إن مسرحيات الدكتور صلاح عدس ليست مجرد تعبير فني بل هي نضال فكري وإصلاحي وجميع مسرحياته مكتوبه بغاية فكرية سامية محورها التاريخ الإسلامي والقيم الدينية والمبادئ الأخلاقية ورغم أن مسرحياته التسع تتناول مواضيع مختلفة إلا أنها تشترك في سمات مشتركة لافتة تمنحها مكانة فريدة في المسرحية المعاصرة ويقول الدكتور عبد العزيز شرف لقد بلغ مسرح صلاح عدس قمة ملحوظة نظرا لحسه الدرامي البالغ وقدرته العالية علي استخدام مفردات اللغة الشاعرة والآن نكتب بعض الخصائص التي تفهم من قراءتها:
1-هيمنة الفكر الاسلامي والروحي:
تميز مسرحياته بين الحق والباطل في ضوء القران والسنة وتقدم المبادي الإسلامية كالإيمان والشهادة والتوحيد بأسلوب مسرحي من خلال شخصيات مثل الإمام الحسين رضي الله عنه والسيدة زينب رضي الله عنها وبلال الحبشي رضي الله عنه ويبدو أن العواطف وشدة الايمان هي المهيمنة علي تشكيل الشخصيات وأن أسلوب الدكتور صلاح عدس ليس كأسلوب عبدالرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور فان موضوعاتهما تبدو من الظاهر كأنها إسلامية ولكن الحقيقة غير ذلك فيقول الدكتور سعد ابو الرضا: إن البعض يدسون اسم عبدالرحمن الشرقاوي وصلاح عبدالصبور حيث كتب الأول عن الحسين رضي الله عنه وكتب الثاني عن الحلاج مدعيا انه شهيد الكلمة والحق وما كان عبد الصبور ليقول هذا لولا ماسينون المستشرق المعروف بعدائه للإسلام وتقول د هند عبد الحليم محفوظ: إن مسرح الشرقاوي وعبد الصبور ليس جزء من تاريخ المسرح الشعر الإسلامي رغم أن موضوعاتهما كانت إسلاميه إلا أن المضمون لديهما لم يكن إسلاميا نظرا لاعتناقهما الماركسية المناقضة والهادمة للإسلام وليس الحلاج هو بطل الكلمة وشهيد الحق وإنما الذين صورهم صلاح عدس في مسرحياته بلال وعبدالله بن حذافة وحبيب بن زيد ودميانة هم أبطال الكلمة وشهداء الحق وأن الشرقاوي حين كتب عن الحسين رضي الله عنه لم يكن يقصد تمجيده او تمجيد الاسلام وانما كان فقط يريد ان يشتم الصحابة ويلعن معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما أما مسرح صلاح عدس كما يقول الدكتور صلاح ابراهيم فهو حلقة جديدة في المسرح الشعري الإسلامي وهو امتداد لشوقي وعلي أحمد باكثير
2- بساطة الأسلوب والبعد عن الغموض:
هذه من سمات الادب الاسلامي لأن هدفه هو تحقيق القيم الإسلامية من العدل والحق والخير والحرية كما وصف الدكتور عبد الرحمن هاشم مسرحياته في مقدمة سلسلة المسرح الإسلامي لصلاح عدس ويقول: نجد أن التنمية الرئيسية في المسرحيات الخمس هي الثورة والصمود والمقاومة أي الجهاد بالمصطلح الإسلامي يعيش الآن في عصر دقيانوس وأبي جهل ومسيلمة الكذاب وأبي زيد الهلالي وملوك الطوائف والمسلمون الآن بحاجة الي الإستشهاد ويبين الابطال أمثال الشهيدة دميانة وبلال وحبيب بن زيد وعبدالله بن حذافة ويوسف بن تاشفين وهذه هي الرسالة التي تحملها المسرحيات وفيها تتضح الرؤية الإسلامية حيث الأدب رسالة هادفة لتأكيد قيم الحق والعدل والحرية
3-استناد مسرحياته الي أسس التاريخ:
جميع مسرحياته مبنية علي احداث مهمة وشخصيات عظيمة في التاريخ الاسلامي مثل سقوط الاندلس وقضية القدس وشهادة الصحابة ولكنه ليس بسرد قصصي للترفيه بل يسقط التاريخ علي الواقع المعاصر ويخبر بانه ما حصل في الماضي يمكن حصوله في الحال بمقاومة كما يقول أخوه الأكبر يوسف ونلاحظ كذلك ان صلاح عدس لا ينساق وراء تفاصيل التاريخ والأسطورة وانما عينه علي الواقع الراهن فما يهمه ليس اعاده سرد التاريخ او سرد الأسطورة وانما همه الأساسي الواقع السياسي وتدويره.
4-المأساة اتجاها رئيسيا في مسرحياته:
تصور شخصياتها تناضل ضد الظلم والقوي الظالمة ولا تخيب هذه الماسي آمال المشاهد او القارئ بل تعبر عن
رسالة صبر ومثابرة وشهادة ووحدة الأمة مثل مأساة المعتمد بن عباد التي تسلط الضوء علي سمة أخلاقية سامية
رغم التراجع
5-الأساليب البلاغية:
تحتوي مسرحياته علي مزيج جميل من الأساليب البلاغية التي لا تجذب القارئ فكريا فقط بل تؤثر فيه عاطفيا أيضا
وسوف نتناول هذه الأساليب بالبحث تفصيلا إن شاء الله
6-شخصيات الدكتور صلاح عدس:
ليست مجرد شخصيات خيالية بل لها مكانة رمزية مثل الإمام الحسين رضي الله عنه رمز الشهادة والصدق والسيدة
زينب رضي الله عنها لصوت المظلوم وبلال رضي الله عنه رمز للتوحيد ويزيد للظلم ومن خلال هذه الرمزية ينقل
رسالته الي ذهن القاري بالأساليب البلاغية
7-التاثير العاطفي:
يعد عنصرا فعالا في المسرحيات وفي مسرحياته ترتب المشاهد والحوارات والتوقفات والخلفيات بطريقه تؤثر في
القارئ او المشاهد وهذا التأثير العاطفي لا يجعل المسرحية فعالة فقط بل ينقل رسالتها بعمق أيضا
8-الأسلوب القرآني والتلميحات:
يبرز في لغته الاسلوب القرآني والتلميحات مما يضفي علي حواراته هيبة روحية توثر في وجدان القاري أو المشاهد.
9- المرأة في مسرحياته:
لا يحصر الدكتور صلاح عدس المرأة في مجرد عواطف أنثوية بل ينظر إليها علي المستويات الفكرية والأخلاقية
والقيادية للامة فمثلا في مسرحية السيدة زينب ويزيد تجسد شخصية السيدة زينب الخطابة والشجاعة والحكمة
والقيادة ووفقا للدكتور صلاح عدس اذا كانت المرأة مزودة بالمعرفة والبصيرة فإنها لا تستطيع زعزعة أركان الباطل فقط
بل تستطيع أيضا إيقاظ الأجيال
10- الصراع في مسرحياته:
نلاحظ في مسرحياته أنه يتجاوز المفهوم الغربي للصراع ويمنح مفهوم الاعتبار الاسلامي مكانة مركزية فهو لا ينظر
الي التاريخ كمجرد حوادث بل يراه مصدرا للعبرة والبصيرة وأن مسرحياته تقوم علي هذه البصيرة حيث يدعو القارئ أو
المشاهد الي اليقظة الفكرية والإصلاح الجماعي بدلا من الانشغال بالصراعات التصادمية
في الخاتمة نقول إن مسرح الدكتور صلاح عدس فن يجمع بين الفكر الاسلامي والبلاغة الأدبية وتبرز مسرحياته من
جهة الوعي التاريخي ومن جهة أخرى الوعي الجمالي والفني ببناء الأعمال الإبداعية ويثير أسلوبه البلاغي افكار
القارئ وضميره .