الكاتب محمد نبيل محمد يكتب : قناة السويس العبور الدائم والتدخل المستحيل

الإمتيازات بداية الإحتلال (٧)
عندما جاءت فكرة إحياء مشروع شق القناة لدي لسبس من مسيو ميمو قنصل فرنسا السابق في مصر، وقرر أن يفاتح بها الخديوي سعيد مستغلًا قربه منه، تحمس سعيد للفكرة بشدة ووافق على إصدار فرمان مبدئي يحدد شروط الامتياز، وما للحكومة المصرية، وما عليها من واجبات تجاه شركة القنال، وصدر الفرمان في 30 نوفمبر 1854م وكان نصه كالآتي:
1ـ أن تكون مدة الامتياز 99 عامًا من يوم افتتاح القنال.
2ـ أن توزع 10% من أرباح الشركة على الأعضاء المؤسسين الذين تعاونوا بأموالهم وعلمهم وأعمالهم على إنفاذ المشروع قبل تأسيس الشركة.
3ـ تعامل كل الدول نفس المعاملة من حيث الرسوم المقررة على السفن المارة بدون امتيازات لأي دولة.
4ـ أن تقوم الشركة بشق ترعة حلوة من مياه النيل ( ترعة الإسماعيلية حاليًا) على نفقة الشركة.
5ـ أن تترك الحكومة المصرية الأراضي غير المزروعة والصالحة للزراعة للشركة للانتفاع بها وريها من مياه الترعة الحلوة بدون ضرائب لمدة عشر سنوات وبضريبة العشر لمدة 89 سنة، وبضريبة المثل بعد ذلك.
6ـ للشركة امتياز استخراج المواد الخام اللازمة للمشروع من المناجم والمحاجر الحكومية دون ضرائب، و كذلك إعفاء الشركة من الرسوم الجمركية على جميع الآلات والمواد التي تستوردها.
7ـ أن تأخذ الحكومة المصرية 15% سنويًّا من صافي أرباح الشركة.
دي لسبس يدافع عن المشروع
شكل دي لسبس لجنة دولية من علماء أكبر الدول المنتفعة بالقناة لإعداد تقرير يكون هو القول الفصل فنيًّا في إمكانية شق القناة للرد على حملة التشكيك التي قامت بها إنجلترا لعرقلة المشروع، قدمت اللجنة الدولية التقرير إلى سعيد باشا في يناير 1856م، وكان يوصي بالآتي:
1ـ شق قناة مباشرة من خليج الطينة إلى مدينة السويس هي أسهل و أرخص الطرق لتوصيل البحرين، و ستختصر طريق الشرق إلى النصف.
2ـ نفقات المشروع تقدر بحوالي 200 مليون فرنك (يشمل فوائد رأس المال) ومتوسط الإيرادات في حدود 30 مليون فرنك سنويًّا.
3ـ سيستغرق العمل بالقناة 6 سنوات في حالة عدم وجود صعوبات.
4ـ كما أوصت اللجنة بشق ترعة المياه الحلوة لري أراضي منطقة السويس.
الخديوي سعيد يصدر فرمانًا بقانون مجحف
اعتمد سعيد باشا قانون الشركة في 5 يناير 1856م، وفي نفس اليوم أصدر فرمانًا مفصلًا للفرمان الأول 1854م، وزاد عليه الآتي:
1ـ تعيين فردنان دي لسبس رئيسًا للشركة بصفته مؤسسًا لها مدة عشر سنوات من يوم بدء الملاحة في القناة.
2ـ توريد أربعة أخماس العمال المطلوبين من المصريين.
3ـ للشركة الحق في تحديد رسوم المرور دون الرجوع للحكومة المصرية على ألا تزيد عن عشرة فرنكات للطن الواحد.
في 20 يوليو 1858م أصدر سعيد باشا قرارًا بتحديد أجور العمال المصريين وأعدادهم وكيفية شغلهم والعناية بهم و بصحتهم.
في 15 نوفمبر 1858م صدر الاكتتاب العام في شركة قناة السويس واستمر 15 يومًا حتى 30 نوفمبر، طرح في الاكتتاب أربعمائة ألف سهم بواقع 500 فرنك للسهم الواحد، وكانت نتيجة الاكتتاب 207111 سهمًا لفرنسيين، 177642 سهمًا لمصر، والباقي لمساهمين من إسبانيا وإيطاليا والدولة العثمانية وهولاندا وروسيا وبذلك تكون فرنسا لها الأغلبية في مجلس الإدارة وإدارة القناة.
بذلك كانت مصر تملك حوالي 44 % من أسهم شركة القناة و 15% من أرباحها – بخلاف أرباح أسهمها- وفى النهاية خسرت مصر حصتها في شركة القناة وحصتها في الأرباح.
عارضت إنجلترا مشروع القناة معارضة شديدة ووضعت أمامه العراقيل سرًّا وعلانية على الرغم أنه كان يخدم مصالحها، ولكنه كان يخدم مصالح خصومها أيضًا، ولكن دي لسبس حصن المشروع بمؤيدين في أوروبا من فرنسا والنمسا وعند الباب العالي في الآستانة واستخدم الدعاية المضادة لدحض حجج إنجلترا في معارضتها للمشروع وحملات التشكيك التي كانت تشنها لتثني المستثمرين عن المشاركة في الاكتتاب على أسهم القناة.
أقنعت إنجلترا الباب العالي أن المشروع ينتقص من سيادة مصر لأن الحكومة تنازلت للشركة عن أراضي وأطيان تزيد بكثير عن احتياج المشروع، كما أن توريد العمالة المصرية فأرسل الباب العالي إلى الخديوي إسماعيل يأمره باستعادة الأراضي الزائدة عن حاجة المشروع وحذف تعهد الحكومة توريد الأنفار المصريين للعمل في المشروع وإلا فلن يصدق على فرمان الامتياز.
مع ضغط الباب العالي اضطر الخديوي إسماعيل إلى دفع ملايين كتسويات لتقبل الشركة التنازل عن الأراضي الزائدة وترعة المياه الحلوة وخفض العمالة المصرية المتفق عليها من 20 ألف عامل إلى 6 آلاف عامل فقط، وخسرت مصر أموال طائلة لاستعادة ما كان سعيد باشا قد منحه مجانًا للشركة، فبلغ مجموع التسويات التي دفعتها مصر 84 مليون فرنك، و شكلت هذا ضربة شديدة للمالية المصرية.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما أرادت الحكومة أن تتنازل لها الشركة عن الأراضي المجاورة للمدن الجديدة والمستشفيات التي تدخل ضمن حيز الامتياز فقبلت الشركة مقابل 30 مليون فرنك تدفعها الحكومة للشركة، ولكن الحكومة التي بدأت تعاني عجزًا في الميزانية لم تجد ما تدفعه فتنازلت عن كوبونات أسهمها في شركة القناة (أرباح الأسهم) لمدة 25 سنة.
كانت الشركة تغالي في تقييم الأراضي والمباني لتحصل على أكبر قيمة من التعويض من الحكومة ومثال على ذلك أن الشركة اشترت أطيان تفتيش الوادي بمبلغ 200 فرنك للهكتار الواحد وباعته للحكومة المصرية بـ 500 فرنك للهكتار.
مما زاد من أزمة مصر المالية إنفاق مبلغ مليون ونصف جنيه ذهب – على أقل تقدير – على حفل افتتاح القناة في 17 نوفمبر 1869م.
في25 نوفمبر 1875م مرت بمصر أزمة مالية طاحنة اضطر معها الخديوي إسماعيل إلى بيع حصة مصر من أسهم القناة للحكومة الإنجليزية بمبلغ مائة مليون فرنك ، وبذلك حلت الحكومة الإنجليزية محل المصرية في ملكية شركة قناة السويس.
لكن الأزمة المالية لم تنفرج، وأرسلت الدول الدائنة لجنة لفحص الحالة المالية في مصر لتصفية الديون التي تدين بها مصر لدول نادي باريس وكان مؤمن على هذه الديون بأرباح مصر (15%) من شركة القنال فقررت اللجنة بيع حصة مصر من الأرباح نظير مبلغ 22 مليون فرنك، وحتى نتخيل فداحة الخسارة لمصر يكفي أن نعرف أن نصيب مصر من الأرباح السنوية كان سيبلغ حوالي 11 مليون فرنك في سنة 1908م وحدها، وبذلك خسرت مصر حصتها من أسهم القناة وحصتها في الأرباح في ظرف 6 سنوات من افتتاح القناة.
في عام 1910م تقدمت شركة القنال بطلب للحكومة المصرية لمد امتياز شركة قناة السويس الذي كان سينتهي في17 نوفمبر 1968م لمدة 40 سنة أخرى تنتهي سنة 2008م، ووقفت الحكومة البريطانية وسلطة الاحتلال موقف المؤيد لمد الامتياز خاصة وقد بدأت الحركة الملاحية بالقناة تتضاعف حتى بلغت عام 1889م ضعف ما كانت عليه عام 1881م وتضاعفت مرة أخرى عام 1911م، وكانت البضائع البريطانية تمثل 78،6 % من مجموع البضائع المارة بالقناة.
ونستكمل فى القادم ان شاء الله … مواد مد الامتياز المقترح .. وظهور الحركة الوطنية.