الكاتب محمد نبيل محمد يكتب :  قناة السويس العبور الدائم والتخل المستحيل

 محاولات رشدي باشا لحيادية القناة خلال معارك الحرب العالمية الاولى

الكاتب محمد نبيل محمد

نستكمل احداث قناة السويس خلال معارك الحرب العالمية الاولى وكيف ورطت بريطانيا مصر والقناة خلال الحرب ….
رغم الإجراءات البريطانية المتتالية، أعلنت مصر حيادها، وأصدر رشدي باشا رئيس الوزراء والقائم مقام الخديوي بتعليماته بمراعاة حياد الموانئ المصرية لضمان حياد قناة السويس، وكان الرجل يرغب في استمرار حياد مصر حتى لا يزج بمصر والشعب المصري في أتون حرب لاصالح لمصر فيها ولا مكاسب منها ، ولكن مبدأ حياد مصر صنع إشكالية معقدة حيث كيف تكون مصر دولة محايدة تجاه أطراف الحرب الأوروبية – الأوروبية، وهي في ذات الوقت أشبه بمستعمرة بريطانية يتدفق عليها جنود الإمبراطورية البريطانية ، وينتشرون في أرجائها، ولسلطات الاحتلال اليد الثقيلة في البلاد.
لم يستطع رشدي باشا الاستمرار على مبدأ حياد مصر طويلًا ، فقد وضع على عاتقه مسئولية جسيمة مترتبة على قيامه بالحكم بالنيابة من الخديوي عباس الثاني وفي ظروف داخلية ودولية شديدة الخطورة والتعقيد.
ويرجع ذلك للأسباب التالية:
 لأن بالفعل مصر محتلة عسكريًّا وسياسيًّا منذ 1882.
 الاحتفاظ بوضعية خاصة تمكن مصر من المطالبة بالجلاء أو الاستقلال الذاتي أو طلب عقد اتفاقية دفاعية أوهجومية مع الإمبراطورية البريطانية.
 أراد أن ينجو بمصر من تغيير وضعية حالتها السياسية من ولاية تابعة للدولة العثمانية إلى مستعمرة بريطانية تضم إلى الإمبراطورية.
 مصر في أضعف حالاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية.
 القوى الأوروبية في أزمة حرب كبرى، وأن أية مناورة قد تودى بمستقبل مصر.
 ربما رأى رشدي باشا أن تعارض المصالح المصرية البريطانية ليس في مصلحة مصـر، وإنما تَواؤُم المصالح، قد يمنح مصر فرصًا أفضل.
إجراءات الاحتلال لتوريط المصريين بدخول الحرب
جندت السلطات البريطانية في مصر بعض الصحف المصرية لتقوم بحملة دعائية ضد حياد مصـر وضرورة دخولها الحرب إلى جانب الحلفاء وقد مارس المندوب السامي في مصـر ضغوطًا هائلة، وانتهى الأمر بتوقيع قرار في 5 أغسطس الذي أخرج مصر من حيدتها إلى جانب الحلفاء، وبذا أصبحت مصر رهن إشارة بريطانيا كحليف حرب وكجزء من إمبراطوريتها وبذا أيضًا دخلت مصـر الحرب مجانًا دون وعود لتحقيق مكاسب لمصر ولو في حدها الأدنى ، أو دون وضع شروط أو حيازة وعود بالتعويضات المناسبة , كما عطلت سلطة الاحتلال الهيئة النيابية خشية ظهور أحداث معارضة لها تجاه إجراءاتها التعسفية، وتجاه ما فرضته على مصر وكأنها قاعدة عسكرية بريطانية ، فرأت إسكاتها نهائيًّا حتى نهاية الحرب ، وكذلك فرضت الرقابة على المنشورات والبرقيات والرسائل ، كما فرضت رقابة صارمة على الصحف ، وعطل بعض منها ، وظهرت بعض الصحف بفراغات بيضاء وهو ما يعني حذف الرقابة لها.
لم تكتفِ بتكميم الأفواه بل أصدرت قانون التجمهر في 18 أكتوبر 1914، لمنع أي تجمع أواجتماع، وخولت لرجال السلطة تفريق أي تجمع من خمسة أشخاص على الأقل في طريق عام أومحل عمومى، ومن لا يمتثل يتعرض للعقوبة ، كما أعلنت الأحكام العرفية في البلاد اعتبارًا من 1 نوفمبر 1914.
بعد قرار 5 أغسطس 1914، وبعد تلك الإجراءات ، كان لا بد من تغيير وضع مصر السياسي لذا تلقى شيتهام نائب المعتمد البريطاني في مصر من إدوارد جراى وزير الخارجية البريطاني فى 27 سبتمبر 1914 برقية يبلغه فيها:
– إنهاء السيادة العثمانية على مصر.
– وضع مصر تحت الحماية البريطانية في حالة اشتراك تركيا في الحرب.
– ضرورة عزل الخديوي عباس الثاني، وتعيين الأمير حسين كامل.
لماذا الحماية ؟
هل خوفًا من المصريين؟
فمنذ بداية الحرب واجهت بريطانيا مشكلة الوضع الدولي لمصـر، فكان لزامًا عليها أن تجعل تواجدها في مصر ذا صفة شرعية حيث من المنظور القانوني لا صفة تبرر تواجدها واحتلالها لمصر، كما أنه لم يكن هناك اتفاق أو معاهدة بين بريطانيا ومصر يعطي للقنصل البريطاني والموظفين المنتشرين في الدواوين الحكومية، أو التواجد العسكري الكثيف صفة أو سلطات في الدستور أو القانون لذا فرضت الحماية البريطانية على مصر في 19 ديسمبر 1914 بعد جدل احتدم بين الإدارة البريطانية ونائب المعتمد البريطاني في مصر حول اختيار فرض الحماية أم ضم مصر للإمبراطورية البريطانية، رأى شيتهام أن الحماية أخف وطأة من الضم لأسباب جميعها تتعلق بمصالح بريطانيا ومنها:
 مواصلة اتباع سياسة كرومر إلى إبقاء الحكم في أيدي المصريين ومن ورائهم الإنجليز.
 عدم إثارة رجال الدين ومن ورائهم الشعب في حالة رفع العلم البريطاني على مصر.
 فرض حاكم بريطاني يتعارض تمامًا مع العزة الوطنية لدى المصريين من أن حاكمهم وطني مستقل، وهو ما سيؤدي إلى انتشار الاضطرابات واختلال الأمن الداخلي.
 الحماية أقل تكلفة في عدد البريطانيين المتواجدين في مصر، إضافة إلى أن زيادة عددهم في الوظائف الحكومية سيؤدي إلى خلل اجتماعي واقتصادي.
 تبدو الحماية وكأنها خطوة في سبيل الحكم الذاتي لتسهيل تعاون المصريين مع بريطانيا، وخاصة أنها في حاجة ماسة إلى جهود وأموال وأراضي المصريين.
 الحماية نظام يحافظ على الشكل الظاهري لنظام الحكم في مصر، وخاصة أن الخطوة شديدة الخطورة من التحول من الخلافة الإسلامية إلى التاج الإمبراطوري البريطاني.
 نظام الحماية يحافظ على هوية مصر وهوية المواطنين، والخشية من تحولهم إلى نظام الضم إلى رعايا بريطانيين وهو ما سيؤدي حتمًا إلى قلاقل وخلل شديدين في الأمن الداخلي لايمكن احتواؤه.
 الحماية أفضل – من المنظور البريطاني – خشية أثره في البلاد العربية التي بدأت في التمرد والوقوف ضد دولة الخلافة.
وقد عينت الحكومة البريطانية هنري مكماهون معتمدًا بريطانيًا ساميًا لمصر ، وبدلت اسم الوكالة البريطانية إلى دار الحماية البريطانية وتفاوضت دار الحماية مع الأمير حسين كامل ، وأعلن سلطانًا على مصر في 20 ديسمبر 1914.
ونستكمل فى القادم ان شاء الله الدفاع عن قناة السويس وبدء الحملات التركية الألمانية فى معارك اثناء الحرب العالمية الأولى .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.