الشاعر محمد الشرقاوي: تجربة أدبية متعددة – بين الشعر والرسالة التربوية والنقد الإبداعي
بقلم: الأستاذ الدكتور/ بكر إسماعيل الكوسوفي
تتناول هذه الدراسة البُعد التربوي والأخلاقي في أعمال محمد الشرقاوي الأدبية، لا سيّما في نصوصه الموجّهة للأطفال، حيث يَتّخذ الأدب وظيفة تتجاوز الترفيه لتصبح أداة لبناء الضمير الفردي والجماعي. من خلال تحليل سردياته وقصائده، يُبرِز البحث كيف يستثمر الكاتب شخصياته، والبيئة، واللغة، والعواطف، في إنشاء منظومة تربوية متكاملة تُمكّن الطفل من التفكير المستقل، وتعزز الحوار، والانفتاح الثقافي، والوعي البيئي.
تسلط الدراسة الضوء على تداخل النصوص التربوية مع المفاهيم الجمالية والاجتماعية، كما تُظهر دور المرأة، الطبيعة، والتعدد اللغوي في تعزيز القيم الإنسانية والإدماج الثقافي. ويُستنتج أن كتابات الشرقاوي تمثل نموذجاً فريداً للتربية الأدبية التي تدمج الأخلاق، الحساسية، والمشاركة الاجتماعية في سرديات موجّهة للأطفال، ذات أبعاد محلية وعالمية.
المقدمة
في زمنٍ يتقاطع فيه الأدب مع التحولات الاجتماعية والضغوط الثقافية، تبرز تجربة الشاعر محمد الشرقاوي بوصفها مشروعًا فكريًا وإبداعيًا متعدد الأبعاد، لا يُختزل في القصيدة بل يتجاوزها إلى فضاءات من القصة التربوية، والتحليل النقدي، والكتابة للأطفال، والاشتباك الواعي مع قضايا اللغة والهوية. لم يكن الشرقاوي شاعرًا تقليديًا، بل جاء ليُعيد تشكيل وظيفة الشعر في وجدان الأمة، مراهِنًا على الكلمة بوصفها أداة للوعي، والحوار، والإصلاح المجتمعي.
يقف هذا المقال على مفاصل متعددة من تجربة الشرقاوي، بدءًا من إنتاجه الشعري والسردي، مرورًا بدراساته النقدية، وانتهاءً بتلقّي أعماله في الجامعات والمؤسسات الثقافية، لنكشف عن ملامح شاعرٍ يحمل رسالة واضحة: أن الفن الحقيقي لا يُفصل عن الأخلاق، وأن أدب الأطفال ليس هامشًا بل نواةٌ لغرس الوعي القومي والقيمي من الصغر. إن استقراءنا لقصيدة “كوسوفا” في هذا السياق يمثل ذروة التكامل بين التعبير الفني والموقف الإنساني، حيث يتحوّل الشعر إلى وثيقة مقاومة، لا تكتفي بالاحتفاء، بل تفضح الصمت، وتنادي بالضمير الجمعي.
الفصل الأول: السيرة الذاتية للشاعر والأديب محمد الشرقاوي
ولد الشاعر محمد محمود محمد أبوالعلا أحمد الشرقاوي، المعروف أدبيًا باسم محمد الشرقاوي، في قرية بني محمد العقب، مركز أبنوب بمحافظة أسيوط، ضمن أسرة عُرفت بالانتماء الشريف إلى آل البيت، حسب ما هو مُثبت بنقابة السادة الأشراف في جمهورية مصر العربية. هذا النسب لم يكن مجرد انتماء وراثي، بل كان له انعكاسه الروحي والوجداني في مختلف أعماله الأدبية، خاصة تلك الموجهة للنشء، حيث تتضح فيها نزعة القيم الإنسانية والإسلامية التي ترسم ملامح التكوين التربوي والأخلاقي.
نشأ في بيئة ريفية تتشابك فيها التقاليد الثقافية مع الحس الفطري، الأمر الذي أكسبه قدرة فطرية على رصد الواقع ومراقبة تحولات الإنسان في البيئة المحلية، وانعكس ذلك في شعره وقصصه بنظرة تأملية عميقة وواقعية. انتقل لاحقًا إلى القاهرة، حيث واصل مسيرته الأدبية والمهنية في قلب الحركة الثقافية المصرية.
حصل الشرقاوي على ليسانس الآداب والتربية بشعبة اللغة الفرنسية من جامعة أسيوط، وهو ما جعله يمتلك زاوية نظر ثقافية مزدوجة، عربية وفرنسية، أكسبته قدرة فريدة على المقارنة الثقافية وصياغة الأفكار بأسلوب يعبر عن انفتاح حضاري وإنساني.
مارس المهنة التعليمية بوصفه “معلم خبير لغة فرنسية”، واستثمر هذه الخلفية التربوية في تطوير أدب الطفولة بأسلوب تربوي مؤسس على القيم الجمالية والتعبيرية، ليصبح أحد أبرز الأصوات الأدبية التي تدمج التربية بالشعر بأسلوب سلس لكنه عميق التأثير.
ظهرت موهبته الأدبية مبكرًا، وتميز في الشعر العربي الفصيح والعامية، إلى جانب فن القصة القصيرة، مما منحه قدرة شمولية على التعبير الفني. هذه التعددية الإبداعية سمحت له بملامسة قلوب مختلف الفئات العمرية، من الأطفال والناشئة إلى كبار المثقفين، بأساليب خطابية تتنوع بين السرد الرمزي والتصوير الشعري المكثف.
محمد الشرقاوي ليس مجرد اسم في قائمة الشعراء المصريين، بل يُمثل نموذجًا أدبيًا يربط بين الفن والرسالة. فكل إنتاجه الأدبي، بما فيه دواوينه ومجموعاته القصصية، يستند إلى رؤية أخلاقية تستلهم التراث وتعيد إنتاجه في سياقات معاصرة تُحفّز
الفصل الثاني: الأنشطة الأدبية ومحطات التأثير المؤسسي
يمثل الشاعر محمد الشرقاوي حالة خاصة من التفاعل الحيوي بين الإنتاج الإبداعي والمساهمة المؤسساتية في صياغة المشهد الثقافي العربي المعاصر، حيث لم يكتف بدور الأديب الفرد، بل سعى لدمج رؤيته الأدبية ضمن كيانات تنظيمية وفكرية تنقل الأدب من حقل الكتابة إلى فضاء التأثير الثقافي والاجتماعي.
برز الشرقاوي في العديد من المواقع الأدبية واللجان الفكرية، ومنها:
- مقرر اللجنة الفكرية بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، حيث ساهم في بلورة توجهات نقدية وفكرية تدعم الأدباء الشباب وتُرسّخ القيم المعرفية في إنتاجهم.
- مسؤول الإعلام برابطة الأدب الإسلامي العالمية – مكتب مصر، وهو موقع يُبرز الجمع بين الحس الإبداعي والرسالة القيمية، في إطار خطاب أدبي ينهض بالتقاطع بين الجمال والأخلاق.
- عضو لجنة الإعلام باتحاد الجامعات الأفروآسيوية، مما يعكس قدرته على المساهمة في الحوارات الثقافية العابرة للحدود، وتفعيل الرؤية الأدبية ضمن فضاءات التعليم العالي المتعدد الثقافات.
- محاضر مركزي بوزارة الثقافة المصرية، ويُعد هذا الموقع نافذة لتكريس الخطاب التربوي عبر الفن، حيث يستثمر خبراته في اللغة والتدريس لتوجيه الوعي الثقافي للناشئة من خلال الندوات والمحاضرات المتخصصة.
كما ارتبط الشرقاوي بعدة مؤسسات ثقافية ونوادٍ أدبية، منها:
- نادي الأدب بقصر ثقافة الجيزة، وهو واحد من أعرق أندية الأدب في القاهرة، وقد شهد العديد من مشاركاته في الأمسيات الشعرية والقراءات النقدية.
- عضو مؤسس صالون يونس الثقافي، الذي يُعد منصة نوعية لتلاقي المبدعين والنقاد، وقد ساهم من خلاله في خلق مناخ حواري يستدعي الفن للتفاعل مع قضايا المجتمع.
- مقرر سابق للجنة الشعر بمكتبة المعادي العامة، حيث تولّى مسؤولية تنظيم النشاط الشعري وتقديم رؤى تطويرية في تجويد الإلقاء الشعري وتحفيز الناشئة على القراءة الواعية.
- عضو سابق بجمعية المواهب الشابة بإذاعة الشباب والرياضة، وقد سجل من خلالها مشاركات تُعنى بتنمية الموهبة الأدبية وتسليط الضوء على المواهب الصاعدة.
- صحفي في جريدة الشعر العربي، وهي منصة توثيق وتحليل للمشهد الشعري العربي الحديث، وقد أتاح له هذا الدور أن يكون مرجعًا نقديًا للأعمال الشعرية الجديدة.
- مشارك فعال في المنتديات الأدبية المصرية والعربية والمواقع الإلكترونية الثقافية، حيث تُشكّل مساهماته هذه حضورًا افتراضيًا غنيًا يربط بين الكاتب والقارئ في فضاء مفتوح ومتجدد.
وقد سجّل الشاعر عشرات الحلقات الإذاعية والتلفزيونية، شكلت نافذة شعبية لتوصيل الرسائل الأدبية والتربوية لشرائح واسعة من الجمهور، وعبّرت عن قدرته على تبسيط الفكرة دون التخلي عن عمقها، في مزيج يجمع بين الخيال الشعري والوعي الثقافي.
إنّ الأنشطة المتعددة التي اضطلع بها محمد الشرقاوي لا تمثل مجرد مشاركات رمزية، بل هي ملامح استراتيجية لتوظيف الأدب في صناعة التغيير القيمي، والتأثير التربوي، وتفعيل الحوار بين الثقافات، وهي منظومة تكمّل مسيرته الإبداعية وتوسّع أفقه كمثقف شامل ذي حضور مؤسسي فاعل.
الفصل الثالث: أعمال الشاعر والأديب محمد الشرقاوي
تمثل أعمال محمد الشرقاوي مرآةً ناصعة للوعي الإبداعي المنفتح على الطفولة والكبار، وقد امتازت بجودة فنية عالية ومضامين تربوية مؤثرة، ما أهّلها لأن تُقرّ رسميًا وتُعتمد في مكتبات وزارة التعليم المصرية بمختلف مراحلها، لتكون جزءًا من منظومة تربوية وطنية تسعى إلى تنمية الحس الجمالي والقيَمي في الأجيال الصاعدة.
أولًا: أعمال أُقِرّت في مكتبات التعليم المصري
في إطار المسؤولية التربوية التي اتخذها الشرقاوي لنفسه، جاءت مجموعة من أعماله الشعرية والقصصية لتنال اعتماد وزارة التعليم، ومن أبرزها:
- ديوان (مصر الخير والأمان): يُوجّه للكبار، ويعكس في مضمونه روحًا وطنية متأصلة ورؤية وجدانية صادقة تعبّر عن التحولات المصرية في سياقها الثقافي والاجتماعي.
- ديوان (حكايات المساء): شعر للنشء، يتسم بأسلوب حواري جذاب يُشرك الطفل في العملية التخيلية ويُنمّي الذائقة اللغوية.
- ديوان (خيوط الشمس): شعري تربوي للنشء، يعتمد على الصورة الشعرية المتفائلة ويُروّج لقيم العمل والانتماء.
- ديوان (زهور الأمل): صادر عن الهيئة العامة للكتاب، ويُقدّم رسائل وجدانية للنشء تُعزز قيم التفاؤل والتعاون.
- سلسلة (خطوة لبكرة): بجزأيها، وهي مجموعة قصصية للنشء، تمزج بين التخييل الأدبي والرؤية المستقبلية الموجّهة للأطفال.
- ديوان (نبع الأشواق): يتوجه للكبار، ويُعبّر عن تجربة وجدانية ناضجة بلغة شعرية سلسة.
- ديوان (بستان الأنغام): شعر فصحى للنشء، معتمد رسميًا ككتاب مرشد للمعلمين، ويتميّز بتوازن بين التعبير الفني والمحتوى التربوي.
- ديوان (أحلام العصافير): شعري للأطفال، يُحتفى فيه بالخيال الطفولي الصادق، ويُقدّم صياغات شعرية ملهمة.
تُشكّل هذه الأعمال نماذج أدبية تتجاوز وظيفتها الجمالية، إلى رسائل تربوية تُؤسس لوعي ثقافي جديد عند الطفل والناشئ، وتُشجّع على القراءة والتفاعل مع النص بوصفه أداة تنمية فكرية وعاطفية.
ثانيًا: أعمال أخرى خارج الإطار المؤسسي التعليمي
تنوعت أعمال الشرقاوي لتشمل الدواوين العامية، والمجموعات القصصية الموجّهة للكبار، والدواوين الفصيحة ذات الطابع الوطني والوجداني، ومنها:
- ديوان عامية للكبار: (رسالة حب، اعتراف، شد الحزام، عيون غزلان)، وهي أعمال تُبرز الحس الشعبي للشاعر وقدرته على التفاعل مع الخطاب اليومي ومشاعر البسطاء.
- ديوان فصحى للكبار: (ما عاد سرا، شواطئ الصمت، صوت الأقصى، همس القلوب)، تُعالج هذه الأعمال هموم الوطن والوجدان، وتُوظّف الرمزية الشعرية في التعبير عن القضايا الإنسانية الكبرى.
- مجموعات قصصية للكبار: (خلف الأبواب، لحظة نور، حين ترقص الأحلام)، تُقدّم فيها معالجة سردية راقية للعلاقات الإنسانية والتحولات الاجتماعية في صياغة درامية جذابة.
- مجموعات قصصية للنشء: (صديقي لا يتنمر، هيا نفكر، هذا البيت عنواني)، تهدف إلى ترسيخ القيم السلوكية لدى الطفل، بأسلوب تربوي حيوي يستند إلى التفاعل والتفكير النقدي.
- ديوان شعري بالفرنسية (فرانكو أراب): يقدّم رؤية تجسيرية بين الثقافتين، وينم عن التوجه الانفتاحي لدى الشرقاوي في التعبير الأدبي متعدد اللغات.
إنّ تعدد الأنماط الفنية في إنتاج الشرقاوي يُمثّل تجربة أدبية شاملة، تنتقل بالشعر من كونه فنًا جماليًا إلى كونه وسيلة للارتقاء النفسي والاجتماعي، تُخاطب الوجدان بلغة راقية، وتُبنى على أسس تربوية وفكرية راسخة.
الفصل الرابع: التحليل الأدبي النقدي لأبرز الأعمال الشعرية والقصصية – مختارات
يرتكز هذا الفصل على تحليل نقدي لأربعة أعمال مركزية من نتاج الشاعر محمد الشرقاوي، تُعدّ نماذج نوعية في تكوين رؤيته الأدبية، وتكشف عن منظومته القيمية والأسلوبية، وهي:
- ديوان شعر فصحى للنشء: بستان الأنغام
- مجموعة قصصية للكبار: خلف الأبواب
- مجموعة قصصية للكبار: حين ترقص الأحلام
- مجموعة قصصية للنشء: هيا نفكر
وسنبدأ بتحليل ديوان بُسْتَانُ الأَنْغَام، الذي يُمثل ذروة التفاعل بين الجمالي والتربوي في أدب الأطفال، وقد اعتمدته وزارة التعليم كتابًا مرشدًا للمرحلة الابتدائية، ما يُضفي عليه شرعية تربوية ومؤسسية مضاعفة.
الفصل الرابع – القسم الأول: التحليل النقدي لديوان “بستان الأنغام“
تمهيد نقدي
ديوان بستان الأنغام ليس مجرد تجميع لنصوص شعرية، بل هو مشروع تربوي وأخلاقي متكامل، ينهض على رؤية إصلاحية وتنويرية، تستهدف النشء عبر خطاب شعري فصيح، يحمل سمات الإيقاع، والرمزية، والتوجيه السلوكي واللغوي. المقدمة التي خطّها الشاعر تَفتح المجال لقراءة عميقة في فلسفة الكتابة للطفل، إذ يتبنى الشرقاوي موقفًا أخلاقيًا واضحًا: أن الكلمة مسؤولية، وأن الكاتب للطفولة هو حارسٌ تربوي، ومهندس لغوي، وموجّه وجداني.
البنية الموضوعية للديوان
يتضمن الديوان ستة وعشرين قصيدة تتنوع موضوعاتها بين:
في ديوان بستان الأنغام، تتوزع القصائد في بناء موضوعي متكامل، ينهض على أربع مجموعات رئيسية، تمثّل كل منها توجّهًا تربويًا ومعرفيًا خاصًا، يخاطب الطفل بأسلوب فصيح مؤثر. المجموعة الأولى تشتمل على قصائد دينية وروحية مثل: يوم الجمعة، قامت أمي، صحونا، صلاتي حياتي، وتهدف إلى ترسيخ القيم الإسلامية من خلال الإيقاع التعبيري وقوة الفكرة. أما المجموعة الثانية، فهي وطنية وتحفيزية، وتضم نصوصًا مثل: مصر الخير والأمان، في بستان الضاد، يا حكام، نعم الغزوة، هنا القاهرة، وتُقدّم خطابًا وجدانيًا يُعزّز الانتماء الوطني والشعور بالهوية. وتأتي المجموعة الثالثة لتُعالج القيم الاجتماعية والتوجيه السلوكي، في قصائد مثل: حكمة جاري، صوت الهاتف، في مكتبي، نحو السوق، خلف الأبواب، حيث يتجسّد التعليم الأخلاقي والنقد البنّاء في سرد شعريّ هادف. فيما تنتمي المجموعة الرابعة إلى الطبيعة والخيال، عبر قصائد مثل: وعاد الربيع، أرض الريف، قالت نحلة، عاد صديقي، وتتميّز باستلهام البيئة وتوظيف الرمزية الحيوية لصنع صورة وجدانية ملهمة للطفل.
ويمتاز الخطاب الشعري في هذا الديوان بأنه لا يكتفي بالوصف، بل يتجه نحو التأثير التربوي، ليغدو النصّ أداة تعليمية حيوية، تستند إلى الحكاية الإيقاعية والصورة المكثفة، ضمن قوالب تعبيرية فصيحة يفهمها الطفل، ويأنس بها المعلم.
الخصائص الأسلوبية
- الإيقاع الداخلي والوزني: كثير من القصائد تعتمد تفعيلة واضحة، أو بحر شعبي مقنن، يعزز التلقي السماعي ويُسهِّل الحفظ. مثال:
- اللغة الفصيحة السهلة: يحرص الشرقاوي على استخدام تراكيب فصيحة دون تعقيد، فيتوسّل السهولة دون تسطيح، وهو ما يجعل الديوان صالحًا لغويًا للنشء دون التفريط في أصالة اللغة.
- التكرار البنائي: يُستخدم كأسلوب ترسيخي كما في قصيدة رضوى وسلمى، حيث تتكرر الجملة الشعرية لتدعيم الانتماء والسرد الشعري.
- الرمزية التعبيرية: النحلة، النيل، البستان، كلها رموز تمثّل فكرة العمل، الخصب، والاستمرارية، وتُقدَّم بوعي إيحائي بسيط لكنه فعّال للأطفال.
البعد التربوي والتعليمي
ديوان بستان الأنغام يُرسّخ مبادئ تعليمية هادفة:
- يغرس مفاهيم العمل الجماعي، كما في قصيدة قالت نحلة، التي تُعزّز قيمة العمل التعاوني في المجتمع.
- يُقدّم النموذج السلوكي اليومي، من خلال قصائد مثل في مكتبي وصوت الهاتف، التي تتناول الروتين الإيجابي بنبرة توجيهية ناعمة.
- يُعالج القضايا التعليمية والانتمائية بلغة تربوية، وهو ما يظهر في قصائد مثل يا حكام وهيا نحمي النيل، التي تُقدّم نقدًا اجتماعيًا بصيغة إصلاحية دون عنف لفظي.
السياق المؤسسي والتربوي
اعتماد وزارة التعليم لهذا الديوان دليل على أن النصوص تتوافر فيها:
- الالتزام بالقيم التربوية
- الوضوح الأسلوبي
- سلامة اللغة وقوة التعبير
- التنوع الموضوعي الملائم للمراحل العمرية
وهذا الاختيار يجعل الديوان ليس فقط مادة أدبية، بل كتابًا تربويًا موجَّهًا يمكن الاعتماد عليه في بناء الذائقة اللغوية والسلوكية.
الفصل الرابع – القسم الثاني: التحليل النقدي لمجموعة “خلف الأبواب” القصصية
تمهيد نقدي:
يأتي عنوان المجموعة “خلف الأبواب“ كإشارة رمزية مكثفة تدعو القارئ إلى الدخول في أعماق الذات الإنسانية، حيث الأسرار والمخاوف والتطلعات، فالفضاء السردي هنا لا يقتصر على الوصف الواقعي بل يحفر في الطبقات الشعورية والنفسية، ضمن سرد قصصي ينبني على الفكرة، والوعي، والواقعية الرمزية.
المقدمة الفكرية التي كتبها الشرقاوي تضع هذه المجموعة في إطار رسالي كبير، حيث يرى أن الكلمة هي طاقة الإنسان الأقوى، وأن الشعر والأدب هما وسيلة للبقاء، للتنمية، وللرد على الفساد المتحول.
البنية العامة للمجموعة القصصية: رؤية سردية تُحاكي العمق النفسي والاجتماعي
تمثل المجموعة القصصية المعنية بنية سردية مركّبة، تُعنى باستكشاف الواقع الاجتماعي والنفسي من خلال عدسة متعددة الأبعاد، حيث تتناغم عناصر القص الفني لتشكّل مشهدًا سرديًا موصولًا بمضامين وجودية وثقافية رفيعة. تنطلق القصص من شخصيات واقعية، تتسم بالطبقية النفسية والاجتماعية، وتُعبّر عن هوامش التجربة الإنسانية عبر مواقف يومية تنبض بالصدق والتفاعل. ويُعتمد في بناء الزمن القصصي على أسلوب غير خطّي، تُوظّف فيه تقنيات التقطيع الزمني والارتداد، بما يتيح إبراز السياقات الداخلية للأحداث، ويمنح القارئ فرصة الغوص في البنية النفسية والفكرية للنص.
وتُعتمد اللغة بوصفها أداة تعبيرية تحمل طابعًا مركّبًا، يُراوح بين الفصاحة السردية الرسمية والحوار الطبيعي، ما يضفي على النص نكهة واقعية تستدعي الصدق الشعوري، وتُجسّد حركية الشخصيات ضمن محيطها الوجداني والاجتماعي. أما الأسلوب السردي فيرتكز إلى الرمزية الواقعية، إذ تُستثمر التفاصيل اليومية — من مواقف، وأشياء، ومفردات — لتشكل إشارات دقيقة إلى فلسفة المجتمع وتكوينه الرمزي، مما يمنح النص طاقة تأويلية إضافية، ويفتح أفقًا قرائيًا متعدد المستويات.
يُمكن النظر إلى هذه المجموعة بوصفها نصًا سرديًا تربويًا، يزاوج بين المتعة الجمالية والعمق الإنساني، ويُقدّم نماذج سردية تُحاكي القارئ في وجدانٍ مفتوح على التأمل، والمساءلة، والتعلّم الرمزي من اليومي والمألوف.
ثيمات مركزية في القصص
- الاغتراب الإنساني: كثير من القصص تبرز شعورًا بالانفصال عن الذات أو عن الآخر، مع عرض لصراعات داخلية تُحاكي أزمة الهوية أو التهميش.
- المرأة والمجتمع: تحضر المرأة ككيان مجروح لكنه واعٍ، حيث يُصوّر الشرقاوي قضاياها ليس بشكل دعائي بل عبر مقاربات إنسانية دقيقة، تُكشف عن معاناة واقعية وأحلام مغلقة خلف الأبواب.
- النقد الاجتماعي: تعمل القصص كمرآة للمجتمع، ترصد التناقضات دون تجريح، وتعالجها بمساحات تأملية وإشارات إنذارية، تجعل السرد موقفًا فكريًا لا مجرد تصوير حي.
- الرمزية والتناصّ: الأبواب، الضوء، المرايا، الحوارات العابرة، كلّها رموز متكررة تتداخل مع أفكار فلسفية مستبطنة، تجعل السرد مشحونًا بالدلالات لا بالخطابة.
السمة الأسلوبية والنفسية
- الاعتماد على الحدث النفسي أكثر من الحبكة التقليدية، فالقصة أحيانًا تكون لحظة شعورية أو موقفًا تأمليًا يكشف عن تحول داخلي.
- استخدام النهاية المفتوحة أو المعلقة، وهو أسلوب سردي يُحفّز القارئ للتأمل وربط الأحداث بسياقات اجتماعية أوسع.
- بناء الحوار الداخلي بأسلوب تأملي يعكس أصواتًا داخلية متصارعة، وكأن القصة تُعاش لا تُروى.
- حضور الفضاء المكاني الضيق (البيت، الممر، السوق)، كرمز للضغط الاجتماعي أو لحدود التجربة الإنسانية المكبوتة.
التأثير الأدبي العام
تُعد خلف الأبواب نموذجًا للأدب الواقعي الرمزي، حيث يُمارس الكاتب وظيفة الشاهد والمصلح، دون أن يغادر موقع الفنان. فهي مجموعة تجمع بين جمالية السرد، وقوة الالتقاط النفسي، وحس نقدي لا يتعالى على الشخصيات بل يصاحبها في ألمها اليومي.
الفصل الرابع – القسم الثالث: التحليل الأدبي لديوان “شواطئ الصمت“
مدخل نقدي
ديوان شواطئ الصمت يكشف عن مرحلة وجدانية ناضجة في تجربة الشرقاوي، حيث تتجه قصائده نحو معالجة القضايا الكبرى في الحياة: الرسالة الإنسانية، الوعي الديني، الانتماء الثقافي، ووظيفة الأدب في إحياء ضمير الأمة. من خلال عنوان الديوان، تتجلّى الثنائية التعبيرية بين الصوت والسكوت، إذ يختار الشاعر أن يُقاوم الصمت بكتابة واعية تُنبّه، وتُعلّم، وتُعزّز الانتماء الإنساني والمعرفي.
الخصائص الأسلوبية في الديوان
- لغة ناضجة وعميقة: يستخدم الشرقاوي تراكيب فصيحة ذات طابع تأملي وفلسفي، تنهل من النص الديني تارة، ومن التجربة التاريخية تارة أخرى، في تجويد لغوي يتجنّب الغرابة دون أن يُسطّح المعنى.
- البنية الشعورية الفكرية: تنقسم القصائد غالبًا إلى مقاطع تسرد تأملًا روحيًا، ثم تنتقل نحو تحليل الواقع أو عرض قضية ما، وكأن الشعر هنا يمارس دورًا جدليًا بين الذات والواقع.
- التناص الديني: توظيف مباشر وغير مباشر للآيات القرآنية والمفاهيم الإسلامية، مثل قوله تعالى:
- الرمزية الصامتة: يعكس العنوان وبعض القصائد مفردات مثل: “الشاطئ”، “الظل”، “المدى”، “الغروب”، لتكون رموزًا عن الأمل المؤجل، أو الوعي الذي يبحث عن منفذ عبر السكون.
الموضوعات المركزية
تّسم الخطاب الشعري لدى الشرقاوي بتمحوره حول مجموعة من الموضوعات المركزية ذات الطابع الأخلاقي والثقافي، يُوظّف من خلالها الشعر كأداة تربوية مقاومة. ففي قلب هذه الرؤية، تبرز الرسالة الأخلاقية بوصفها مبدأً أصيلًا، حيث يُستثمر الشعر لتثبيت القيم ومواجهة مظاهر الفساد، في دعوة حازمة إلى “بقاء الرسالة في وجه التربص”. ويتكامل هذا التوجه مع وعي حضاري نقدي، يرى في الأدب والمفكرين حماةً للهوية الحضارية، لا مجرد كُتّاب على هوامش الثقافة، وهو ما يُعيد الاعتبار لوظيفة المثقف في زمن التحوّل والتحدي. كما يتجلّى اهتمامه بالتواصل مع النشء والشباب، من خلال توظيف لغة تستجيب لروح العصر، دون أن تُفرّط في العمق الأدبي، مما يمنح القصيدة جسورًا تربط الجيل الجديد بمصادره الثقافية الراسخة. وأخيرًا، يأتي الدفاع عن الهوية اللغوية في صميم المشروع الشعري، عبر حرص واضح على صون اللغة العربية والدعوة لحمايتها، بوصفها “الوعاء الصامد للبقاء”، وهو تعبير شعري يختزل رؤية تُدافع عن اللسان بوصفه حاضنًا للذات والمستقبل.
الإيقاع والتعبير
القصائد في شواطئ الصمت تتنوع بين الوزن الخليلي والتفعيلة الحرة، مما يدل على مرونة الشاعر في توظيف الشكل الشعري وفق مقتضى المضمون، دون الوقوع في التكلّف العروضي أو الإفراط التجريبي. كما أن العاطفة في النصوص تتسم بالهدوء التأملي، بعكس الانفعال الحاد، وهو ما يمنح القارئ فسحة فكرية وتأملية عميقة.
البعد النقدي والإبداعي
يتعامل الشرقاوي في هذا الديوان مع الشعر كأداة تغيير وليس مجرد ترف فني، ويؤسس لفكرة “الشاعر الملتزم”، لا بمعناها الأيديولوجي بل الأخلاقي الوجداني، حيث يكون دور الشاعر يقظًا في خدمة الأمة والفكر، ويُمارس التعبير بقصد التأثير لا الانفعال.
الفصل الرابع – القسم الرابع: التحليل النقدي لمجموعة “هيا نفكر” القصصية
تمهيد تأصيلي
تندرج مجموعة هيا نفكر ضمن أدب الطفولة الهادف، وهي ليست مجرد قصص تُروى للأطفال، بل رسائل تربوية وفكرية تُكتب بلغة تتفاعل مع التحولات المجتمعية وتستشرف المستقبل. المقدمة تبيّن وعي الشاعر بدور النشء في التنمية الحضارية، وتُحمّل الكلمة الأدبية مسؤولية تغيير الواقع، وتحفيز الفكر الابتكاري، ومواجهة التخلف الاجتماعي.
المضامين الفكرية والتربوية
تُقدّم المجموعة القصصية مضمونًا فكريًا وتربويًا متعدد الأبعاد، ينطلق من مواقف حياتية يومية تُجسّد وعي الأطفال بقضايا مجتمعهم، ويُرسّخ قيمًا تعليمية وتربوية بوسائل سردية مشوّقة. ففي إطار التفكير الابتكاري، تظهر قصص مثل الصانع الصغير والرأي الآخر كنماذج تحفّز الطفل على المبادرة العملية وتفتح أمامه آفاق التجريب والخَلْق. أما في مجال حب الوطن والانتماء، فإن قصص كنوز في بلادي وبستان المدرسة تُجسّد الفعل الوطني المباشر، وتسهم في ترسيخ الهوية من خلال الممارسة والانخراط في المحيط المحلي.
ويتجلى التوجّه نحو التنمية البيئية من خلال قصص فندق القرية وبستان المدرسة، حيث يُقدّم النص القصصي رؤية تربوية تُشجّع المشاركة المجتمعية في تحسين البيئة والوعي الحضري. وتُعبّر قصص كتابي نظيف ونحو مجتمع ناجح عن مفهوم الاقتصاد السلوكي، داعيةً إلى ثقافة التوفير، والتعاون، والانضباط المدرسي كقيم اجتماعية فاعلة. وأخيرًا، تُبرز قصص أسئلة بريئة وعقل لا ينام أهمية الحوار الأسري، حيث يُقدّم النص نماذج تُركّز على التنشئة الفكرية واللغوية داخل الأسرة، وتُعزز مكانة الطفل كمحاور ومُفكّر فاعل ضمن السياق العائلي.
الأسلوب السردي والبنية الفنية
- اللغة فصيحة مبسطة: يستخدم الشرقاوي تراكيب لغوية فصحى يمكن للطفل أن يفهمها ويتفاعل معها دون تعقيد، مما يُعزز ملكة التعبير لديه.
- الحوار الواقعي: تمتاز النصوص بالحوار اليومي المنطقي الذي يحاكي الواقع الأسري والمدرسي للطفل، ويُقدَّم دون تصنّع أو افتعال.
- الشخصيات النموذجية: تعتمد على الطفل المفكر، الصادق، المتعاون، دون أن تكون “مثالية مملة”، بل تحمل نزعات واقعية متدرجة.
- النهاية الإيجابية المفتوحة: كثير من القصص تنتهي بتحفيز التفكير أو فتح المجال للنقاش، بدلًا من التلقين، مما يجعل الطفل مشاركًا لا متلقيًا سلبيًا.
التأثير المؤسسي والاجتماعي
تؤكد مجموعة هيا نفكر على ضرورة تفعيل دور المؤسسات التعليمية والاجتماعية في تكوين عقل الطفل، لكنها لا تتوقف عند ذلك، بل تُحمِّل الأسرة والمجتمع مسؤوليات فكرية مباشرة، مما يجعل النص السردي وسيلة لإعادة بناء الوعي العام بطرق غير مباشرة.
الخاتمة التربوية
يمثل هذا العمل نموذجًا جديرًا بالدراسة في كليات التربية والآداب، لما فيه من:
- التقاء بين الرؤية الأدبية والأسلوب التربوي
- تبني فكرة الطفل المُفكر لا الطفل المستهلك
- إبراز نموذج الكتابة للأطفال بوصفها مسؤولية وطنية وفكرية
سنُعمّق الآن هذا القسم بتحليل تفصيلي لقصة أو قصتين من مجموعة هيا نفكر، مع مراعاة الجوانب التربوية والأسلوبية التي تميّز بها الشرقاوي، بوصفه مفكّرًا تربويًا إلى جانب كونه أديبًا ملتزمًا.
القصة الأولى: الرأيُ الآخرُ
السياق العام
تدور القصة في بيئة مدرسية واعية، حيث يبدأ الطلاب يومهم بنشاط وتقدير لمعلميهم، ويظهر فيها نمط السلوك الجماعي الإيجابي المرتبط بالاحترام، الاجتهاد، وحب المعرفة. ثم تنتقل الحبكة إلى موقف حواري بين طالبان يبدآن التفكير في دورهم الفعّال داخل المدرسة، ويقترحان أنشطة ذات طابع عملي ومجتمعي.
عناصر التحليل
يتجلى التناول الأدبي في قصص الشرقاوي عبر تركيزه على البيئة المدرسية باعتبارها حاضنة للقيم التربوية، حيث تُقدَّم المدرسة بصيغة مُفعمة بالاحترام والانضباط، وتعكس نموذجًا مثاليًا للتفاعل الإيجابي بين المعلّم والطالب. ومن خلال شخصيات مثل ممتاز وزياد، يُجسَّد دور الطالب الفاعل والمفكّر الذي يتخطى النمط التعليمي التقليدي، ويبحث عن إشراك حقيقي في بناء وتحسين محيطه اليومي. وتتسم الحبكة بالبساطة المحفّزة، إذ تتطور القصة من تلقّي التعليم إلى المشاركة الفعلية في تطوير المرافق، مما يُكرّس لفكرة المبادرة والمسؤولية. ويعتمد الشرقاوي على الحوار الطبيعي بوصفه أداة فنية، يرسّخ من خلالها احترام العمل اليدوي والعاملين البسطاء، في انعكاس لرؤية تربوية متواضعة لكنها عميقة. وتكتمل هذه الرؤية بالرسالة التربوية العامة التي تؤكد أن المسؤولية المجتمعية تبدأ من المدرسة، وأن الأفكار الصغيرة في محيط الطفل قادرة على بناء وعي قومي متين، يجعل من الأدب وسيلة لتشكيل المواطن المسؤول.
القيمة الفكرية
تُقدّم القصة مفهومًا متقدمًا للأنشطة المدرسية: ليس ترفيهًا فقط بل تدريبًا على التفكير المجتمعي والابتكار. إنّ شخصية “ممتاز” تُعد رمزًا للطالب الذي يرى في كل موقف فرصة للتطوير، مما يفتح الباب لثقافة “المبادرة اليومية” داخل بيئات التعليم.
القصة الثانية: الصانعُ الصغير
السياق العام
تحكي القصة عن الطفل عاطف الذي يلاحظ تكدس الأخشاب في كيس النفايات، فيُفكّر في إعادة استخدامها ضمن مشروع يدوي بالتعاون مع ورشة النجارة المجاورة. تتحوّل ملاحظته البسيطة إلى مشروع إنتاجي وبيئي، بالتنسيق مع صديقه ووالد الأخير.
عناصر التحليل
يتناول النص القصصي شخصية “عاطف” بوصفه نموذجًا للطفل المُبادر، الذي لا يمرّ بالواقع مرورًا عابرًا، بل يُعيد قراءته من زاوية الإبداع والمساءلة، مُجسّدًا بذلك روح التفكير الفاعل. ويتجسد الحدث الرئيسي في قيامه بتحويل النفايات المنزلية إلى أدوات منتجة كالمشابك والميداليات، باستخدام خشب مُعاد تدويره، ما يُضفي على الفعل اليومي بعدًا تربويًا يتجاوز التقنية إلى الفكرة. ويعتمد السرد على أسلوب بسيط، لكنه مشحون بالدلالات، حيث تُستثمر التفاصيل لتكريس مفاهيم احترام البيئة، والعمل اليدوي، والوعي التشاركي. ومن خلال هذه المعالجة، تُرسّخ القصة فكرة “إعادة التوظيف” بوصفها ثقافة تبدأ في الطفولة، وتُعيد الاعتبار للحرفة باعتبارها قيمة مجتمعية لا مهنة هامشية. وتأتي النهاية بصيغة تحفيزية، حيث تتغير نظرة الأم إلى الأشياء التي اعتادت رميها، وتعد ابنها بعدم التخلص من أي شيء قبل مشورته، مما يعكس تحولًا نوعيًا في الوعي الأسري تجاه الطفل ومبادراته، ويُكرّس لفكرة أن التربية تبدأ من الإصغاء لأسئلة الإبداع الصغيرة.
القيمة الابتكارية
ترتكز القصة على التفكير التصميمي (design thinking): ملاحظة المشكلة، تحليلها، تصميم حل، وتنفيذه على أرض الواقع. إنها تجربة تكوين عقل طفل مهندس وفنان ومواطن صالح في آنٍ واحد.
الفصل الرابع – القسم الخامس: التحليل النقدي لمجموعة “حين ترقص الأحلام“
مدخل تأويلي
يحمل عنوان المجموعة دلالة رمزية رفيعة: “حين ترقص الأحلام“، فالفعل “ترقص” يستدعي الحياة والفرح، لكنه حين يرتبط بالأحلام يصبح مرآة لتقلباتها، لكونها حاضرة وغائبة، واقعية وسوريالية. الشرقاوي هنا لا يكتب عن الحلم الرومانسي فقط، بل عن حلم الذات المجروحة، التي تواجه تحديات المجتمع، وتحاول إعادة تعريف علاقتها بالزمن والواقع والعاطفة.
البناء الفني العام للمجموعة
يحمل عنوان المجموعة حين ترقص الأحلام دلالة رمزية رفيعة تُفتتح بها بوابة القراءة التأويلية، فالفعل “ترقص” يستدعي الحياة والفرح، لكنه حين يُقرن بالأحلام، يتحوّل إلى استعارة للاضطراب والتقلب، حيث تغدو الأحلام حاضرة وغائبة، واقعية وسوريالية في آنٍ واحد. يكتب الشرقاوي عن الحلم من زاوية الذات المجروحة، لا الرومانسية الحالمة، إذ تُجابه تلك الذات تحديات المجتمع، وتحاول إعادة تعريف علاقتها بالزمن والواقع والعاطفة، في مزيج سردي يلتقط اللحظة الشعورية ويعيد صوغها جماليًا وتأمليًا.
ومن حيث البناء الفني، تتشكّل الحبكة حول الموقف الشعوري لا الحدث التقليدي؛ حيث تبدأ النصوص بلحظات توتر أو تأمل، وتنتهي غالبًا بلمحات فلسفية أو رمزية تُعيد المعنى إلى دائرة التساؤل. تتجسد الشخصيات بواقعية، تُظهر الداخل المتأمل والخارج المتردد، وتمنح للمرأة تمثيلًا مركبًا كقوة وجراح في آنٍ واحد. ويغلب على النص الأسلوب السردي التأملي، المُطعّم بلغة شعرية تُضفي على الحكاية بعدًا وجدانيًا دون أن تنزلق نحو الإغراق البلاغي. أما “الزمكان”، فهو يغلب عليه الطابع المغلق؛ كالغرف والأبواب والحارات، ويتميّز بتداخل الأزمنة بين الماضي، والتخييل، والحاضر المرتبك، ما يمنح النص أفقًا تأويليًا مفتوحًا على الاحتمال والعمق.
الثيمات الأساسية
- الذات المقهورة والتأملية: كثير من القصص تدور حول شخصيات تواجه إحباطات داخلية، وتبحث عن منفذ فكري أو وجداني عبر الحلم أو الفن أو الذاكرة.
- المرأة كرمز للصمود والجمال المجروح: تحضر المرأة بشكل متعدد: الأم، الحبيبة، الفتاة المهمّشة، وذلك في إطار إنساني يراعي شعور الإنسان وليس الصورة النمطية.
- التناقض الاجتماعي: الشرقي والغربي، الريفي والمديني، التقاليد والحداثة، تظهر كلها كتوترات سردية تحفّز التفكير وتخلق تشكيلات معبرة.
- الرمز الصامت والمكان المغلق: الأبواب، النوافذ، المرايا، الأصوات، كلها عناصر رمزية تُستخدم كخطاب دلالي داخل النص السردي، وترتبط بالحالة الشعورية أكثر من الحدث الواقعي.
النموذج الأسلوبي واللغوي
- لغة سردية محسوبة: لا توجد زيادات لغوية غير مبرّرة، بل كل جملة تؤدي وظيفة تعبيرية أو نفسية، ويُلاحظ الاقتصاد في السرد مع قوة الإيحاء.
- الإدماج بين الشعر والنثر: تظهر بعض المقاطع بقوة تعبير شعري في قلب القصة، ما يُضفي على السرد طابعًا ميتا-فنّيًا.
- توظيف الحوار النفسي الداخلي: يُستخدم الحوار الداخلي لا لتوصيف السلوك، بل لتعرية الصمت، وكشف التحوّل الذاتي داخل الشخصية.
القيمة الفنية والاجتماعية
تشكل مجموعة حين ترقص الأحلام تجربة سردية تحمل بعدًا فلسفيًا واجتماعيًا، تدمج بين المتخيّل الأدبي والواقع التحليلي، وتكشف عن قدرة الكاتب على نقل الحالة النفسية دون مباشرة، بأسلوب سردي رشيق يحمل همًا إنسانيًا نبيلًا.
الفصل الخامس: دراسات نقدية قدّمها محمد الشرقاوي عن أعمال الأدباء
مقدمة منهجية
يمثل الجانب النقدي في مسيرة محمد الشرقاوي امتدادًا طبيعيًا لوعيه الأدبي والتربوي، حيث يُمارس النقد بوصفه وظيفة معرفية مسؤولة لا تستهدف تفكيك النص فحسب، بل إعادة صياغة العلاقة بين الكاتب والقارئ والمجتمع. وتأتي دراساته في هذا السياق كنماذج تطبيقية لممارسة النقد البنائي، الذي يجمع بين التفسير الفني والتحليل القيمي، دون الوقوع في دوائر التمجيد أو الإنكار.
نماذج من الدراسات النقدية
تُبرز قائمة الدراسات النقدية التي تناولها الشرقاوي تعدد اهتماماته الأدبية، حيث يُلاحظ انخراطه في قراءة نصوص تنتمي إلى أجناس متنوعة، تشمل الشعر والقصة والمسرح، إلى جانب الكتابات النقدية النسائية والرجالية، مع تركيز خاص على الأعمال التي تمزج بين الهوية الثقافية، والأسلوب الفني، والمضمون التربوي. يتجلّى ذلك في دراسات مثل على جدار الصمت لجمال ربيع وبين ضفاف الحياة ولمحات من عبق التراث لنوال مهني، التي يُعاد فيها بناء الشعر بوصفه مرآةً لوعي الذات والهوية. كما يطالع في وجوه حريرية لصوفي عبدالحليم وحكاية رشاد لمحمود مبروك ملامح القصة الواقعية التي تُفجّر الحيز النفسي والاجتماعي للشخصية. ويُخصّص حيزًا نقديًا لدراسة المسرح من خلال حكاوي السمسمية / بلد الغريب لمجدي مرعي، حيث تتداخل الرمزية الشعبية والهمّ العام. أما الدراسة التي تناولت الأنشودة في الشعر العربي الحديث للدكتورة مفيدة إبراهيم، فتشكّل محورًا تأويليًا يتجاوز الشكل إلى الرؤية الجمالية والتربوية في الشعر المعاصر. كما يُطلّ الشرقاوي على قضايا الهوية والوجدان في أعمال مثل نبي لم يوح إليه للدكتور محمد حجاج، وعلى أعتاب الأقصى للدكتور محمد دياب غزاوي، حيث يُحضر السياق العربي والإنساني في صيغ شعرية موغلة في التأمل والدفاع عن الذات.
الخصائص المنهجية في دراسات الشرقاوي
- التحليل البنائي الأسلوبي: يعتمد في قراءاته الشعرية على تحليل الصورة، الإيقاع، واللغة، دون إغفال البنية النفسية للنص.
- النقد التأويلي التربوي: يظهر ميله لتفسير الرموز والدلالات في ضوء القيم الأخلاقية والتربوية، خاصة في أعمال موجهة للنشء أو ذات طابع إنساني.
- العدسة الثقافية والاجتماعية: يقرأ النصوص ضمن سياقها الحضاري المحلي أو القومي، ويُراعي الأثر الاجتماعي والفكري لها في البيئة التي أُنتجت فيها.
- تشجيع التجريب الإبداعي: يُثمّن محاولات التجديد الأسلوبي في الكتابات المعاصرة، دون أن يتخلى عن المعايير الجمالية الأصيلة في التلقي.
- نقد الأدب النسائي برؤية إنسانية: يقدم قراءات لنصوص كتبتها نساء (مثل نوال مهني وصوفي عبدالحليم) بأسلوب يعترف بالخصوصية دون تسطيح أو انحياز.
الوظيفة الفكرية لهذه الدراسات
إنّ هذه الدراسات لا تُعبّر فقط عن اهتمام معرفي، بل هي جزء من مشروع الشرقاوي في ترسيخ ثقافة الحوار الأدبي. فالنقد لديه ليس حكماً على النص، بل تفاعلاً معه، يُفضي إلى تحسين الكتابة، وتوسيع التلقي، وتعزيز الثقة بين الأديب والجمهور.
الفصل السادس: كتب ودراسات منشورة عن الشاعر محمد الشرقاوي
مدخل توثيقي
تعددت الدراسات والكتب التي تناولت أعمال الشرقاوي، وصدرت عن نقّاد متخصصين في الأدب التربوي، والنقد الثقافي، والأدب المقارن، مما يعكس مركزية تجربته داخل المشهد الأدبي العربي المعاصر، خاصة في مجال أدب الطفولة، والتجربة الشعرية ذات الطابع الإسلامي والإنساني. كما أن اعتماد بعض هذه المؤلفات في مكتبات وزارة التعليم بمصر يبرهن على قيمتها التربوية والمؤسسية.
أبرز الكتب النقدية المنشورة عن أعماله
تُجسّد الكتب النقدية المنشورة عن أعمال محمد الشرقاوي حجم التأثير الذي أحدثه شعره وقصصه في الحقل الأدبي والتربوي، حيث شكّلت هذه الأعمال مادةً دراسية وتحليلية في عدة مؤسسات أكاديمية وتعليمية. من خلال مؤلفات مثل جماليات شعر الطفولة وتأملات نقدية في المجموعة القصصية “خطوة لبكرة“ لأستاذ الأدب عاطف عبداللطيف السيد، يظهر كيف تم اعتماد نتاج الشرقاوي رسميًا في مكتبات التعليم الإعدادي والثانوي، وهو مؤشر على القيمة التربوية المتجذّرة في أعماله. كما أُنجزت دراسات موسّعة ذات طابع جمالي نقدي على يدي د. صلاح عدس، وبلغت الذروة الأكاديمية برسائل ماجستير ودكتوراه تناولت شعره وتحليلات فنية دقيقة، مثل دراسة الباحثة مهرين لطيف حول زهور الأمل، ودراسة الباحثة لمياء عبداللطيف عن أدب الأطفال في شعره. ويبرز كذلك كتاب بلاغة الخطاب الشعري عند الشرقاوي ونوال مهني بوصفه محاولة دكتوراه لموازنة بين تجربتين شعريتين تتقاطعان في الرؤية والرسالة. ولم تغب الفضاءات الأدبية العامة، حيث نُشر كتاب الشاعر في أناشيد الطفولة ضمن فعاليات مؤتمر أدبي بمحافظة الفيوم، مؤكّدًا على موقع الشرقاوي كشاعر تربوي حاضر في المشهد النقدي العربي.
دراسات نقدية تطبيقية متفرقة
وقد أُنجزت عدة دراسات متخصصة تصف وتحلل أعمال فردية للشاعر، منها:
- دراسة سيميائية التجربة الوطنية في ديوان خيوط الشمس – أد. صبري فوزي أبو حسين
- دراسة تعانق الذات والوطن في ديوان ما عاد سرًا – نفس الباحث
- دراسة بلاغية بعنوان قراءات في استعارات السرد الروائي الحديث – د. مفيدة إبراهيم، عن قصة نهر الحكمة
- دراسة رؤية فنية في شعر حكايات المساء – نوال مهني
- دراسة الخطابة بين العلم والإبداع – د. صلاح عدس
- دراسة رؤية إسلامية لأدب الأطفال في شعر وقصص الشرقاوي – د. صلاح عدس
- دراسة المعالم الفنية في قصة أغصان جافة – أد. عاطف عبداللطيف السيد
- دراسة ملامح الإبداع في ديوان خيوط الشمس – أد. بسيم عبدالعظيم
البعد الأكاديمي والتربوي في هذه الدراسات
تتميز هذه المؤلفات بما يلي:
- تعالج الإنتاج الشعري والقصصي من زوايا نقدية وأكاديمية تصلح للدراسات العليا.
- تستند إلى معايير التحليل البنائي، السيميائي، والتربوي، خاصة في أدب الطفل.
- تعتمد على المقارنة بين أعمال الشرقاوي ونصوص أخرى، ما يفتح المجال أمام دراسات الموازنة الأدبية.
- تشير إلى قدرة الشاعر على المزج بين الفن والقيم، وتُبرزه كـ رائد لأدب الأطفال في العصر الحديث.
الفصل السابع: الرسائل الجامعية حول أعمال الشاعر محمد الشرقاوي
مدخل علمي
تُعدّ الرسائل الجامعية (ماجستير ودكتوراه) التي تناولت أعمال محمد الشرقاوي تأكيدًا لتأثيره المعرفي خارج نطاق النشر والتلقّي العام، حيث دخلت نصوصه دائرة البحث الأكاديمي المُحكّم، وتمّت قراءتها في سياقات منهجية عميقة، ما يعكس استدامة قيمته الأدبية، وأصالة تجربته الشعرية والتربوية، خاصة في مجالات:
- شعر الطفولة التربوي
- الصورة الشعرية الأسلوبية
- الاتجاه الإسلامي الفني في الشعر
- البلاغة والموازنة الأدب
- ية بين الشعراء
نماذج من الرسائل الجامعية
تُسلّط الرسائل الجامعية المنجزة حول أعمال محمد الشرقاوي الضوء على عمق تجربته الشعرية والتربوية، وتنوّع أبعادها الجمالية والموضوعية، حيث انقسمت هذه الرسائل بين أطروحات الدكتوراه والماجستير، وتناولت جوانب متعددة من مشروعه الإبداعي. فقد شكّلت رسالة الباحثة نهلة سيد أحمد عباس في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية (2020) مدخلًا نقديًا إلى جماليات أدب الأطفال عند الشرقاوي، مستكشفة أبعاده التعبيرية والتربوية. وفي السياق ذاته، قدّمت الباحثة مهرين لطيف من الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد دراسة ماجستير تحليلية فنية حول الصورة الشعرية في ديوان زهور الأمل، بينما تناول الباحث محمد عمر فاروق الاتجاه الإسلامي في شعر الشرقاوي، وذلك ضمن رسالة دكتوراه بالجامعة نفسها، مؤكّدًا الطابع الروحي والفكري للنص الشعري.
أما الباحثة لمياء عبد اللطيف فقد اختارت أدب الأطفال في شعر الشرقاوي موضوعًا لرسالتها الماجستير في جامعة الأزهر، مستعرضة التداخل بين المضمون التربوي والبناء الفني في النصوص الموجّهة للنشء. في حين قدّم الدكتور عماد حمزة حسين من الجامعة العراقية ببغداد دراسة دكتوراه تحمل طابعًا مقارنًا، بعنوان بلاغة الخطاب الشعري عند الشرقاوي ونوال مهني، ممّا يُبرز قدرة شعر الشرقاوي على الانخراط في مساحات بلاغية متداخلة مع قضايا الهوية والأسلوب عند شعراء معاصرين.
الملامح المنهجية لهذه الرسائل
- تعتمد هذه الدراسات على مناهج نقدية متنوعة: الأسلوبي، البلاغي، الجمالي، التربوي، والموازنات الأدبية.
- تنبثق من اهتمامات أكاديمية جادة بتجربة الشرقاوي، وتُثبت أنه ليس شاعرًا محليًا، بل أديبٌ عربيّ له تأثيرٌ أكاديميّ خارج مصر.
- تشير إلى تنوّع اهتمامه بين الكتابة للأطفال والكبار، وبين الشعر الفصيح والعامي، مما أتاح للباحثين تنوّعًا في المعالجة النقدية.
التأثير المؤسساتي لهذه الرسائل
تم تقديم هذه الرسائل في:
- جامعات حكومية مرموقة (الإسكندرية – الأزهر – الجامعة العراقية)
- مؤسسات دولية متخصصة في اللغة والأدب العربي (إسلام آباد)
- سياقات تربوية وأدبية تعكس قابلية نصوص الشرقاوي لأن تكون مناهج تحليلية معتمدة في الدراسات العليا
الفصل الثامن: تحليل نقدي لقصيدة “كوسوفا” للشاعر محمد الشرقاوي
المقدمة
قصيدة “كوسوفا” للشاعر محمد الشرقاوي تُعدُّ نموذجًا للشعر الوطني العاطفي الذي يُمجّد الأرض والتاريخ، ويُعبّر عن الانتماء والوفاء. تتنوع الأغراض الشعرية في القصيدة بين الفخر والوصف والحماسة، حيث يربط الشاعر بين الماضي العريق والحاضر الصامد، مُبرزًا صورة كوسوفا كرمز للعطاء والمقاومة. من خلال تحليل الأبيات، سنكشف عن المضامين الفكرية والجمالية، والأساليب البلاغية التي استخدمها الشاعر لرسم هذه الصورة المفعمة بالحبِّ والفخر.
التحليل النقدي للأبيات
- الافتتاحية العاطفية والرمزية:يبدأ الشاعر بتوجيه المشاعر نحو كوسوفا:
وَنَحْوَ كُوسُوفَا تَتَوَقُّ العُيُونْ
تَقُولُ بِصِدْقٍ هُنَا الآمِنُونْ
استخدام الفعل “تتوق” يُضفي طابع الحنين والشوق، بينما كلمة “الآمنون” تُشير إلى الأمان الروحي والمجتمعي الذي ترمز إليه كوسوفا.
- المجد والوفاء:يُبرز الشاعر صفات أهل كوسوفا:
هُنَا السَّائِرُونَ إِلَى كُلِّ مَجْدٍ
هُمُ الأَوْفِيَاءُ هُمُ الحَافِظُونْ
التكرار في “هم الأوفياء هم الحافظون” يُؤكّد على قيم الوفاء والصمود، مما يعكس الهوية الجماعية لأبناء كوسوفا.
- الرمزية الدينية والتاريخية:يربط الشاعر بين الأرض والقداسة:
فَمِنْ جَنَّةٍ قَدْ أَطَلَّتْ عَلَيْنَا
بَنَاهَا بِنُورِ الهُدَى العَابِدُونْ
تشبيه كوسوفا بالجنة يُضفي عليها هالة من القداسة، حيث يظهر دور “العابدون” في بنائها بنور الإيمان.
- اللغة والهوية:يُظهر الشاعر دور اللغة العربية (“دوحة الضاد”) في بناء الحضارة:
وَمِنْ دَوْحَةِ الضَّادِ قَامَتْ قِلَاعٌ
يُغَرِّدُ عَنْ حُسْنِهَا الشَّاهِدُونْ
“دوحة الضاد” ترمز إلى اللغة العربية كشجرة عريقة، بينما “القلاع” تُشير إلى صمود الثقافة.
- العطاء والعلم:تصوير كوسوفا كمصدر للعطاء:
يَنَابِيعُ عِلْمٍ عَلَى الكَوْنِ فَاضَتْ
فَمَدَّ اليَدَيْنِ لَهَا الظَّامِئُونْ
استعارة “ينابيع علم” تُجسّد المعرفة كالماء الذي يُحيي العطشى.
- الملاذ الآمن:تُصبح كوسوفا ملجأً لأصحاب الأحلام:
فَأَمْسَتْ مَلَاذًا لِمَنْ حَازَ حُلْمًا
جَمِيلًا سَعَى نَحْوَهُ الحَالِمُونْ
كلمة “ملاذ” تُضفي طابعًا حميميًا، بينما “الحالمون” ترمز إلى المثاليين والثوار.
- الانتماء للشرق:يتحدث الشاعر عن ارتباط كوسوفا بالعروبة:
وَلِلشَّرْقِ حَازَتْ وَفَاءً وَعِشْقًا
بِقَلْبٍ يَقُولُ هُنَا قَادِمُونْ
العشق والوفاء هنا يعكسان التمازج بين الهوية الكوسوفية والعروبة.
- المقاومة والتاريخ:يُشيد الشاعر بنضال الشعب:
هُنَا مَنْ أَزَاحُوا ظَلَامًا وَسَارُوا
طَرِيقًا أَحَاطَ بِهِ الأَوَّلُونْ
“أزاحوا ظلامًا” ترمز إلى التحرر من الاستعمار، و”الأولون” تشير إلى الأجداد الذين رسّخوا طريق النضال.
- الارتباط بالأمة العربية:يربط كوسوفا بمصر والشام كرمز للوحدة:
لِأَرْضِ الرِّسَالَةِ تَهْفُو الأَيَادِي
لِمِصْرَ وَلِلشَّامِ أَرْضِ الحُصُونْ
“أرض الرسالة” تُذكّر بالدور التاريخي للإسلام، بينما مصر والشام تُمثّلان الحضارة العربية.
- الربيع والنهضة:يُصوّر الشاعر كوسوفا كربيعٍ دائم:
فَهَذَا الرَّبِيعُ عَلَى كُلِّ بَيْتٍ
يَقُولُ حَمَانِي هُنَا الزَّارِعُونْ
الربيع هنا يرمز للنهضة، والزارعون هم بناة المجتمع.
المدن والتفاصيل الحية:يذكر الشاعر مدن كوسوفا بأسلوب وصفي حيوي:
(بِرِيشِينَا) فِي القَلْبِ نُورٌ أَصِيلٌ
وَيَسْبَحُ فِي (غَرْمِيَا) السَّابِحُونْ
ذكر المدن مثل “بريشينا” و”غرميا” يُضفي واقعية على القصيدة، ويجعل الصورة أكثر حميمية.
- الختام البطولي:يُنهي الشاعر القصيدة بتأكيد الصمود:
وَفِي كُلِّ رُكْنٍ وَفِي كُلِّ دَرْبٍ
تَقُولُ الخِصَالُ هُنَا صَامِدُونْ
“صامدون” تُلخّص روح القصيدة، مؤكدةً على المقاومة والثبات.
الخاتمة
قصيدة “كوسوفا” لمحمد الشرقاوي تُجسّد لوحة شعرية مليئة بالرمزية والعاطفة الجياشة، حيث مزج الشاعر بين الفخر التاريخي والحنين إلى الأرض. تميّزت القصيدة بأسلوبها التصويري القوي، مستخدمًا الاستعارات والتكرار لتأكيد المعاني. كما نجح في ربط كوسوفا بالهوية العربية والإسلامية، مما يعكس رؤيته للوحدة الثقافية. من الناحية الفنية، تمتاز القصيدة بإيقاع موسيقي متناغم، يعكس جمالية اللغة وقوة المعنى. تُعتبر هذه القصيدة نشيدًا وطنيًا يُخلّد تاريخ كوسوفا، ويُعبّر عن آمال شعبها في الحرية والازدهار.
ملحق ختامي: تكريمات الشاعر ومشاريعه قيد النشر
أولًا: مظاهر التكريم والتقدير المؤسسي والثقافي
لقد نال الشاعر محمد الشرقاوي تقديرًا رفيعًا من مؤسسات ثقافية وأكاديمية متعددة، تأكيدًا لمكانته الأدبية، واعترافًا بدوره الإبداعي في مجالات الشعر، وأدب الطفولة، والمقال التربوي. من أبرز مظاهر التكريم:
- مؤتمر اللجنة الفكرية بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر (2018)
- جامعات الزقازيق، دمنهور، والديدامون بمحافظة الشرقية
- مؤتمر إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد – الفيوم (2023) ممثلًا لأدباء الجيزة
- مؤسسة الحسيني الثقافية وصالون يونس الثقافي بالدقهلية
- رابطة الأدب الإسلامي العالمية
- جمعيات ثقافية نوبية: عافية – أدندان – آرمنا
كما أدرجت أعماله في مكتبات وزارة التعليم، ونوقشت رسائل جامعية حول إنتاجه، ونُشرت عنه دراسات نقدية في مجلات وكتب مؤتمرات داخل مصر وخارجها.
ثانيًا: الأعمال الأدبية قيد النشر
يمتلك الشرقاوي رصيدًا أدبيًا قيد النشر يتنوّع بين الشعر الفصيح والعامي، وأدب الأطفال، والقصة القصيرة، ومنها:
- دواوين شعر فصحى للكبار
- دواوين شعر فصحى للأطفال
- دواوين شعر عامية للكبار والأطفال
- دواوين رباعيات بالفصحى والعامية
- مجموعات قصصية للكبار والأطفال
- أشعار بالفرنسية (فرانكو أراب) تمثل انفتاحًا لغويًا وثقافيًا متميزًا
الخاتمة
تكشف دراسة تجربة الشاعر محمد الشرقاوي أن الأدب لا يُقاس بطول القصائد أو عدد الإصدارات، بل بمقدار ما يتركه في ضمير القارئ والمجتمع من أثر فكري وإنساني. ومن خلال تحليلاتنا للأعمال الشعرية والقصصية والنقدية التي قدّمها، وما قيل عنه في الجامعات ومؤسسات النشر، يظهر الشرقاوي بوصفه شاعرًا تربويًا، مؤمنًا بالوظيفة الأخلاقية للكتابة، وبقدرة الشعر على بناء المواطن، لا فقط تزيين اللغة.
إن مساهماته في أدب الطفل، واشتباكاته النقدية مع النصوص المعاصرة، وقصيدته العميقة “كوسوفا”، كلها شواهد على أن الرسالة الثقافية يمكنها أن تتجسّد في قصيدة، وتُقرأ في ساحة، وتُدرّس في فصل، وتُحفظ في ذاكرة الجماعة. يبقى الشرقاوي من الذين كتبوا “ليضيئوا”، لا “ليظهروا”، وأدبه من النوع الذي لا يُنسى لأنه صادقٌ في هويته، مقاومٌ في لغته، وممتدٌ في أثره.
✦ القصيدة
من نبع النيل إلى ظلال البَلقان
إهداء إلى الشاعر محمد الشرقاوي
بقلم: د. بكر إسماعيل الكوسوفي
يا شاعري من “أسيوطَ” حيثُ الحرفُ انطلقْ
وسافرَ النورُ في نيلٍ به العِطرُ انسكبْ
أتيتَ نحوي من الضادِ التي رفرفتْ
بينَ “الجيزةِ” و”المعادي”… ثمَّ بالأدبِ ارتقى الخَطْبُ
عرفتُ فيكَ من النيلِ وفاءَ فتىً
يروي القصيدَ كأنَّه نَبعٌ من الذهبِ
أهديتني “كوسوفا” قصيدةَ عاشقٍ
ما زالَ ينقشُ في ضميرِ الشرقِ ملحمتي
وأنا المقيمُ على الربى في موطني
لكنَّ قلبي زارَ “أبنوبًا” مع الكُتُبِ
كأنّنا التقينا فوقَ جسرٍ من رؤى
يبنيه حلمُ الأوفياءِ من العُربِ
صعيدُ مصرَ وكلُّ نَخلِهِ صلّى لنا
والأُهرَ تُنصتُ للدُعاءِ من المغتربِ
يا من غمستَ القلمَ في حبرِ السماحةِ
هلْ ضاعتِ الرؤيا على أدبِ المُجرِّبِ؟
يا من نثرتَ الزهرَ في ساحاتِ مدرستي
وربيتَ طفلَكَ في قصائدِكَ المُحبّبِ
أنا لا أنسى حينَ عرّفتني على
شعراءِ مصرَ، وجعلتَ الشعرَ مُرتَقَبي
ما بينَ “بريشتينا” و”نيلِكَ” ألفُ ذاكرةٍ
وسؤالُ طفلٍ عن كرامتِهِ المُستلبِ
فإليكَ مني كلُّ حُبٍّ دائمٍ
يا أيّها الشاعرُ المربي، أيُّها العذبُ
✦ الدراسة النقدية الموسّعة
القصيدة كجسر شعري بين الضفتين: قراءة نقدية في قصيدة “من نبع النيل إلى ظلال البلقان“
تأتي هذه القصيدة في إطار علاقة أدبية وإنسانية امتدت عبر الزمن بين الشاعر الكوسوفي الدكتور بكر إسماعيل والشاعر المصري محمد الشرقاوي. وهي علاقة تُجسّد تفاعلاً ثنائيًا بين ثقافتين، عبر فضاء من القيم المشتركة والهمّ الإنساني، خاصة في ظل اشتراك الطرفين في الدفاع الأدبي عن قضية كوسوفا، وتمثيل الإبداع بوصفه مقاومة وموقفًا.
القصيدة لا تُصنّف ضمن الغرض “الرثائي” أو “المدحي” التقليدي، بل تتجاوزهما إلى ما يمكن تسميته بـ”الشهادة الوجدانية المتبادلة”، حيث يُخلّد الشاعر وفاء الآخر في حضرة المعنى والقضية.
2.البنية الموضوعية: من التقديم الشخصي إلى الإيحاء الكوني
أ. المحور الذاتي – اللقاء المعرفي بين شاعرَين
يفتتح النص بمناداة موجهة:
“يا شاعري من أسيوطَ…”
وفيها تتجلى العلاقة المباشرة، حيث يستحضر الشاعر البعد المكاني (أسيوط، النيل، المعادي) كمحددٍ لهوية الشرقاوي، مشيدًا بخصوصية بيئته الثقافية.
ب. المحور التاريخي – كوسوفا كقضية جامعة
يحضرُ نص الشرقاوي عن كوسوفا كعنصر حاسم في تشكيل القصيدة:
“أهديتني كوسوفا قصيدةَ عاشقٍ…”
“ما زالَ ينقشُ في ضميرِ الشرقِ ملحمتي”
وهو تذكير ضمني بالقصيدة التي كتبها الشرقاوي دفاعًا عن كوسوفا، ما يجعل هذا النص ردًا وجدانيًا مزدوج الدلالة: وفاءً شخصيًا، وامتنانًا ثقافيًا.
ج. المحور الجغرافي الرمزي – تلاقي “النيل” و”البلقان“
تغدو الجغرافيا هنا لغة رمزية، تتقاطع فيها “بريشتينا” و”أبنوب”، “الأهرامات” و”صعيد مصر”، ضمن صورة أخوّة حضارية:
“كأنّنا التقينا فوق جسرٍ من رؤى…”
“صعيدُ مصرَ وكلُّ نَخلِهِ صلّى لنا…”
هذه الصور تُعيد صياغة العلاقات بين الشعوب، وتؤسس لجسر من التوازي الحضاري والفني بين الضفتين.
3.السمات الأسلوبية: ملامح الشعر الرسالي المعاصر
أ. التراكيب الرمزية:
- “غمستَ القلمَ في حبرِ السماحةِ”: رمز لكتابةٍ أخلاقية مؤمنة بالقيم.
- “يبنيه حلم الأوفياء”: رمز للأخلاق والمبادئ كأساس للكتابة.
ب. الإيقاع الوزني:
- اعتماد البحر الكامل في بناء القصيدة، يُضفي طابعًا وقورًا ويُناسب مقام المديح العاطفي المرتكز على الوقار والعقلانية.
ج. اللغة الحميمية:
- يخاطب الشاعر نظيره بلغة وجدانية مباشرة، بدون زوائد خطابية، مما يعزز الصدق العاطفي للنص.
- العلاقة الأدبية بين الشاعرين: جدل الأدب والقضية
يبرز النص كشهادة على علاقة فريدة بين شاعرَيْن ينتميان إلى مشهدين ثقافيين مختلفين جغرافيًا، لكن متقاربين وجدانيًا من خلال رابطة الأدب الإسلامي، ومشروعهما التربوي في خدمة الطفولة والقيم.
وقد كان لكلٍّ منهما مساهمة مميزة:
- الشرقاوي: الدفاع عن كوسوفا بقصيدة عاطفية – وطنية.
- بكر إسماعيل: التأريخ والاحتفاء بشعر الشرقاوي ونقد أعماله التربوية.
5.وظيفة النص في السياق الثقافي
هذه القصيدة تمثل نموذجًا لما يمكن أن يُسمّى “الأدب العابر للحدود الجغرافية“، حيث تتشكل القصيدة كتعبير عن وحدة اللغة والهمّ، في مواجهة التجزئة السياسية أو الثقافية. فهي تنتمي إلى ما يُعرف بالمدرسة الأخلاقية التبادلية في الأدب المعاصر، حيث تُستثمر اللغة في نسج التضامن لا الهيمنة، والحوار لا الفوقية.
6.خاتمة: في مديح الوفاء المشترك
ليس هذا النص مجرد إهداء، بل وثيقة وجدانية تحفّز على إعادة الاعتبار للصلات الثقافية بين الشعوب من خلال الشعر. هو وفاء شعري وإنساني، يجمع بين شخصين جمعتهما الرسالة، وفرّقتهما الجغرافيا، لكنهّما اجتمعا في “كوسوفا” التي تحوّلت إلى رمز ثقافي وموقف أدبي.
كاتب الدراسة السفير والممثل السابق لكوسوفا لدى بعض الدول العربية
عضو مجمع اللغة العربية – مراسل في مصر
عضو اتحاد الكتاب في كوسوفا ومصر