الكاتب الصحفي يسري السيد يكتب : وماذا لو أنسحبت إيران  من المعاهدة ؟ّ!

الكاتب الصحفي يسري السيد

هل تستطيع إيران الإنسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية بعد الحرب الإسرائيلية الأمريكية ومحاولات ضرب المفاعلات النووية لمنع وصولها الى انتاج الاسلحة النووية ؟

نظريا ..الإجابة نعم وطبقا للمادة العاشرة من الاتفاقية ” يحق لكل دولة الإنسحاب من المعاهدة إذا قررت أن أحداثا استثنائية قد عرضت مصالحها العليا للخطر وهذا حق أساسى فى القانون الدولي»

هكذا تنص المادة العاشرة من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التى وقعت عليها مجموعة من كبرى دول العالم منذ عام 1968 بهدف منع الانتشار النووى وتقييد الاستخدام النووى إلى الأغراض المدنية والسلمية فقط، لتعطى كل دولة طرف فى المعاهدة الحق فى ممارسة السيادة الوطنية فيما يخص مصالحها الوطنية وسياساتها الداخلية والخارجية وفقا للقانون الدولى والانسحاب من المعاهدة فى أى وقت إذا لزم الأمر.

تنص المادة 10 من المعاهدة (NPT) على حق كل دولة طرف في الانسحاب من المعاهدة إذا قررت أن “أحداثًا استثنائية، تتعلق بموضوع هذه المعاهدة، قد عرّضت المصالح العليا لبلادها للخطر”. يجب على الدولة التي تنسحب إخطار جميع الأطراف الأخرى في المعاهدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قبل ثلاثة أشهر من الانسحاب، مع ذكر الأسباب التي دفعتها إلى الانسحاب.”

يعنى لكل دولة  الحق القانونى فى الانسحاب  منها مثل اى معاهدة ، لكن وأه من لكن ..!!

مثل أى معاهدة ضرورة ان تقوم الدولة الراغبة فى الإنسحاب من المعاهدة بإخطار جميع الأطراف فى الأتفاقية  ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قبل ثلاثة أشهر من تاريخ الإنسحاب، ويجب أن يتضمن الإخطار بيانا بالأحداث الاستثنائية التى تعتبرها الدولة التى تريد الانسحاب قد عرضت مصالحها العليا بالفعل للخطر. والإخطار المسبق من أجل تحقيق الشفافية بين الدول الأعضاء وغير الأعضاء فى المعاهدة، لعدم حدوث مفاجآت غير مرغوب فيها. بالإضافة  لإعطاء فرصة لتوفيق الأوضاع !!

  • طبعا يمكن لإيران الإرتكاز على محاولات ضرب بنيتها النووية رغم تأكيد الوكالة الذرية التى تراقب النشاط بعدم وجود أى خروقات إيرانية ، وتندرج الأضرار التى أصيبت بها من وجهة  نظر القانون الدولى” بالأحداث الإستثنائية” التى يمكن ان تبرر الإنسحاب الإيرانى  ، لكن هل ستسمح امريكا وأنجلترا وفرنسا بهذا الأنسحاب ؟!

– أعتقد ان المدرسة الإيرانية الماهرة  فى التفاوض الدبلوماسي ستبدأ جولة من التفاوض الماهر خلال الايام القادمة ، سواء فى العلن أو الكواليس بعد الإعلان  الإيرانى بتجميد التعاون مع الوكالة الدولية الذرية والتهديد بالإنسحاب من المعاهدة الدولية لحظر الأسلحة النووية…وأعتقد ان طهران لابد ان تستفيد بتجربة كوريا الشمالية فى الإنسحاب من المعاهدة الذى لم يتم إعلانه الا بعد الإنتهاء من تصنيع القنبلة النووية ، فهل سيسمح الامريكان  بهذه الفسحة من الوقت للوصول للهدف الإيرانى خاصة بعد تهريب مئات الكيلومترات من اليورانيوم المخصب !

بصراحة ..منطق القوة فقط الذى يتحكم فى المشهد ،  وتطبيق بنود الإتفاقية يتم على الضعفاء ،إنطلاقا من القاعدة الشهيرة ” القانون يصنعه الأقوياء ليتم تطبيقه على الضعفاء ”  و بنود المعاهدة  وما حولها ” حبلى ” بالمتناقضات التى وضعها الأقوياء لمصالحهم  ..وما يثار من حجج  قانونية هى شماعة واهية لأن المعاهدة ذاتها وسلوك بعض الدول وفى مقدمتها اسرائيل محل إنتقاد  كبير .

  • مثلا الإتفاقية تضم الخمسة الكبار أمريكا وروسيا والصين وانجلترا  وفرنسا ، وهم أعضاء النادي النووى الدولى ، يعنى الخمسة الكبار فى الإتفاقية ويملكون أكبر مخزون لهذه الأسلحة النووية  ، وفى نفس الوقت يحظرون على باقى الأعضاء  إمتلاكها  ، وطبعا المبرر موجود  إنها تملك هذه الأسلحة قبل توقيع الإتفاقية ، لكن اذا كان الماضى يبرر ، فالحاضر يفضح الممارسة… كيف ؟
  • فى الوقت التى تطالب بنود الاتفاقية الى جانب حظر إنتاج الأعضاء لهذه الأسلحة ، تنص على ضرورة  تفكيك الموجود منها  لدى “الكبار ” وقت توقيع الاتفاقية 1969 ، لكن مانراه الأن عكس ذلك تماما ، بدلا من التخلص من هذا المخزون ، يتم زيادته وبشكل جنونى وبأخطار أكثر دمارا ، وقد رصدها معهد استكهولم  بالأرقام ومنها  أن حوالى 9 آلاف و614 من إجمالى المخزون العالمى المقدر بنحو 12 ألفا و241 رأساً حربياً موجود حاليا فى المخزونات العسكرية للاستخدام المحتمل..ومنها حوالى 2100 من الرءوس الحربية الجاهزة للاستخدام فى حالة تأهب قصوى للتشغيل على صواريخ باليستية ، وجميعها تقريباً بالولايات المتحدة و روسيا،   والزيادة  فى استمرار مخيف لمخزون الدول التسعة المسلحة نووياً وهى الولايات المتحدة وروسيا وانجلترا وفرنسا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل !!
  • وقال معهد استكهولم إن  واشنطن وموسكو  تمتلكان  وحدهما حوالى 90% من الأسلحة النووية فى العالم ، و الترسانة النووية الأسرع نمواً حاليا هى الصينية إذ تضيف بكين حوالى 100 رأس حربى جديد سنوياً منذ عام 2023. ومن المحتمل أن تمتلك الصين بحلول نهاية العقد الحالى عدداً من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات لا يقل عن عدد الصواريخ التى لدى روسيا أو الولايات المتحدة.
  • هذا التناقض بين بنود الاتفاقية والواقع، وتهديد من يمتلكون هذه الاسلحة لباقى الدول ، يجعل الكثير ممن يشعرون بالخطر سيحاولون تقليد سيناريو إنسحاب كوريا الشمالية من المعاهدة من جهة  وسلك مسلك  الهند وباكستان واسرائيل  من ناحية ثانية .
  • ورغم أن المعاهدة لا تمنع الإنسحاب منها ، لكن المنسحب  يواجه بكم هائل من العقوبات السياسية والإقتصادية والأمنية الوخيمة ، المباشرة وغير المباشرة ، وتضع الدولة المنسحبة في مواجهة شاملة مع المجتمع الدولي… وكوريا الشمالية نموذجا ..والسؤال المهم من يقف وراء اقامة هذه المنشأت النوويية ؟

– الإجابة مضحكة : هم الكبار أعضاء  النادى النووى الخمسة  ، اعضاء الاتفاقية التى تحظر عليهم نقل هذه التكنولوجية لمن يريد إمتلاك الأسلحة النووية!!

  • وتعالوا نستكمل التناقض ، يمنعونه انتاج هذه الأسلحة عمن يحتمل استخدامها او التهديد بها فى حروبه ، فماذا يحدث فى الواقع ، مجازر إسرائيل فى غزة وحروبها مع  ايران و فى لبنان وسوريا وضرب المفاعل النووى العراقى .. الخ ، ألا يعنى ان اسرائيل  بلطجى  نووى وبحماية دولية !!
  • والسؤال التالى اذا كان هناك نظام عالمى يحمى دوله ، فلماذا الصمت وعدم التحرك لنزع هذه الترسانات من إسرائيل وأمريكا و روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا قبل كوريا الشمالية والهند وباكستان وفقا لبنود الإتفاقية التى يحاولون تطبيقها على الضعفاء
  • ياااااه …كم من المأسي المبكية التى نعيشها  ، لكنها تؤكد باختصار حقيقة واحدة ،  لا مجال فى هذا العالم الا القوة !!
  • yousrielsaid@yahoo.com
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.