الكاتب الصحفي محمد يوسف العزيزي يكتب : من الشهرة إلى الجريمة : الوجه المظلم لعالم الترند والتيك توكرز

الكاتب الصحفي محمد العزيزي

لم تعد ظاهرة “الترند” و”التيك توكرز” مجرد محتوى ترفيهي أو تسلية عابرة كما بدأت، بل تحولت في الفترة الأخيرة إلى خطر مجتمعي متعدد الأوجه، لا يقل في تأثيره السلبي عن غيره من التحديات التي تهدد استقرار القيم وتماسك الوعي العام، خصوصًا مع ما نرصده يوميًا من تسارع حالات الثراء السريع التي يجنيها هؤلاء عبر محتوى هابط  بل ومخالف للقانون والأخلاق في معظمه

فمن خلال فيديوهات مصنوعة بإتقان تستهدف الإثارة أو خدش الحياء أو استعراض أنماط سلوك شاذة تمكن بعض محترفي هذه المنصات من تكوين ثروات ضخمة في وقت قصير، وهو ما أحدث خللًا واضحًا في مفاهيم النجاح والمكانة الاجتماعية لدى قطاع عريض من الشباب والمراهقين الذين باتوا يتعاملون مع التعليم والعمل والاجتهاد كمسارات مملة لا تدر أرباحًا سريعة بل يرونها طريقًا طويلًا محفوفًا بالتضحيات مقارنة بما تحققه “ترندات” فارغة من مضمونها يصنعها جهلة لا علم لديهم ولا ثقافة وربما لا شهادات تعليمية غير ما يملكونه من رُخص وتدني أخلاقي !

الخطر لا يتوقف عند حدود التأثير السلبي على سلوكيات الشباب، بل يمتد إلى مستقبل الوظائف المحترمة التي يقوم عليها تقدم المجتمع، إذ نشهد عزوفًا متزايدًا عن المهن الحقيقية التي تبني الأوطان لصالح حلم الشهرة والربح السهل!

في هذا السياق، يطرح البعض تساؤلًا مهمًا: هل تأخرت أجهزة الدولة وعلى رأسها وزارة الداخلية في التصدي لهذه الظاهرة حتى تفاقمت ووصلت إلى هذا المستوى من الجرائم المرتبطة بها ؟

فهناك وقائع مؤكدة تتعلق بغسل الأموال وترويج المخدرات والاتجار في كل الممنوعات والابتزاز، وهي جرائم يعاقب عليها القانون، لكن المدهش أن كثيرًا منها بدأ تحت ستار “الترفيه الرقمي”.

والحقيقة أن التعامل مع هذه الظاهرة المعقدة لا يمكن أن يكون أمنيًا فقط، رغم أهمية الملاحقة القانونية لكل من يتجاوز، بل يجب أن يشمل معالجة تشريعية متكاملة تأخذ في الاعتبار خصوصية هذه الوسائل الجديدة التي لا تخضع بسهولة للرقابة التقليدية، وهنا يبرز سؤال مشروع : هل نحن بحاجة إلى تغليظ العقوبات؟ وهل توجد بالفعل نصوص قانونية يمكن تفعيلها أو تعديلها للحد من هذه الانفلاتات؟

الإجابة تتطلب مراجعة قانونية دقيقة، إذ يتضمن قانون العقوبات المصري بعض المواد التي تجرم التحريض على الفسق ونشر محتوى غير أخلاقي، وكذلك الجرائم المتعلقة بالأمن والسلم الاجتماعي، إلا أن التطبيق العملي لهذه المواد يظل مقيدًا بعدة عوامل، منها صعوبة المراقبة الرقمية، والجدل المستمر حول حرية التعبير على المنصات

الإلكترونية.

ومن هنا يصبح جليًا أن المواجهة الحقيقية لهذا الخطر تستوجب تضافر كل مؤسسات المجتمع، بدءًا من الأسرة التي يجب أن تستعيد دورها في التوعية والتقويم، والمدرسة التي يقع على عاتقها مهمة بناء وعي نقدي لدى الطلاب وصولًا إلى الإعلام الذي يتحمل مسؤولية تقديم القدوة والمحتوى الهادف الذي يعلي من قيمة الجهد والعمل الحقيقي.

ولا يمكن الاكتفاء بما تقوم به وزارة الداخلية، على الرغم من أهمية دورها، بل أصبح من الضروري التفكير الجاد في إصدار قانون ينظم هذه المنصات دون أن يكون ذلك على حساب حرية التعبير المسؤولة. فحرية الرأي لا تعني الانفلات ولا تبرر الفوضى الرقمية، وإنما يجب أن ترتكز على ضوابط تحمي المجتمع وتحفظ كرامته وتماسكه.

اليوم المجتمع أمام لحظة فارقة، إما أن يتصدى لهذه الظاهرة العابرة للحدود والتي تتغذى على غياب الرقابة والوعي، أو يترك نفسه نهبًا لفكر استهلاكي مشوه لا يعترف بالقيمة ولا يحترم الإنسان.

إن ترسيخ الوعي العام وتحديث أدوات المواجهة القانونية والإعلامية والتربوية لم يعد ترفًا، بل أصبح ضرورة وطنية لحماية المجتمع من خطر يتمدد في صمت تحت مسمى “الترند”.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.