عبد الناصر البنا يكتب : برلمان مصر .. صحوة الموت !!

أهالينا فى الأرياف لما يكون عندهم مريض عز شفاؤة لهم قول مأثور يقولوا فيه : والله قام وفاق وخف وأكل وشرب وكأنه مفيش عنده حاجة وفجأة “مات” سبحان من له الدوام ، وقد غاب عن بالهم أنها ” صحوة الموت ” ، التى جاءت ضمن أبيات قصيدة جميلة جدا كتبها عمنا كامل الشناوى ولحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب وغناها حليم إسمها “لست قلبى” ، يقول فيها ” صَحوَةُ المَوتِ ما أرىٰ أم أرىٰ غَفوةُ الحَياة ” وكأنما كان يعبر فيها عن حال البرلمان !!
تابعت الجلسة قبل الأخيرة لـ “برلمان مصر” التى يتم فيها مناقشة تعديلات قانون الإيجار ، وقد إنتفض البرلمان على غير عادته ، وطالب أعضاؤه بحذف مادة إخلاء الشقق وإقتصار المشروع على زيادة القيمة الايجارية ، ومنهم من طالب بزيادة مدة إخلاء الشقق من 7 : 10 سنوات ؛ والحكومة ردت بأن المدة كافية وأنها سوف تقوم بتوفير البديل ، ومن النواب من كال الاتهامات للحكومة ووصفها بأنها حكومة للأغنياء ، وأنها تغيب عنها الرؤية ، وأنها .. وأنها ، ومنهم من إنسحب فى الجلسة التالية ، وعلت الحناجر ، وتطاولت الرؤوس ، وهاتك يانخع ، ولأول مرة نعود إلى مصطلح “الناس الغلابة” وعبارات رنانة عينة ” لم يجدوا من يحنو عليهم ” وتنحنح النائب إيااااه بتاع كل الأوقات .. وغيره ، ربك والحق أنا هذا الهرج والمرج لم يدخل دماغى ” ببصلة ” ، طيب بأمارة إيه !! .
إذا كانت الوجوه الموجودة تحت قبة البرلمان لاتمثل الشعب المصرى ، ولا تمثل طبقاته الكادحة ، هى لاتمثل غير نفسها ، وسطوة رأس المال والعصبيات القبلية التى أتت بها إلى هذا المكان ، وحتى لاندفن رؤسنا فى التراب ، كان فين أعضاء هذا البرلمان وما سبقه برلمان “على عبدالعال” من كل القوانين التى تم تمريرها ويرى المواطن فيها أنها قوانين “جباية ” زادت من الأعباء المالية عليه ؟ .
وحتى لا أطيل تعالوا نرجع إلى أصل الحكاية ، ولماذا إنتفض البرلمان ثم تمخض فولد ” فأرا ” .
أصل الحكاية يعود إلى طعن تقدم به أحد المواطنين أمام المحكمة الدستورية العليا منذ 43 سنة تقريبا ، المواطن ” الله يرحمه” حيا كان أم ميتا ، طعن بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة ” الأولى ــ والثانية ” من القانون 136 لسنة 1981 المتعلقة ” بثبات الأجرة السنوية ” للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكن اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون وعدم زيادتها ، دون الوضع في الاعتبار الزيادات المستمرة في الأسعار والتضخم ، ما أدى إلى خلل من التوازن في العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر ، لصالح المستأجر على حساب المالك ،
الجدير بالذكر أن الرئيس عبدالفتاح السيسي طالب خلال مؤتمر “حكاية وطن” في أكتوبر من العام 2023 بضرورة وجود قانون لمعالجة مشكلة العقارات المطبق عليها قانون “الإيجار القديم” .
المحكمة الدستورية العليا رأت أن وضع المواد المطعون عليها يخالف الدستور كونها تشكل إخلالا لمبدأ العدالة وإهدارا لحق الملكية . ولذلك رأت تدخل المشرع ” مجلس النواب ” وأعطت له السلطه الكافيه لوضع ضوابط جديدة تنظم العلاقة بين المالك والمستأجر ، أى طلبت منه إحداث التوارزن فى العلاقة الايجارية بحيث لايستغل المؤجر حاجة المستأجر ، فى الوقت نفسه لايتم تجميد العائد الاستثمارى لعقود الايجار القديمة .
خلو بالكم للتأكيد فقط أن النص المطعون عليه هو المتعلق بحظر زيادة الأجرة السنويه للأماكن السكنية منذ بدء العمل بالقانون ” 136 لسنة 1981 ” مما أدى إلى تثبيت القيمة الايجارية إمتدت لعقود طويلة ، وبناءا عليه إعطت المحكمة لـ “مجلس النواب ” السلطة الكافيه لوضع ضوابط جديدة تنظم العلاقة بين المالك والمستأجر .
المهم أن الحكومة الموقرة قدمت إلى مجلس النواب مشروع قانون جديدً للإيجار القديم يتضمن فترة انتقالية قبل إنهاء
العقد بواقع 7 سنوات للسكنى و 5 سنوات لغير السكن ، وزيادة سنوية لقيمة الإيجار في هذه الفترة وزيادة الإيجارات
بقيم متفاوتة ، وبقى السؤال : هل حكم الدستورية ذكر من قريب أو بعيد موضوع الإخلاء ؟ الاجابة بالطبع لا ، لكن
فى الواقع مشروع القانون الذى تقدمت به الحكومة فتح النار عليها ، وتم الربط بينه وبين ما أشيع عن إستثمارات
إماراتية لمنطقة وسط البلد ، وزادت الانتقادات الموجهة للحكومة وفشلها فى إدارة شئون البلاد والعباد وغياب الرؤية ،
وترددت شائعات في الأوساط السياسية والإعلامية بشأن احتمالات تغيير الحكومة الحالية مع اقتراب موعد انتخابات
مجلس النواب 2025 ، وتشكيل مجلس النواب الجديد
والحقيقة أنه على الرغم من وجود نص دستورى فى هذا الشأن المادة 146 من الدستور المصرى تستوجب إستقالة
الحكومة مع بدء فصل تشريعى جديد ، إلا أن استمرار الحكومة مرهون بقرار القيادة السياسية ، وحتى لانتوه مشروع
القانون المقدم من الحكومة أحدث بلبلة فى الشارع المصرى ، وزاد الطين بلة حالة إنقسام شديد وصل إلى حالة
إستقطاب تشهدها الجبهة الداخلية فى مصر ، وحالة من الحنق الشديد على الحكومة وعلى أعضاء البرلمان الذين
مرروا هذا القانون ، حتى على الرغم من تعهد الدولة بأنها لن تترك أحدا بلا مأوى !!
وهنا يحضرنى مثل للعامة وهى أمثال تعبر أحيانا عن حالة الـ إحباط ، يقول ” شيلوة معزه .. قال أنا واخد على شيل
العجول ” . خلاصة الكلام ماذا بعد أن وافق مجلس النواب نهائيا على على مشروع القانون وأسدل الستار عليه وبعد
أن قدمت الحكومة ضماناتها بعدم إخلاء المستأجر الأصلى وزوجته للوحدة قبل توفير وحدة بديلة بعام كامل من بدء
تطبيق القانون ، وكلام فكرنى بأغنية داليدا ” أدينا بندردش .. ورانا إيه ” !!
إذا كانت هذه هى المشكلة .. فما هو الحل ؟
لابد أن نعلم بداية أن مشروع القانون الذى أقره مجلس النواب لايصبح قانونا نافذا إلا بعد تصديق رئيس الجمهورية
عليه ، والكرة هنا فى ملعب الرئيس الذى قال ” هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه ” ولذلك فإن جموع الشعب
المصرى تتوجه انتظارها إلى الرئيس وتطالبة بإستخدام حقة الدستورى فى الاعتراض على مادة أو أكثر من مواد
القانون أو حتى على القانون كله وإعادته لمجلس النواب ، الذى له الخيار فى تبنى وجهة نظر الرئيس أو التمسك
بصيغته الأصلية .. وأعتقد أن الاخيرة لن تتم .
وإذا وافق الرئيس على القانون وتم نشره فى الجريدة الرسمية هنا يصبح واجب النفاذ ، وقتها يمكن اللجوء إلى
المحكمة الدستورية العيا ورفع دعاوى أمام محاكم الموضوع التى يمكن أن تدفع بعدم دستورية القانون أو بعض مواده
، إذن لاداعى لكل هذا القلق ، الكرة الآن فى ملعب الرئيس ، وفى ساحات القضاء .. دمتم فى امان الله