عبد الناصر البنا يكتب: فى بلاط إلهة الحب والجمال .. حتحور

أنها إحدى ليالى شهر أغسطس التى تتعدى درجات الحرارة فيه الـ 50 د.م فى الظل والناس مفرهدة تبحث لها عن نسمه هواء شرقيه آتيه من جهة النيل أو حتى نسمة من نسمات الجنوب التى تغنت بها أم كلثوم ، فى تلك الليلة حدث ما لم يكن فى الحسبان .
فجأة إنقطعت الكهرباء عن الشارع الغربى ” الذى نسكن فيه ” وهو يقع فى الجهة الغربية من قرية ” هو ” ونطقها بكسر الهاء وتشديد الواو ؛ و “هو ” قرية فرعونية تقع على الضفة الغربية من نهر النيل وتبعد 6 كم عن مركز نجع حمادى ، وهى عاصمة المقاطعة السابعة ، وهى ودليل أثرى يقاس عليه ، وإسمها الفرعونى ” ديوس بولس بارفا ” وتعنى طيبه الصغرى وإسمها القبطى ” حات أو حوت ” ومنه إشتق إسم ” هور ” والذى تحول إلى ” هو ”
والحديث عن ” هو ” قد يطول ويكفى أنها جمعت آثارا من العصر الحجرى وحتى العصر العثمانى ، وكانت مقرا لعبادة الإلهة ” حتحور ” سيدة الحياة وإلهة السماء والحب والجمال والموسيقى والخصوبة .
وأعود إلى تلك الليلة المظلمة والتى فرض فيها مايشبة حظر التجوال ، والحقيقة أن مثل هذه الظواهر إعتاد أهل الصعيد عليها ، خاصة وإن كانت هناك خصومة ثأرية ، أو كون الأمن يفرض كردونا أو طوقا أمنيا بغية القبض على أحد الخارجين على القانون .. إلخ .
كان الوضع فى هذه الليلة مختلف تماما ، ماحدث لم يكن طلبا للثأر أو القبض على أحد المطلوبين ، وإنما كانت عملية سرقة أشبه بالسطو المسلح الذى تقوم بها عصابات ” المافيا ” فى إيطاليا ؛ و ” آل كابونى ” فى أمريكا ، ساعات قليلة وعادت الكهرباء ، وعادت الأمور إلى ماكانت عليه ، ولكن خلال تلك الساعات تم سرقه تمثال للإلهة ” حتحور ” صاحبة المعبد الشهير فى قرية دندرة بمحافظة قنا ، التمثال المسروق عباره عن كتلة حجرية مربعة الشكل يبلغ طول كل ضلع من أضلاعة متر تقريبا ، ويزن مالايقل عن ثلاثة أطنان ، الحجر محفور على جوانبه الأربعة وجه الإلهة حتحور .
مع شروق شمس اليوم التالى إكتشف الأهالى سرقة الحجر الذى إعتادوا رؤيته كل يوم إلى جانب مجموعة من الكتل الحجرية تشكل سورا لمقبرة الإلهة ” حتحور ” التى أعتقد أنها نهبت بالكامل الآن ، علامات إستفهام كثيرة لم يستطع أحد أن يجيب عنها ، نبش المقابر الفرعونية وتجارة الآثار تعتبر حدثا عاديا فى قرية تعوم على بحيرة من الآثار منذ عصر ماقبل الأسرات مرورا بالعصر الفرعونى واليونانى والرومانى والقبطى والاسلامى والحديث وكل عصر من تلك العصور ترك بصماته وآثاره .
وتروح أيام وتأتى أيام ويتم ضبط الحجر فى محافظة المنيا مع خبر مقتضب يزيل إحدى الصحف الرسمية ؛ وتنتفض الوزارة وتبنى سورا حول المقبرة وترتب خفيرا نظاميا عليها وهى لاتدرى أن المقبرة قد نهبت بالكامل ولم يترك فيها اللصوص غالى أو نفيس إلا من الأحجار الكبيرة التى إستعصى تفكيكها وسرقتها .
الناس الكبارة من علية القوم التى ترددت على قرية “هو ” فى العهد البائد طلبا لآثارها أعدادهم تخض ، ولما تشوف الناس إللى مكانتش تطول العيش حاف وبقت حاجة أيضا تتخض ، ويمكن دا إللى يفسر لك بسهولة ليه الناس تتقاتل على مقاعد البرلمان فى الصعيد ، وليه المقعد يصل لـ ملايين وأرقام تخض ، والشىء بالشى يذكر كنت فى طريق المريوطية منذ أيام ووجدت سيارة GMC أمريكانى أحدث موديل بسم الله ماشاء الله كأنها قطار سكة حديد ، تعلو لوحتها المعدنية قبة البرلمان وعلى الزجاج الأمامى إستيكر مقاس 30 × 30 وأسفل منه إستكر بمقاس أقل يحملان نفس بادج قبة البرلمان الموجود على اللوحة المعدنية وكذلك على منتصف الزجاج الخلفى .
علت الإبتسامة وجهى بالقدر الذى جعل صديقى يتعجب وحاله يقول إيه إللى يضحك ؛ بادرته بالقول أولا دى عربية صاحبها محدث نعمة ، أما كان يكفى البادج على اللوحة المعدنية التى صنعت خصيصا بالمخالفة لقانون المرور الذى شرعه ، والأهم هات لى حد شريف يقدر يقتنى عربية زى دى بسعة 4700 CC يعنى محتاجه تجر محطة بنزين وراها ، ناهيك عن سعرها الذى يقدر بالملايين ، وخلينا نتفق أنها لا غيرة ولاحسد ، إنما هى وجهة نظر ” يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ” . عرفت يا مولانا سبب ضحكى ،
من أجل هذا وذاك الصعيد كل الصعيد يحتاج إلى إعادة نظر أو Restart يحتاج إلى هيكلة ، لعل وعسى أن يكون القادم أفضل ، وقد هلت علينا مهاترات البرلمان القادم بزرع عامود نور أو إفتتاح معبر خشبى على قناية ماء ، بخلاف القبل والأحضان لكل من هب ودب . واعود لاقول .. سلاما على روحك الطاهرة ياإلهة الطرب والحب والموسيقى والجمال سلام لك يا ” حتحور ”