الكاتب محمد نبيل محمد يكتب : الأمن الثقافي والهوية الوطنية 

سيناء : صك المليكة المكتوب بالدم

الكاتب محمد نبيل محمد

سأظل اكتب عن سيناء الارض والأبطال

قيل ان الأطهر من ماء الوضوء هو دم الشهيد ، وان من قتل دون عرضه وارضه فهو شهيد ، وهذه سيناء التى جمعت دلالة العرض مع الارض فى مفردة واحدة وهى (سيناء )

وقديما ، قدم التاريخ كانت سيناء احد اهم اسباب تشيد المسلات والمعابد عند اجدادنا، فهم قد فطنوا الى توثيق عدة امور دالة على رقى وتحضر المصريين، كان منها الثقافة التى تميز بها اجدادنا عمن سواهم ، كاختراع اللغة المنطوقة والمكتوبة والرسومات للتعبير عن العادات والتقاليد (الارقى) بين غيرنا من شتات قبائل وجماعات الهمج !

وايضا لتدوين الاختراعات والابتكارات والاكتشافات وهذا دال على اننا اصحاب السبق فى العلوم الانسانية والتطبيقية ، كما كانت الجدران فى المعابد والمسلات بل والقبور والاهرامات كلوحات فخر لانتصارات الجيش المصرى على المغيرين على ارضنا ، وكانت اهم اراضينا على الاطلاق (سيناء) ولم تكن المسافة بين عواصم الاسرات المصرية التى كانت فى صعيد مصر على مدار عصر الاسرات ببعيدة عن شمالها الشرقى بل كان الجيش ومعه حب اجدادنا من عموم طوائف الشعب مؤمنون بسيناء ، وقريبون منها ، وكانت منهم كما القلب من الجسد ، فدون ورسم ونقش وكتب المصريون الاجداد انتصاراتهم على اعداء مصر فى سيناء، بل وخلد التاريخ ان اياح حتب ارسلت زوجها سقنن رع ثم ابنها البكر كاموس لطرد الهكسوس من سيناء ، واستشهدا الاثنان فى معارك سيناء وعندما علمت ان السبب فى حتمية تطوير معدات وتسليح الجيش وتدريبه ففعلت واقامت مسابك الحديد والرصاص للسيوف والرماح والدروع لتزداد صلابة وقوة، ومصانع الجلود للسرج اللازمة للخيول ، ونصبت صغيرها المتبقى احمس قائدا على جيش مصر ، وخرجت مع اهل مصر على ابواب عاصمتنا فى الصعيد تزف الجيش الى الشهادة او النصر بطرد الهكسوس من سيناء، وقالت لابنها احمس: اذهب وطهر الارض من دنس المعتدين ، فان المصريين لا يقبلون بغير النصر او بان ترقد شهيدا بجوار ابيك واخيك يحتضنك تراب سيناء ، وعاد الابن منتصرا، وخرج المصريون يتغنون باناشيد النصر وحفاظهم على سيناء غير مبالين بما اعتادوا عليه وهو دم شهدائنا الذى ظل يسطر بمداده اصدق بطولات الانسانية فى الذود عن الارض والعرض (سيناء).

وظل الغزاة يطمعون فى سيناء ، وظل المصريون جيلا بعد آخر يحفظون الدرس جيدا ، يحاربون ويستشهدون وينتصرون ويحفظون سيناء ملىء السمع والبصر تاج عزة وشرف للمصريين، حتى جاءت جولات الصراع التى كانت خمس جولات حتى اكتوبر ٧٣ بدءا من ٤٨ مرورا ب ٥٦ و ٦٧حتى معارك الاستنزاف او الالف يوم انتهاء الى معارك اكتوبر ٧٣ ، وجميعها كانت فى سيناء واراد الاباء ان يحفظوا لنا ارث النصر وان كان ثمنه الدم ، وبقيت سيناء محفوظة، وجاءت الجولة السادسة الاطول زمنا فكانت عشر سنوات او تزيد منذ ٢٠١١ وحتى ٢٠٢٢ وتغير اسم العدو (تحريفا وقليلا) بما يسمى فى علوم السياسة الان بوكلاء الحرب (!) مثل ابناء ابن ابى رغال من باع مكة وطنه لابرهة الاشرم ، واتباع الوزير العلقمي وزير الدولة العباسية من خان وطنه لهولاكو التتار ، وكلاهما ، وغيرهما ، ظلا رموزا للخيانة والدناءة والحقارة.

وكان الدم كما كان مصريا يسطر اروع قصص البطولة والفداء ، وظلت سيناء عرضنا وارضنا مصانة محفوظة، وزين المصريون اجمل اركان منازلهم بصورة لشهيدهم ، وشهادة من الجيش او الشرطة ببطولة الاستشهاد ، او صورة البطل مع رفقاء الجبهة، التى ظلت هى سيناء ، جبهة الوطن وتاجه ورمز عزه وفخاره، وكانت خزانات الملابس كما صناديق الذهب واللؤلؤ تحفظ اوفورولات مخضبة بدم الاباء والازواج والابناء والاخوة، وبقيت بين دفتى الكتاب المقدس قرأنا كان او انجيلا صورة الشهيد البطل، تقرأ حكاياته كلما رتل الاهل قرآن الله وانجيله، وكانت خطابات الجبهة المكتوبة قديما والرقمية حديثا تراجع وتقرأ صباح كل يوم مع شروق شمس مصر من سيناء، ودام واتصل الحوار اليومى بين الزوجة الشابة (الارملة) الى صورة شهيدها كلما ارادت السند لتتقوى به على شدائد الدنيا، وهكذا تحكى الابنة (اليتيمة) عن احداث كل يوم الى والدها الذى لم يغب والقادم لزيارتها فى منامها، وتظل الام (الثكلى) التى اطلقت الزغاريد الى عنان السماء عندما علمت برحيل قطعة منها الى ربها ، مازالت ترنو بعينها الى أعلى عليين … عند موضع ارتقاء شهيدها، وتقسم للسامعين حولها ان شهيدها لم يمت ، وانه هنا حولها، يإتيها ، ويحدثها، ويجالسها ، يحكى لها عن سيناء ، وما وهبته له سيناء هناك … عند الله(!).

تلك كلها صكوك ملكية المصريين لسيناء الارض ، والعرض ، ومعراج السماء للشهداء ، فهل يجروء احد ان يترك أو ينسى كل هذا، وهل يجروء معتدى على الاقتراب من العرض ، والدم ، والتاريخ ، والارض (سيناء).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.