عبد الناصر البنا يكتب : تعددت الأسباب والموت .. واحد !!

الحديث موصول ولنا بقية كلام عن الحادث الأليم الذى وقع على الطريق الإقليمى بالمنوفية والذى أودى بحياة 18 فتاة فى عمر الزهور من قرية كفر السنابسة هن ” عرائس السماء ” . الحادث الأليم الذى أدمى عيوننا وأوجع قلوبنا جميعا ألقى بظلاله على عدد من القضايا المسكوت عنها فى مايتعلق بالمشاريع القومية الكبرى التى تنفذها الدولة
ولكن بادىء ذى بدء البحث عن كبش فداء لهذا الحادث الأليم هو شىء غير مقبول ، أيضا مسألة تحميل نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل الفريق كامل الوزير لهذا الحادث وتناوله بالنقد والتشهير خاصة بعد تصريحاته التى إعتبرها البعض أنها ” مستفزة ” للرأى العام المفجوع من بشاعة الحادث وكونها تخلو من تحمل المسئولية ، وإلقاءه اللوم والتهم على أطراف أخرى هذا الكلام بالقطع غير مقبول ، الوزير مسئول عما حدث لكن لايجب تحميله وحده المسئولية كاملة ، هناك جهات عديدة مسئولة معه عن الحادث لابد أن يتم محاسبتها وعدم تجاهلها عندما نتكلم عن المسئولية ، إذن وضع هذا الحادث كما قلت Critical والموضوع Complicated بل شديد التعقيد .
المجتمع المصرى فى تناوله لهذا الحادث إتقسم كعادته إلى آراء عدة هناك من يغالى فى المثالية من منطق الخوف على البلد وأمنه وإستقراره . لذلك هو يرى كل شىء جميل ، وهو يقف بالمرصاد لكل من يحاول أن يتناول هذا الحادث بالنقد أو التحليل أو حتى لمجرد إلقاء اللوم على طرف من الاطراف المقصرة وهو ينظر لـ أصحاب اللوم كونهم أعداء الوطن
وهناك المتربص الذى يصطاد فى الماء العكر وهم ” كثر ” لا لشىء إلا لعكننه حياة المواطن وتقليب المواجع عليه ، وتأليبه على الدولة وهدم كل ماتم من إنجازات والنظر إلى الأمور بمرآة سوداء لاترى أى شىء جميل . وهؤلاء ندعو الله أن يأخذهم لـ يرحنا منهم أو يحمينا من شرورهم ، وهناك من يرى انه يتحتم على الحكومة أن تخرج وتعلن مسئوليتها عن الحادث وتصع الأمور فى نصابها ، وعليها إجلاء الحقيقة والاعلان عن مسئولية كل طرف من الاطراف ؛ اى عليها ان توضح الصورة كاملة للرأى العام لا لشىء إلا لإعلاء كلمة القانون وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب والضرب بيد من حديد على كل مقصر فى آداء عمله .
عندما تنظر إلى طريق اقليمى تم الإنتهاء منه منذ ” ثمانى” سنوات فقط ، وأصبح بالحاله التى هو عليها الآن ، لابد
أن تعلن الشركة المنفذة للطريق عن مسئوليتها ؛ بل والنظر ما ان كان هناك شبهة فساد فى تعاقدها وتنفيذها
للطريق من عدمه ، من أجل أن نصل إلى الأسباب الحقيقة التى جعلت الطريق فى تلك الفترة القصيرة نسبيا يصل
إلى ماوصل إليه . وعندما تساق المبررات أن ذلك نتيجة لـ حمولات النقل الزائدة عن الحمولة المقررة ، فالمفترض أنه
معلوم سلفا قبل التنفيذ حمولات النقل الذى يسير على هذا الطريق أى أن ذلك ليس بالأمر المفاجىء ومن المفترض
أن يتم مراعاة ذلك فى التنفيذ ؛ وكل ماهنالك أن الطريق قد يحتاج لصيانه دوريه لتلافى الأخاديد التى تظهر نتيجة تلك
الحمولات وللأسف لم تتم .
ولو إنسقنا وراء الكلام عن الخمولات الزائدة فأننا سوف نجد انفسنا ندور فى حلقة مفرغة ” زيادة الحمولة ” نتيجة
حتمية لـ زيادة أسعار الوقود التى تسببت فى إرتفاع قيمة النولون ولابد من تعويض ذلك بزيادة الحمولة ، وبالمناسبة
قرأت إقتراحا وجيها موجه لوزارة المالية أن تقوم بتخفيض الجمارك ولو لفترة موقتة على سيارات النقل من أجل تدعيم
أسطول النقل الداخى ، وبالتالى يمكن تقليل الحمولة وأيضا زمن التقاطر .
ومن ضمن تعقيدات هذا الحادث يأتى ” القانون ” الذى لايطبق التطبيق الأمثل ، وتعالوا نفتح قلوبنا إذا كنا نريد إدارة
أزمة بطريقة علمية من أجل أن تكون هناك دروس مستفادة ، وحتى لاننس ويتكرر المشهد بحذافيرة مرة أخرى ، ”
وكأنك يابو زيد ماغزيت ” . هناك تراخى شديد من قبل وزارة الداخلية فى تطبيق القانون الذى يجب أن يحقق الردع
بمفهومه ” العام ــ والخاص ” كأحد أهم اهداف العدالة ، إنما أن تترك الأمور هكذا ” سداح .. مداح ” فهذا لايرضى أحد
التراخى فى تطبيق القانون يضيع هيبة الدولة ، فإذا كان سائق الحافلة التى تسببت فى الحادث يتعاطى المواد
المخدرة ويقود بدون رخصة قيادة ، فإن المسئولية هنا تستوجب مساءلة إدارة المرور فى النطاق الذى وقع فيه
الحادث ، وهنا يجب التأكيد على مراعاة الشعرة التى تفصل بين تطبيق القانون والشطط فى التطبيق بالقدر الذى يعد
تجاوزا أو غلوا فيه ، كما نرى عقب كل حادث ؛ وعلى أرض الواقع هناك مايزيد عن الـ 90 % من قائدى مركبات النقل
الثقيل يتعاطون المواد المخدرة والمنبهات ، ولا أبالغ إن قلت أن ” كمائن” التحليل العشوائى للمخدرات لقائدى النقل
السريع أغلبها تسير بمبدأ ” شخلل تعدى ” وكل الدنيا تعلم هذا !!
الغريب فى الأمر أنه عندما تصبح السلامة على الطريق نوعا من ” الجباية ” متمثلة فى الرادرات التى تصور ولاترى
غير السرعة والحزام والحديث فى المحمول ، وعلى الشخص أن يحافظ على حياته بطريقته الخاصة .
قطاع المحليات الذى يغط فى نوم عميق ولايرى مصالح المواطنين ، ويسبح فى الرشاوى والمحسوبيات وفساد
الذمم هو أيضا مسئول ، أعضاء البرلمان من أصحاب “اللقطة ” . أنه لشىء مخجل أن يكون ممثل الشعب تحت قبة
البرلمان تم إختيارة بناءا على سطوة المال أو العصبيات القبلية ، متى نفيق ويصبح لدينا تمثيل حقيقى للشعب تحت
قبة البرلمان ، تمثيل يكون للعضو فيه صوت وصلاحية سواء فى الرقابة أو التشريع .
أين قوانين العمل التى تجرم العمالة دون السن القانونية ، وأين وزارة التضامن الإجتماعى والمجلس القومى للمرأه ،
وللامومة والطفولة ، وحقوق الإنسان وكل العناوين الكبيرة الرنانة ، أين الرعاية الإجتماعية للأسر الأكثر إحتياجا ، التى
تضمن لهم حد الكشاف ولماذا تركنا الفقر ينهش فى جسد هؤلاء الذين لاحول لهم ولاقوة فى النجوع والكفور والقرى
المصرية ؟
إذا أردنا أن أقول ” أين .. وأين .. وأين ” فلن تكفينا مجلدات .. ولذلك أقول كلنا والله مخطئون ولا أستثنى أحد مخطئون
فى حق أنفسنا وفى حقوق الغير ، لأن الروايات التى تتناقل عن هؤلاء الفتيات والدوافع التى إضطرتهن إلى الخروج
إلى العمل سواء من أجل إعانه أهاليهن على أعباء الحياة فى ظل الظروف الإقتصادية الطاحنة أو من أجل تجهيز
أنفسهن أو نفقات الدراسة كلها قصص تدمى العين وتوجع القلب .. رحم الله “عرائس الجنه ” برحمته الواسعة ؛ اللهم
أجر أهاليهم فى مصيبتهم وهون عليهم ألم الفراق وأفرغ عليهم الصبر والسلوان . ” إنا لله وإنا إليه راجعون “