ملامح من مجلد د غريب جمعة عن ” الإمام الخضر حسين ” شيخ الأزهر

بقلم الشاعر محمد الشرقاوي (المقال الثاني)

إن الكتابة عن العظماء ومدارسة أفكارهم ومؤلفاتهم من أفضل وأضمن الطرق لغرس بذور الأمجاد ورسم طرق الأعياد وضمان تهذيب الأبناء والأحفاد، وها نحن نبدأ الجولة الثانية من رحلتنا عبر هذا المحيط العلمي الشاسع -مجلد المفكر الإسلامي والطبيب والداعية د غريب جمعة عن فضيلة العلامة الإمام الخضر حسين شيخ الأزهر- وقد تحدثنا في المقال الأول عن الإهداء والمقدمات الثلاث والتمهيد بما يشبه الاستعانة بوسائل الإبحار المعينة على هذه الرحلة.

أما عن مقالنا هذا فسوف يتناول الباب الأول بفصليه الأول والثاني حيث الحديث عن المرحلة التونسية من حياة الإمام -منذ مولده عام ١٨٧٣ حتى هجرته إلى سوريا عام ١٩١٢ م ففي الفصل الأول يتناول الكاتب ثلاثة محاور أساسية كالتالي: مولد الإمام، نشأته، ثم دراسته. ولمزيد من التوضيح فإن نسب الإمام من ناحيتي أبيه وأمه يعود إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد أقام والده قبل الزواج وكذلك أجداده في مدينة طولقة الجزائرية من منطقة الزاب على حدود تونس واشتهرت تلك العائلة بالعلم والصلاح والورع وفي المجلد نماذج عديدة من أعلام هذه العائلة والنابغين والمجاهدين من أبنائها ممن سيأتي ذكرهم، وأما الفصل الثاني فقد خصصه الكاتب للحديث عن مجلة السعادة العظمى التي أنشأها الإمام وتكفل برعايتها وفيما يلي تفصيل بعد إجمال.

– الهجرة إلى تونس

تنكشف الأسرار من خلال السطور فتوضح لنا أن عام ١٢٥٧ هجرية الموافق ١٨٣٣ م هو تاريخ انتقال العائلة -الشيخ مصطفى بن عزوز وهو جد الإمام من ناحية الأم مع والد الإمام- إلى مدينة نفطة في الجنوب التونسي، تلك الهجرة التي كان هدفها في المقام الأول إقامة زاوية علمية ضمت بعد ذلك مدرسة لتعليم العلوم الدينية مع فروع العلم الأخرى التي تنهض بالمجتمع وتقاوم الاحتلال الفرنسي وفي هذه المدينة تم زواج والد الإمام من ابنة شيخه مصطفى بن عزوز واسمها حليمة السعدية وفي توضيح الاسم لمحة طيبة من كاتبنا وإشارة إلى الشخصية العظيمة مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم مما يوحي بالتفاؤل والأمل في حسن الذرية من هذا الزواج المبارك.

ومن شدة اهتمام كاتبنا بسيرة الإمام فقد أورد لنا ظروف اختيار اسمه الذي كان أولا محمد الأخضر بن الحسين ثم استقر إلى محمد الخضر حسين تيمنا باسم العبد الصالح الذي وردت قصته مع سيدنا موسى في سورة الكهف وهكذا الإخلاص في البحث والتنقيب والتثبث والتأكد بأكثر من وسيلة لأن سيرة الإمام وأمثاله من العظماء أمانة ثقيلة في عنق من يتصدى لدراستها والكتابة عنها وما ذكره وسجله د غريب يفيد لاحقا عند الدخول في مراحل النضال المشرف.

– شخصيات مؤثرة في حياة الإمام

أما السطور القادمة فتوضح بما لا يدع مجالا للشك أن الكاتب يقرأ جيدا ما يدور في أذهان القراء ولذلك يبادر بذكر معلومات وافية عن الشخصيات المؤثرة في حياة الإمام الخضر حسين ويكفينا هنا ذكر مثالين من أبرز وأقوى الأمثلة وهما:

أولا، خاله الشيخ والعالم والقاضي محمد المكي أحد كبار العلماء حينذاك وقد امتلأ قلبه حبا لابن أخته وقام على رعايته وتعليمه وتنمية شخصيته وفكره وقد اعترف الإمام بهذا الفضل وهو فخور ومعتز به، أما الشخصية الثانية فهي والدته التي عرفت بالعلم والتقوى وقوة الشخصية وسداد الرأي فكان لها فضل عظيم في تعليم الإمام وأخوته جانبا واسعا من علوم الدين واللغة وليس هذا بغريب عنها فهي ابنة العالم الفقيه الشيخ مصطفى بن عزوز أحد رواد النهضة العلمية والإصلاحية في تونس والشمال الأفريقي بصفة عامة وقد رثاها الإمام بأبيات فيها من عمق الوفاء وصدق الشعور وحفظ الحقوق الكثير والكثير ونقرأ منها بعض ما ورد في صفحة ٣٤:

بنتُ عزوزٍ لقد لقنتنا

خشيةَ اللهِ وأنْ نرعى الذماما

كنتِ نورًا في حمانا مثلَ ما

نجتلي البدرَ إذا البدرُ تسامى

أفلم تحييهِ بالقرانِ في

رقةِ الخاشعِ ما عشتِ لزاما

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الإمام تذوق الشعر منذ الصغر في مجالس أقاربه من الفصحاء والبلغاء وظهرت موهبته منذ سن الثانية عشرة من عمره قبل انتقاله إلى مدينة تونس العاصمة.

– تأثير تونس العاصمة في مسيرة الامام

ثم تمضي السطور لتفتح لنا نوافذ واسعة يتدفق منها الضوء ليسهل علينا قراءة الدرر العظيمة التي نقب عنها الكاتب وصاغها في صياغة بليغة محكمة، فقد التحق الإمام بجامع الزيتونة في سن اثنتي عشرة سنة ونهل من كبار العلماء أمثال الشيخ محمد النجار والشيخ عمر بن الشيخ وغيرهما لكن هناك شخصية رائدة كان لها التأثير الاقوى والأعظم في مسيرة العلامة الخضر حسين، تلك شخصية العالم الشيخ سالم أبو حاجب الذي أعجب بذكاء الإمام وعشقه للعلم وقدرته الفائقة على التحاور بالدليل القاطع وعن الشيخ سالم يخبرنا د غريب بما وضحه الإمام عن شيخه الذي كان شديد الاعتزاز بعلمه ورسالته الفكرية وليس أدل على ذلك من رفضه وسام الملك في تونس ومن بعده وسام السلطان في الأستانة وتلك أمثلة يسوقها الكاتب دعوة للعلم والإخلاص له وعدم الجري وراء الأوسمة والجوائز الزائلة التي قد تبعد العلماء عن الطريق المستقيم كما نرى ونعاني في عصرنا الحالي.

– شهادة التطويع (العالمية)

ومن النقاط والتواريخ الفاصلة في سيرة الإمام كان عام ١٨٩٨ م حيث حصل على شهادة العالمية من جامع الزيتونة ويوضح لنا كاتبنا سبب تسميتها هكذا لأنها كانت تسمح لصاحبها بالتطوع لإلقاء الدروس في جامع الزيتونة وفيما يخص تلك المرحلة من شواهد نبوغ الإمام نطالع ما ورد في صفحة ٣٧ على لسان العلامة محمد الفاضل بن عاشور: (تميزت هذه المرحلة الأولى من حياته التي قضاها بتونس بالتعليم والتثقف فتكونت شخصيته ونضجت أفكاره واشتهر في الأوساط العلمية باعتداله وهدوء طبعه وخلوص نيته وبراعة قلمه) وكان لشهادة العالمية -كما يبين د غريب- تأثير كبير في شهرة الإمام لكن دون اهتمام يذكر من المسئولين عن مشيخة الجامع والسبب في ذلك هو سيادة فكرة الطبقية آنذاك.

– مواصلة الجهاد

يعود بنا الكاتب مرة بعد أخرى لتوضيح أهم وأقوى صفات الإمام وهي العزيمة التي جعلته ينطلق كالسهم في سبيل العلم والإصلاح ومن نتائجها إصداره لمجلة السعادة العظمى عام ١٩٠٤ م ثم رفضه للإستمرار في منصب القضاء في بنزرت بعد توليته عام ١٩٠٥ م ومما ذكره بنفسه من أسباب ذلك نقرأ ما جاء في صفحة ٣٨: (وكنت قد وليت في تونس قضاء بنزرت وملحقاتها فأحسست أن هذه الولاية ستقف بي في العلم عند حد وصغرت في عيني فاستقلت منها بعد أن قمت بواجبها نحو سنة وأربعة أشهر ورجعت إلى الحاضرة وأقبلت على التدريس بجامع الزيتونة) وبعد هذا الكلام يشيد د غريب بموقف الإمام حين رفض أن يكون أداة طيعة في يد المحتل من خلال منصب القضاء كما رفض عضوية المحكمة المختلطة التي كانت تحت نفوذ الاحتلال.

وتتصاعد الأمور في تطور حماسي لمواقف الإمام الذي ازدادت خطبه التوعوية وارتكزت على عدة محاور أهمها:

– الدعوة الصريحة لمكافحة الاحتلال

– الدعوة لتوجيه الاهتمام باللغة العربية

– المطالبة بالإصلاح الشامل في التعليم

وقد لاقت تلك الدعوات إعجاب الشعب وكان لفصاحة الإمام ومقدرته البلاغية الفائقة أكبر الأثر في جذب أسماع وعقول كل من يسمعه حتى أدت إلى قيام طلاب الزيتونة بإضراب شامل عن التعليم بدأ يوم ١٦ أبريل ١٩١١ م وهنا أدرك الاحتلال أن الإمام الخضر هو المحرك الرئيسي لتلك الأحداث من خلال خطبه ودعواته للتحرر.

– صحوة اجتماعية

وحتى تكتمل الصورة في عين القارئ يسوق لنا الكاتب نموذجا من صحوة المجتمع كما ورد في صفحة ٤١ عن وجود حزب تونس الفتاة بزعامة علي باشا حانبة وقيامه بدور مؤثر في التوعية والدعوة للنهضة كذلك تأييده لإضراب طلاب الزيتونة وما حدث بعد ذلك من بروز الأطماع الإيطالية في ليبيا وقيام تونس بدورها في مناهضة تلك الأطماع من خلال مساندة ليبيا بالدعم المادي والطبي وتفعيل الحماسة الشعبية عن طريق الخطب والمقالات مما أدى إلى صدامات عنيفة بين المقاومين من جهة والمحتل وجاليته من جهة أخرى وانتهت الأمور بنفي علي باشا حانبة إلى الخارج، وقد قام الإمام بدور مؤثر من خلال خطبه وأشعاره الحماسية ومنها نقرأ تلك الأبيات التي وردت في صفحة ٤٢ من قصيدته بعنوان المجد الضائع حيث يخاطب الشعب قائلا:

رُدُّوا إلى مجدِنا الذِّكْرَ الذي ذهبا

يكفي مضاجعَنا نومٌ دها حِقَبا

ولا تعودُ إلى شعبٍ مجادتُهُ

إلا إذا غامرتْ هِمّاتُه الشُّهُبا

حيّاكُمُ اللهُ قومي إنّ خيلَكم

قد ضُمِّرتْ والسباق اليومَ قد وَجَبا

وقد عدنا إلى المراجع وأضفنا البيت الثالث إلى ما أورده د غريب. وفي الأبيات دعوة صريحة للعودة للأمجاد وحتمية اليقظة وهذا لن يتحقق إلا من خلال همم عالية وقلوب تمتلك الصدق واليقين بالله والأخذ بأسباب القوة لأن المواجهة حتمية كما يوضح البيت الثالث ومما تقدم فقد بات المحتلون يضمرون العداء الشديد للإمام وقد فهم وأيقن تلك المشاعر فسافر إلى الأستانة ثم عاد لتونس ثم سافر إلى الجزائر وعاد أيضا لتونس ثم كان قراره بالهجرة إلى سوريا لتبدأ المرحلة الثانية من حياته  وسيأتي عنها الحديث لاحقا بكثير من التفاصيل.

– السعادة العظمى أول مجلة تونسية

تستمر المعلومات تدفقا كالغيث القاصد بستانا تتلهف أغصانه إلى المزيد من الماء فيأتي ليرويها ويعيد لها رونقها وجمالها، فالكاتب د غريب يجيد بقوة بناء الهرم المعلوماتي حتى يظل شامخا في تنسيق وترتيب فائق الإحكام والجمال، وهنا يأتي الحديث عن اول مجلة نشأت في تونس على يد الإمام الخضر حسين الذي أسماها السعادة العظمى لأنها في رأيه واعتقاده سبب مباشر لجلب السعادة من خلال وفرة المعلومات الدينية والحياتية التي تنهض بالمجتمع، وقد أوضح لنا المؤلف مدى تردي الأوضاع الفكرية والاجتماعية حال نشأة المجلة ومن ذلك: قوة الصراع الطبقي، عدم معرفة الناس بالإسلام، قلة المدارس وقصرها على أبناء الجاليات الأجنبية حتى يتحكموا في أمور السياسة والاقتصاد، كذلك طمع الحكام وانصرافهم لجمع المال وترك مصالح الناس وأيضا شدة الصراع بين تياري المحافظين والإصلاحيين وأدى كل ما سبق لحياة مليئة بالفوضى في كل مناحي الحياة.

– عقبات ودعائم وأهداف

وفي صفحتي ٤٦ ، ٤٧ يوضح كاتبنا بعض العقبات التي واجهتها المجلة وقت نشأتها قائلا: (وعلى الرغم من أن الشيخ جعل الاعتدال والوسطية منهج مجلته إلا أنها جوبهت بمعارضة عنيفة من المحافظين والجامدين من مشايخ الزيتونة وأمثالهم الذين هموا بما لم ينالوا من إيذاء صاحبها ووضع العقبات في طريقها لوأدها وصرف الناس عنها) وهكذا كان كاتبنا موفقا لحد بعيد في ربط الأحداث ببعضها كحبل متماسك وثوب متين متناسق الألوان وكل ذلك يصب في خدمة المحور الرئيسي للمجلد وهو نضال الإمام الخضر حسين وقوة عزيمته وفدائيته النادرة من أجل دينه وصالح بلاد المسلمين.

ومن ناحية أخرى كان للمجلة دعم ومساندة قوية من علماء كبار ورجال دولة بارزين منهم الوزير الأول الشيخ عبدالعزيز بوعتور الذي كف عن الإمام أذى المعارضين له، كذلك الشيخ سالم أبو حاجب أستاذ الإمام وأيضا صديقه محمد الطاهر بن عاشور وغيرهم كثيرون، ولعل القارئ يتشوق لمعرفة تاريخ أول عدد للمجلة فيخبرنا كاتبنا أنه صدر في أول أبريل عام ١٩٠٤م ويضيف ما حدده الإمام من أهداف عليا للمجلة تتلخص في التالي:

– إصلاح حال المسلمين

– الدعوة إلى الاتحاد وتماسك الصف

– نشر مبادئ الأخوة الإسلامية

– السعي للنهضة في مختلف المجالات

وقد تم تقسيم المحتوى إلى: افتتاحية، مباحث علمية، مباحث أدبية، أخلاق، أسئلة، مقترحات ثم مسائل متنوعة وقد ركز العددان الأولان على افتتاحية صاغها الامام مشيرا خلالها إلى أهمية العلوم الدينية وكذلك الأدبية واللغوية ومركزا على إحياء العزائم التي تقود لوحدة الشعوب ويقظتها كما دعا إلى أهمية التمسك بالقيم والأخلاق لمكافحة الفساد المنتشر ولم يغفل التركيز على ضرورة الاهتمام بنشر العلوم العصرية مثل مجالات الاقتصاد والصناعة وكافة الأعمال التي تقود لنهضة المجتمع، وبذلك أصبحت مجلة السعادة العظمى منبرا ذائع الصيت ولها متابعون في الداخل والخارج، ومما يجب ذكره أنه قد صدر منها واحد وعشرون عددا وتوقفت تماما عام ١٣٢٢ هجرية الموافق ١٩٠٥ م لأسباب منها العجز عن تمويلها بالإضافة إلى التضييق عليها من جانب المحتل الفرنسي الذي رأى في مواصلة صدورها خطرا عظيما على بقائه.

– السعادة العظمى في عيون معاصريها

وفي ختام الجولة في المرحلة التونسية من حياة الإمام الخضر حسين يورد كاتبنا نماذج من شهادات كبار العلماء والمفكرين الذين عاصروا مجلة السعادة العظمى ومن هؤلاء: العلامة محمد المكي بن عزوز (خال الإمام) كذلك العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، الأديب صالح سويس، الشيخ محمد العروس السهيلي الشريف وغيرهم. ولنقرأ مثالا على ذلك ما كتبه الشيخ محمد المكي بن عزوز من صفحة ٥٨:

(حفظ الله مقام الابن العزيز العلم النحرير و البارع الخطير سيدي محمد الخضر الشريف بن الحسين، فإنا بمجلتكم الرائقة مبتهجون ولتحريراتها السديدة شاكرون وأنبئكم أنه لما أشرقت غرتها وانبلجت ديباجتها تصفحت درر عقودها وتعمدت سبر أغوارها لنعلم كيف تربيتنا وإلى أي طور بلغ فرع دوحتنا وبأي ثمرة تفتر أكمامه وعلى الوطن بأي صفة تهب أنسامه فألفيتها شريفة المقاصد، بصيرة المراصد، مشرئبة إلى المباحث العالية ——- ) ويستمر الشيخ المكي في مواصلة ثنائه قائلا: (وبالجملة فتلك مفخرة للخضراء -تونس- بين الممالك ويفهم من آثار أهلها اعترافهم بذلك —— ) والحقيقة أن الرسالة أطول مما ذكرت هنا وفيها كل التبجيل والفخر والإشادة ويكفي الإمام فخرا أن يخاطبه خاله بلفظ سيدي وذلك اعترافا بعلمه ومكانته وكفاحه.

أما الأديب صالح سويس فقد صاغ قصيدة فخر واعتزاز بهذه المجلة نذكر منها تلك التي وردت في صفحة ٦٠:

للهِ درُّ مجلةٍ أبدتْ لنا

ما فيه تبصرةٌ لفكرٍ راقي

ومديرُها ذاك الغيورُ مَن اكتسى

حللَ المحامدِ والثناءِ الباقي

قد قام يوعِظُ قومَه بمواعظٍ

من نومَةِ التأخيرِ والإغراقِ

ثم يتاشد الأديب صالح سويس أهل تونس قائلا:

يا أهلَ تونسَ عاضدوا مشروعَهُ

فلكمْ جميلُ مكارمِ الأخلاقِ

وبعد فقد رأينا من المثالين المذكورين مدى الاعجاب والدعم المعنوي العظيم والقناعة التامة بفكر وعلم وأخلاق وأهداف الإمام.

– الخاتمة 

وهكذا كانت جولتنا في المرحلة التونسية من حياة الإمام الخضر حسين ورأينا كم هي زاخرة بالأحداث العظيمة من قبل مولد الإمام ثم عرضنا ظروف انتقال عائلته من الجزائر إلى تونس حيث كان ميلاده ونشأته وتعليمه ونبوغه النادر ثم تحديد أهدافه التي كان من أولوياتها نهضة بلاده ومكافحة المحتلين ثم ذكرنا أمثله على عدم رضوخه لعروض المناصب الزائلة التي ستقف حائلا بينه وبين أهدافه السامية، كما أشرنا إلى نضاله الفكري والدعوي وانتشار خطبه ودروسه وشغف الناس بها وختمنا المقال بالحديث عن مجلة السعادة العظمى من حيث نشأتها وأهدافها ومحتواها والعقبات التي واجهتها وأمثلة من الداعمين لها وكل ما تقدم يدل على شخصية الإمام صاحب الشأن العظيم في التاريخ الحديث، أما الكاتب د غريب جمعة فقد أحسن وأجاد في وفرة معلوماته وترتيبها بما يجعل من قراءتها متعة وفائدة عظمى كما يتضح غيرته على دينه وبلاده ومناشدته المفهومة بالتمسك بالعلوم الدينية وكافة فروع العلم النافعة واليقظة في مواجهة الثقافات الواردة والتي تعمل على انسلاخ المجتمعات العربية والإسلامية من هويتها كما يدعو إلى التمسك باللغة والتراث الأصيل والاقتداء بالنماذج المشرقة عبر تاريخنا الطويل. وإلى اللقاء في المقال القادم وملمح جديد من ملامح هذا المجلد العظيم، والحمد لله رب العالمين.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.