الكاتب محمد نبيل محمد يكتب : قناة السويس العبور الدائم والتدخل المستحيل (١٠)
قناة السويس والحرب العالمية الاولى - معركة رمانة

تعد معركة رمانة نهاية حملة قناة السويس الثانية أهم معارك الحرب العالمية الأولى في أغسطس 1916م كصراع عسكري دولى بين القوى العظمى – أنذاك – للسيطرة على قناة السويس لأهميتها الاستراتيجية في حسم الصراع وإنهاء الحرب العالمية الأولى.
حالة مصر وإجراءات بريطانيا وهجوم الأتراك
كان للسياسة البريطانية تصورها الإستراجيتي الكامل لامبراطورية ضخمة، وقد وضعتها من خلال عملية متواصلة على مراحل تتفاعل مع متغيرات دولية كانت من ضمن عناصر هذه الإستراتيجية مطالب السيطرة على طريق التجارة البحرية، وحسم الصراع على البحر الأحمر والبحر المتوسط، وتأكيد مركزها المالي والتجاري الحاكم، وأيضًا تأمين خطوط المواصلات للإمبراطورية إلى الهند، ولتحقيق المطلب الأخير، كان لا بد من احتلال مصر لحماية طريق الهند المار من قناة السويس، ولما حققت ما تهدف إليه، وجهت جهودها نحو الدفاع عن قناة السويس وعن مصر.
مع بدايات القرن العشرين كانت هناك ظواهر سياسية وإقتصادية تشير إلى تغير في موازين القوى الدولية ، وتغير نمط التحالفات مما يؤدي إلى احتمال صدام كبير قادم ، ففى عام 1904 توصلت بريطانيا وفرنسا إلى الوفاق الودي بينهما ومن جانب اخراستطاعت ألمانيا بناء قوة عسكرية ضخمة ولذا سعت إلى بناء تحالفات عسكرية وسياسية جعلتها تسعى نحو تركيا التي كانت تشك كثيرًا في نيات بريطانيا تجاه المشرق العربي، رغم وعودها المتكررة بالجلاء عن مصر.
في حقيقة الأمر، فإن بريطانيا كانت ترسخ وجودها السياسي والعسكري في مصر، وتحكم قبضتها على السودان، وتسعى سعيًا دؤوبًا وجادًا نحو بناء عشرات المستوطنات اليهودية في فلسطين، وكانت تركيا تخشى من عواقب الوفاق الودي على دمشق وولاية بيروت من النشاط الفرنسي تجاههما.
دفعت هذه الظواهر السياسية والتحركات الخفية تركيا نحو التحالف مع ألمانيا القوة العسكرية الناشئة حينئذ ، وذلك ما نشأ عنه خلل كبير وبخاصة أن ألمانيا تطالب باستحقاقاتها في توزيع المستعمرات.
دلت هذه الوقائع على أن أوروبا تقترب من حرب كبرى من أجل رسم خريطة جديدة لمواقف القوة والنفوذ، كما دلت على أن منطقة الشرق الأوسط هي أحد ميادين الصراع.
عندما نشبت الحرب العالمية الأولى تأخرت تركيا عدة شهور قبل أن تقرر نهائيًّا دخولها إلى جانب ألمانيا ، كان على الإمبراطورية البريطانية – وهي الطرف الأقوى والأكبر في التحالف – أن تستعد سواء انحازت تركيا إلى ألمانيا ودخلت الحرب، أم امتنعت عن دخولها، ففي الحالتين كانت أملاك الخلافة العثمانية في المشرق العربي إرثًا حان استحقاقه مهما كان موقف تركيا المتعارف عليها فى ادبيات السياسة الاستعمارية “برجل اوربا الضعيف”
تمهيد بريطانيا لوضع الحماية
كانت إدارة المخابرات السياسية البريطانية في القاهرة تعي حقيقة مهمة، وهي المكانة الخاصة لفكرة الخلافة والولاء
لتركيا، فقد التبس الفكر بسبب الاعتبار الديني من قبل الولاء للخليفة، مع الفعل وهو المطالبة بالاستقلال والتحرر،
فلا شك في أن رد فعل الشعوب العربية الإسلامية سيكون مؤثرًا إذا ما أعلن خليفة المسلمين الجهاد، وهي فريضة
منوط بأدائها إذا ما هدد المسلمين خطر أوواجهوا عدوانًا.
هنا عينت الإدارة البريطانية جون ماكسويل قائدًا عامًا لقوات الجيوش البريطانية في سبتمبر 1914، وكان يرجح دخول
تركيا إلى جانب ألمانيا، وأن أول خطوة لها في ميدان الحرب سوف تكون هجومًا على فلسطين عبر شبه جزيرة سيناء
للوصول إلى قناة السويس، مما يعني تهديد الوجود البريطاني في مصـر، وبالتالي فإنه يرى ضرورة استباق خطوة
الأتراك المحتملة والتقدم نحو العريش لمواجهة هجوم تركي بعيدًا عن قناة السويس، واستقر الأمر على اتخاذ قرار
بالاستعداد الدفاعى يسمح له بحماية مصـر وحماية قناة السويس بإعلان بريطانيا الحرب على الدولة العثمانية في
31 أكتوبر 1914، رأت ضرورة السيطرة التامة على مصر والقضاء على التبعية الاسمية لها خاصة وهي تعلم جيدًا أن
الهدف هو استعادة الدولة العثمانية لسيطرتها الفعلية على مصر، وفي النصف الأول من سبتمبر 1914 كان الجيش
العثماني على أهبة الاستعداد على الحدود الشرقية المصرية لاختراق سيناء لاستعادة مصر، عملت بريطانيا منذ
اليوم الأول لنشوب الحرب معها على جعل مصر أشبه بمستعمرة إنجليزية، فأرسلت الحاميات العسكرية إلى
الإسكندرية وضواحيها لحفر الخنادق وإقامة التحصينات على السواحل المصـرية عامة، ووزعت الجنود الإنجليز لمراقبة
الحدود المصرية، وكانت الأهم هي الحدود المصـرية الشـرقية، كما أصدرت الأوامر للأسطول البحري البريطاني في
البحر المتوسط بالاقتراب من الساحل الشمالي المصري.
نستكمل فى القادم ان شاء الله محاولات رشدي باشا لحيادية القناة.