” عفريت العلبة “.. قصة قصيرة للإعلامي محمود عبد السلام

عابثته الأحلام المزعجة فى الفترة الأخيرة كثيراً ، أخذته الظنون وأطاحت به بعيداً نحو عالم الجن والعفاريت رغم أنه طوال حياته عاش رجلاً متزناً يشار إليه فى العمل بالاجتهاد والجدية ، وعدم خلط الأمور الشخصية بالأمور العامة ،
كل العائلة كانت تُكن له الحب والاحترام .. فى التجمعات العائلية يلتف حوله الشباب ينهلوا من خبراته وعلمه ودينه ، يتميز بطولٍ فارع ، سبط الشعر ، بشرته بيضاء مائلة نحو الاحمرار رغم بلوغه الخامسة والخمسين ، مازال يقبل على الحياة بقلب راض وعقل حكيم ، لا تخلو مجالسه من الفكاهة ، محبوب من الجميع ،
فى البداية قاوم تلك الأحلام المزعجة ، بتغيير وضع السرير فى حجرة النوم ، ثم استعان بنور أقوى من نور اللمبة السهارى ، ظلت الكوابيس تتوالى كل ليلة ، وفى كل مرة كانت تشتد عن سابقتها ، حتى بدأت الكوابيس تتحول الى واقع ، حين استيقظ ذات ليلة على يد آدمى بدون جسد يقظه ،
خرج من حجرته وهو ينهج بشدة منقطع الأنفاس ، وأكمل ليلتها النوم فى حجرة الصالون على الأرض ، وفى الليلة التالية استعد للنوم ، بقراءة قصة يحبها ويستمع لموسيقى هادئة ، حتى مضى إلى النوم بعمق ، حتى رأى رجلاً مشوهاً ، ممسكاً مطرقة ضخمة ، يعمد الى حوائط الشقة يحطمها بعنف ، ووجد أبناءه وزوجته ، تحت الأنقاض ، مدرجون فى دمائِهم ، ثم رفع المطرقة وهوى بها فوق رأسه ، ثم سحبه من أطرافه وأطاح به فى خلاء صحراوى تحت وقد الشمس ،
قام مفزوعاً ، واتخذ القرار حينئذ ، بفتح الموضوع مع أحد أصدقائه معروف عنه تردده على المشايخ الذين يدعون صلتهم بالجن ،
فى البداية تردد ، كيف ينحدر به الحال إلى هذه الدرجة ؟ وماذا لو عرفت العائلة وزملاؤه بالعمل هكذا فعل ؟ ..قرر تأجيل الموضوع كله برمته حتى يعرض نفسه على طبيب نفسى
فى صمت بحث فى هواتف العيادات النفسية ، تعمد أن يختار عيادة بعيدة تماماً عن سكنه حرصاً ألا يعلم أى من أفراد عائلته أو معارفه بأنه يتردد على عيادة للأمراض النفسية والعصبية ،
من بين العديد من الأسماء اختار الدكتور ، احمد المهدى ، ذهب فى اليوم التالى مساءاً الى العيادة ، وإمعانا فى التخفى ، ارتدى ملابس قديمة ، ووضع على رأسه قبعة من قماش مقوى شكلها غريب ،
دخل العيادة وجدها تعج بالناس ، مجموعة على الكراسى ، وأخرى احتلت السلالم أمام باب العيادة ، والبعض تكدس فى الشرفة ،
إصابه اليأس فى الدخول الى الدكتور سريعاً ، لاحظ على وجوه الحاضرين علامات القلق و أمارات الحزن العميق ،
سأل نفسه هل كل هؤلاء يحتاجون الى العلاج النفسى .. من اذن مرتاح ؟ تسلى فى وقفته يتنصت إلى الأحاديث
التى تتولد فى التجمعات وتكون وليدة اللحظة ، وبعدها كل واحد يذهب الى طريقة دون حتى أن يهتم بمعرفة الآخر
معرفة خاصة ،
إلتقطت أذنه كلمات من هنا وهناك تشتكى من قلة النوم والأحلام المزعجة ورؤية أشباح ، حاول أن يتجاذب أطراف
الحديث مع رجل بجواره ، حكى له أنه منذ فترة يشعر بالخوف وعدم الاستقرار ، والتعرق بشدة فى اليدين ، ثم تطور
الموضوع لعدم القدرة على النوم فى سلام ، بسبب الكوابيس التى ما لبثت ان تطورت الى رؤية اشباح فى الواقع !
سأله وهل مشكلة هؤلاء أيضاً مثلك ؟ رد قائلاً حسب ما سمعت منهم هو كذلك ، ثم باغته سائلاً وحضرتك ؟ أجابه
أنا حالتى متأخرة ، بجانب ما ذكرت أصبح يأتينى كل ليلة رجلاً ضخماً معه مطرقة كبيرة يهوى بها على جدران بيتى
ويقضى علىّ وعلى أولادى ، ثم يطيح بى الى خلاء صحراوى تحت اشعة الشمس الملتهبة ،
ابتسم الرجل الآخر ثم قال يبدو أن هذا الرجل علامة مسجلة .. سأله لماذا ؟ أجابه قائلاً لأنه يطارد كل هؤلاء كل ليلة
، يهدم بيوتهم ويقضى على استقرارهم ، أجابه عندى أمل أن يجد الطبيب حلاً لي .
دخل إلى حجرة الكشف ، كان الدكتور يجلس خلف مكتبه ، تظهر عليه علامات الإجهاد ! رفع الدكتور رأسه وسأله خير
إن شاء الله ..أتمنى ان تكون حالتك مختلفة عن كل هؤلاء ، أجابه ، للأسف يادكتور تقريباً هى نفس الحالة ، برضه
بتشوف الراجل اللى بيهدم بيتك وأشباح .. أيوه يا دكتور ، نظر الدكتور الى سقف الحجرة طويلاً ، ثم ذهب الى دولاب
طبى أخرج منه علبة دواء ، وقدمها اليه قائلاً ، خد من العلبة دى حباية قبل النوم ، سأله تفتكر تجيب نتيجة كويسة
يادكتور ؟
اشاح بوجه عنه قائلاً:والله أنا وزوجتى وأولادى والعائلة والأصدقاء حتى بواب العمارة والسائق وبائع الخضار و المكوجى
نتناول هذا الدواء ولسه فى انتظار النتيجة !