتشكل لكنه لا ينقطع حتى جاءت ” اللاءات المصرية ” لتقف في وجه هذا المسار كصوت يرفض التطويق والتوسع والتهجير، ويحذر من أن التاريخ قد يعيد نفسه إذا لم تُقرأ الأحداث بعيون مفتوحة ويقظة
منذ إعلان قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المغتصبة لم يتوقف المشهد عن إعادة إنتاج نفسه بأشكال جديدة وأدوات مختلفة، لكن بأهداف واحدة لا تتغير!
بين ما يُعرف بـ” الطوق النظيف ” وحلم ” إسرائيل الكبرى ” تتشكل ملامح المشروع الصهيوني المستمر، بينما تقف ” اللاءات المصرية ” حائط صد تاريخي يعرقل هذا المسار ويكشف حقيقته التي تتواري أحيانا لتصدير صورة مكذوبة للعالم الخارجي الذي يدعمه !
“الطوق النظيف” ليس مجرد مصطلح في كتب الأمن الإسرائيلي وليس مجرد تعبير إعلامي، بل هو مشروع استراتيجي متكامل، تم تصميمه لإفراغ دول الطوق العربي – المحيطة بفلسطين المحتلة – من قوتها العسكرية النظامية، واستبدالها بكيانات وميليشيات ضعيفة بلا عقيدة قتالية حقيقية كان النموذج الأبرز فيها العراق، حين جرى تفكيك جيشه بالكامل تحت ذريعة أسلحة الدمار الشامل التي روّج لها وزير الدفاع الأمريكي الأسبق كولن باول قبل أن تنكشف الأكذوبة باعترافات ساسة التحالف الذي دمر العراق
وفي سوريا، استنزفت الحرب الطويلة قدرات الجيش، وفي لبنان جرى محاصرة المؤسسة العسكرية بالانقسامات الداخلية .. أما الأردن فتم تحييد جيشه بمعاهدة وادي عربة التي ينتهكها الكيان منذ تم توقيعها .. ولم يبقَ من دول الطوق سوى الجيش المصري الذي ظل شوكة في حلق هذا المشروع.
لكن الأمر يتجاوز إضعاف السلاح وتفكيك الجيوش إلى التحكم في القرار السياسي، وهنا دخلت ” الاتفاقيات الإبراهيمية ” كأداة جديدة ترفع شعار السلام والتعايش بينما تخفي وراءها أجندة توسعية تهدف لإحكام قبضة الكيان على المنطقة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، تمهيدًا للانتقال إلى المرحلة الأخطر: ” إسرائيل الكبرى ”
هذا الحلم التلمودي لم يغادر أذهان قادة الاحتلال منذ قيام دولتهم، وهو يقوم على فكرة دولة بلا حدود ثابتة تتوسع كلما سنحت الفرصة ، ورغم غرابة الموقف فإن العالم يعترف بدولة لا تحدد خرائطها رسميًا في الأمم المتحدة حتي الساعة !.
إن إعادة إحياء هذا الحلم اليوم ليست صدفة.. بل هي محاولة لاستغلال انشغال العرب بصراعاتهم الداخلية وعدم اتفاقهم ولو شكليا علي ما يهدد الأمن القومي العربي ، ولتقزيم القضية الفلسطينية إلى مجرد ملف أمني يتعلق بحرب على غزة هدفها – في أفضل السيناريوهات – هدنة مؤقتة لتسليم الرهائن والإفراج عن بعض السجناء في سجون إسرائيل وليس تحرير القدس أو استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني
في مواجهة هذه الأطماع، جاءت ” اللاءات المصرية ” واضحة وقاطعة : لا لتهجير الفلسطينيين، لا لدفن القضية ، لا للتنازل عن شبر من سيناء.
مصر التي خاضت حربًا شاملة عام 1973 وكبّدت الاحتلال أكبر هزيمة في تاريخه، تدرك أن تل أبيب لم ولن تنسَي مرارة أكتوبر، وأنها ستظل تحاول شل إرادتها كما فعلت في نكسة يونيو عام 1967 ، لكن مصر اليوم ليست كما كانت بالأمس فقد استوعبت دروس الربيع العبري، وطورت جيشها ليصبح الأول عربيًا وأفريقيًا، مع تنويع مصادر السلاح وتحديث قواته البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي، حتى بات قوة إقليمية يُحسب لها ألف حساب.
لهذا لم تتردد القاهرة في تسمية الأشياء بأسمائها : ما يجري في غزة ليس حربًا على حماس، ولا عملية لتحرير رهائن، بل خطوة على طريق تحقيق مشروع ” إسرائيل الكبرى “!
وتحذيرها واضح : استمرار النزيف دون حل عادل وشامل لن يحقق الأمن لأحد، ولن يرسخ سلامًا في منطقة ما زالت تحت الاحتلال، مهما حاولت تل أبيب تسويق وهم “المجتمع الآمن”.