الكاتب محمد نبيل محمد يكتب : قناة السويس العبور الدائم والتدخل المستحيل ( الفصل الرابع )
اتفاقية القسطنطينية وتدويل القناة(٨)

أثار احتلال بريطانيا لمصر مشكلة مع فرنسا التي كانت ترى ضرورة تنظيم استخدام القناة، وتمت الموافقة بين الدولتين على أن تستند دراسة التنظيمات الخاصة بالقناة للجنة دولية في باريس وتضم ممثلين لدول أوروبية ومعها تركيا ومصر، وبعد مفاوضات تم توقيع اتفاقية الآستانة الخاصة بتنظيم إدارة القناة في (ربيع الأول 1307هـ = أكتوبر 1889م) وأقرت هذه الاتفاقية حياد القناة.
أما من الناحية الواقعية فإن إنجلترا ظلت تحتل مصر والقناة معًا، كما حرصت على أن تجعل سيطرتها على مصر والقناة أمرًا معترفًا به من جانب الدول الكبرى، وتم لها ذلك بتوقيع الاتفاق الودي مع فرنسا في (1322هـ= 1904م)، وما إن حازت هذا الاتفاق حتى عمدت إلى إضعاف السياسة العثمانية في مصر، وإثبات سيادة الأتراك على مصر سيادة اسمية فقط، ثم ألغت هذه السيادة هي الأخرى في الحرب العالمية الأولى وفرضت حمايتها على مصر، وفرضت رقابة شديدة على منطقة القناة.
ويحكم عملية مرور السفن داخل المجرى الملاحي، مرسومًا ملكيًا “فرمان” صادر من الباب العالي بتاريخ 22 فبراير سنة 1866 “2 ذي القعدة سنة 1282″
وعند وقوع مصر تحت وطأة الاحتلال البريطاني بعد العام 1880 وسيطرتها على قناة السويس، سعت فرنسا والتي كانت تملك حصة كبيرة من أسهم القناة لإضعاف سيطرة إنجلترا وتدويل القناة، وهو السبب المباشر في انجاز الاتفاقية
وقعت الاتفاقية في 29 أكتوبر 1988 بمعرفة 9 أطراف هم “المملكة المتحدة وألمانيا والنمسا والمجر وهولندا”، إضافة إلى “إسبانيا وفرنسا وروسيا والدولة العثمانية”
جاءت الاتفاقية في 17 مادة، أهمها مادتين هما الأولى والعاشرة تضمنا مرور السفن في قناة السويس في حالات الحرب والسلم، وحيادية المجرى الملاحي لقناة السويس، ومرور جميع سفن الدول دون تمييز إلا في الحالات التي يرى الخديوي فيها الدفاع عن مصر وصون النظام العام
ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ الفعلي في العام 1904 نظرًا لإدراج بريطانيا تحفظات وصفتها بالخطيرة في ذلك الوقت على إثر صراعها مع فرنسا، وقد تم نشرها تحت تصنيف منشور من “وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 – 1954،
نص اتفاقية القسطنطينية
وجاء نص الاتفاقية كما يلي ”إن جلالة ملك بريطانيا العظمى وإيرلندا وإمبراطور الهند وجلالة إمبراطور ألمانيا وملك
بروسيا وجلالة إمبراطور النمسا وملك بوهيميا وملك هنغاريا وجلالة ملك أسبانيا وباسمه الملكة الوصية على المملكة
ورئيس جمهورية فرنسا وجلالة ملك إيطاليا وجلالة ملك هولندا ودوق لوكسمبرج وجلالة إمبراطور الدول الروسية
وجلالة إمبراطور الدولة العثمانية، رغبة منهم في إبرام اتفاق فيما بينهم خاص بوضع نظام نهائي لضمان حرية جميع
الدول في استعمال قناة السويس في كل وقت وفي تكميل نظام المرور في القناة المذكورة المقرر بمقتضى الفرمان
الصادر من الباب العالي بتاريخ 22 فبراير سنة 1866 (2 ذي القعدة سنة 1282) والمؤيد للشروط التي منحها سمو
الخديوي قد عينوا ممثلين للمذكورين بعد أن اتفقوا وعقب تقديم أوراق الاعتماد والتثبت من صحتها على المواد
التالية:
مادة 1 – تظل قناة السويس البحرية بصفة دائمة حرة ومفتوحة في زمن السلم كما في زمن الحرب لجميع السفن
التجارية والحربية بدون تمييز بين جنسياتها، وبناء على ذلك فقد اتفقت الدول العظمى المتعاقدة على عدم إلحاق أي
مساس بحرية استعمال القناة سواء في زمن السلم أو في زمن الحرب، ولن تكون القناة خاضعة مطلقًا لاستعمال
حق الحصار البحري .
مادة 2 – تقرر الدول العظمى المتعاقدة نظرًا لما تعلمه من لزوم قناة المياه العذبة وضرورتها للقناة البحرية، أنها
أحيطت علما بتعهدات سمو الخديوي قبل شركة قناة السويس العالمية، فيما يختص بقناة المياه العذبة وهي
التعهدات المنصوص عنها في الاتفاق المبرم بتاريخ 18 مارس سنة 1863 والمشتمل على ديباجة وأربع مواد، وتتعهد
الدول العظمى بعدم المساس بسلامة القناة ومشتقاتها وعدم إتيان أية محاولة لسده .
مادة 3 – تتعهد الدول العظمى المتعاقدة أيضًا بعدم المساس بالمهمات والمنشئات والمباني والأعمال الخاصة بالقناة
البحرية وقناة المياه العذبة .
مادة 4 – بما أن القناة البحرية تظل في زمن الحرب طريقًا حرًا، ولو كان ذلك لمرور السفن الحربية التابعة للدول
المتحاربة عملًا بالمادة الأولى من هذه المعاهدة، قد اتفقت الدول العظمى المتعاقدة على عدم جواز استعمال أي
حق من حقوق الحرب أو إتيان أي فعل عدائي أو أي عمل من شأنه تعطيل حرية الملاحة في القناة أو في المواني
الموصلة إليها أو في دائرة نصف قطرها ثلاثة أميال بحرية من هذه المواني حتى ولو كانت الدولة العثمانية إحدى
الدول المتحاربة،
ويمتنع على البوارج الحربية للدول المتحاربة أن تباشر داخل القناة أو في المواني المؤدية إليها عمليات التموين أو
التخزين إلا بالقدر الضروري جدًا، ويتم مرور السفن المذكورة في القناة في أقصر زمن ممكن وفقًا للأنظمة المعمول
بها،
ولا يجوز لها الوقوف إلا لضرورة قضت بها مصلحة العمل، ولا يجوز أن تزيد مدة بقائها في بورسعيد أو في خليج
السويس على 24 ساعة، إلا في حالة التوقف الجبري وفي هذه الحالة يجب عليها الرحيل في أقرب فرصة ممكنة،
ويجب أن تمضي 24 ساعة بين خروج سفينة متحاربة من إحدى موانئ الدخول، وبين دخول سفينة أخرى تابعة
للدول المعادية.
ونستكمل فى القادم ان شاء الله.