د. محمد فرمان الندوي يكتب : الجوائز أوسمة فخار لا وصمة شنار

إن الجوائز والأوسمة رموز تكريمية، وعلامات تقديرية، يُكرم بها أهل الفضل
والكمال، وأولو العلم والجمال، حسب مستويات متنوعة، ودرجات مختلفة،
فالأوسمة تتنوع وتتعدد بالنظر إلى الدرجات، فطلاب المدارس يُمنحون الأوسمة
تقديراً لجهودهم، ونجوم الأفلام يُكرمون بها إشادةً بنبوغهم في التمثيلات، وأبطال
الحروب والمعارك تُفوض إليهم القلائد والأوشحة نظراً إلى بطولاتهم القيادية، أما
أصحاب العلوم والفنون، والاختصاصات المتنوعة فلهم تكريمات واسعة وتقديرات
بالغة بطرق رفيعة المستوى.
وهناك تكريمات إلهية في التاريخ.
إن تكريم الإنسان بالجوائز والأوسمة ليس بدعاً من الأمر، فقد جرت سنة الله تعالى أنه كرَّم بني آدم بميزات وخصائص
لم يكن الملائكة أقرب خلق الله إليه يعرفونها، ويطلعون عليها، فقد كرَّم الله سيدنا آدم عليه السلام بادئ ذي بدء،
وجعله أشرف المخلوقات، فأصبح مسجود الملائكة،
وقد نال خمسة أنبياء أمثال نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام شرف أولي العزم، ففاقوا الآخرين
منهم، واختص إبراهيم عليه السلام بلقب خليل الله، وموسى لقب كليم الله، وعيسى لقب روح الله وكلمته، وسيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم لقب حبيب الله،
فهذه التكريمات الإلهية كانت لهؤلاء الأنبياء أوسمة فخار، وعلامات اعتزاز ، وكانوا معتزين بها، ومفتخرين بالانتماء إليها،
وكذلك لقب الصحابة خلعه الله على الجيل القرآني الأول، وهو شرف لا يعادله شرف آخر، ولن ينال أحد هذا الشرف
والعظمة ولو أنفق مثل جبل أحد ذهباً، وبذل له قناطير مقنطرة من الأموال والعقارات.
لقد نالت الأمة المحمدية بواسطة آخر نبي محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الكون مكانةً رفيعةً، ودرجةً ساميةً،
لا تحلم الأمم الأخرى بمثل هذه المكانات في المنام، فهي شامة بين الأمم، يُشار إليها بالبنان، في الدنيا والآخرة،
ويوضع لها القبول والتقدير في الأرض إن تمسكت بحبل الله تعالى، واعتصمت بالمهمة التي نيطت بها، والغاية التي
كانت مبعث وجودها في هذا العالم، رغم أن أمم التجارة والفلاحة، والحدادة، والصناعة ظلت تشتغل بأعمالها
المتنوعة،
فبرزت الأمة المحمدية بين مصاف الشعوب والأمم بلقب خير أمة، وأمة وسط، وأمة القرآن، وأمة الإيمان، وأمة القراءة
والكتابة، وقد أدت هذه الأمة دورها اللامع عبر القرون، في القارات المختلفة، وأثبتت جدارتها وصلاحيتها رغم
المؤامرات والدسائس الخطيرة،
حتى بلغ صوتها من أقصى العالم إلى أقصاه، فتاريخ هذه الأمة تاريخ خمسة عشر قرناً، وتاريخ الأمة الغربية التي
تحكم الآن العباد والبلاد تاريخ خمسة قرون فقط، فلن تنال الإنسانية الطمأنينة والراحة إلا بظلال الإسلام، وأجواء من
الأمن والإيمان.
العبرة بالقيمة لا بالقامة:
فالجوائز والأوسمة تمنح على أساس المواهب والقدرات، لا على الانتماءات والانتسابات، وكلما اختل الميزان، وساد جو من العصبية الداخلية والحمية الجاهلية، وكسبت الأسر والبيوتات الشريفة الأوسمة، بناءً على سالف مجدها، وسابق مآثرها فقدت الاوسمة قيمتها وقدرها،
وقد نالت كبرى الشخصيات الإسلامية والأئمة الأعلام في العالم كله صيتاً حسناً بمواهبهم الفطرية وجهودهم المخلصة، فالمجددون في الإسلام الذين بلغوا قمة العلياء، ووصلوا في المجد والشرف إلى الجوزاء كانت وراءهم جهود جبارة، وأعمال مكثفة، فكُتب لأعمالهم القبول والبقاء، حتى إنهم يُذكرون إلى الآن بثناء عاطر، ولسان شاكر، ويُضرب لهم المثل في بذل كل غال ونفيس نحو إعلاء كلمة الله، ورفع معنوياتها لدى كل ذي بصر وبصيرة.
لقد شهد القرن العشرون الميلادي نظاماً جديداً للتكريم والإشادة بالمآثر والأعمال، فأنشئت له لجان ومنظمات، وهي ترشح أفراداً وجمعيات لتقديم الوسامات والميداليات، فهناك جائزة نوبل للسلام،
فجائزة نوبل تُمنح سنوياً منذ 1901م للأشخاص الذين قاموا بإنجازات للتآخي بين الأمم، وعقد السلام والترويج له كما أشار إليه ألفريد نوبل الذي أوقف ثروته كلها لتمويل هذه الجائزة لأول مرة،
وتفوَّض هذه الجائزة للذين يبذلون جهوداً استثنائيةً في تسوية النزاعات وإحلال السلام، في العاشر من شهر
ديسمبر كل عام من اللجنة النرويجية لجائزة نوبل،
وقد نال هذه الجائزة عدد كبير من الرموز العالمية، منهم أربعة رؤساء أمريكيين: (1) ثيودور روزفلت عام 1906م لدوره
في إنهاء الحرب اليابانية الروسية، (2) وودرو ويلسون عام 1919م، لمبادرته في تأسيس عصبة الأمم، (3) جيمي
كارتر عام 2002م تقديراً لجهوده في تعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان، (4) باراك أوباما عام 2009م تقديراً لتعزيز
الدبلوماسية الدولية،
ويحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أن ينال هذه الجائزة فيسعى لذلك سعياً، وكان يتمنى ذلك منذ ترشيحه
لأول مرة للرئاسة العامة،
وقد أعلنت حكومة باكستان عن ترشيح ترامب لهذه الجائزة بعد ما خاض ترامب في وقف إطلاق النار بين الهند
وباكستان،
وقد صدرت انتقادات حادة عن هذا الاقتراح، فيقول المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية ( كير ) في
نيوجرسي: إن سعي ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام أمر يبعث على السخرية، وإن تصرفاته وشخصيته وسياساته لا
تنسجم مع القيم التي ارتبطت بجائزة نوبل، وقد صدر بيان على منصة ترامب الاجتماعية أنه يقول: لن أحصل على
جائزة نوبل للسلام مهما فعلت.
من هو الأحرى بجائزة نوبل للسلام؟
هذا، ومن جهة أخرى طلع نجم في سماء قارة إفريقيا، وبدأ السكان والمواطنون يعقدون عليه آمالاً، وهو شاب يافع لم
يبلغ من العمر أربعين سنةً، ناضل هذا الفتى القوى الهدامة للبلاد، ولا يزال يبذل قصارى جهده لترقية البلاد، وتطويره
إلى أرفع مستوى من المعيشة والاقتصاد وقد نجح في برامجه وتصميماته إلى حد كبير، بحيث إن تطويراته الإنمائية
قضت مضاجع الدول الأوربية،
وبدأت تعرقل طريق هذا الفتى النابه إبراهيم تراورى إلى ترقية البلاد، لأنه جعل دولة بوركينا فاسو مستقلةً بثرواتها،
وقد مرت على هذه الدولة فترة الاستعمار الفرنسي منذ عام 1896م إلى 1960م، ثم استقلت هذه الدولة من هذا
الاحتلال، لكنها ظلت خاضعةً إلى حد كبير للنظام الفرنسي،
وقد قيض الله لهذه الدولة القائد إبراهيم تراورى الذي تسلم مقاليد الدولة عام 2022م، ويقود الدولة قيادةً حكيمةً
بحيث بدأت تخطو خطوات حثيثةً إلى التقدم والازدهار،
فهذا الفتى إبراهيم تراورى أحرى وأحق بهذه الجائزة التي تعرف على الصعيد العالمي بجائزة نوبل السلام، لأنه
انتشل شعباً ودولةً من الفقر المدقع، والمجاعة المستشرية إلى الغناء والرفاهية، ونشر رسالة الأمن والسلام في
أرجاء بلاده.
فالجوائز والأوسمة التي تُمنح تقديراً للجهود الإنسانية، والإنجازات الواسعة البناءة لها قيمة ووزن في ميزان العالم،
وهي بالنسبة إلى المؤمن الحقيقي علامة خير، وعاجل بشرى المؤمن في حياته، فإنه يستبشر بها كمنحة إلهية
أكرمه الله بها في هذه الحياة الفانية، وأما جزاؤه في الجنة فما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر،
وأما الأوسمة التي تُمنح بالسمسرة والوكالات المصطنعة فإنها لا تكون أوسمة فخار، بل تكون وصمة عار وشنار
لصاحبها، قال تعالى: ( وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَشْكُرُونَ ) [ الأعراف: 58 ]
كاتب المقال مدير تحرير مجلة البعث الإسلامي (ندوة العلماء ، لكناؤ، الهند)