الكاتب محمد نبيل محمد يكتب : الأمن الثقافى والهوية الوطنية
قافلة الإخوة الأعداء والإخوة "كرامازوف"

مازال الشرق مفتون بإبداع الأدب الروسى، واليونانى، ومن بعدهما الأدب اللاتينى، ويأتى الابداع الانجليزى والفرنسى معا فى ترتيب المكتبة الأدبية، وربما يفرض الواقع ـ المريرـ بإعادة قراءة الرواية الأشهر ” الإخوة الأعداء” للكاتب اليونانى نيكوس كازانتزاكيس التى تصف أحداث فتنة داخلية في قرية يونانية خلال الحرب الأهلية فى أواخر الأربعينيات من القرن التاسع عشر، وتتناول الرواية قضايا مثل الانقسام المجتمعى، والولاءات المتضاربة، والبحث عن العدالة، وعواقب العنف والحرب، … ثم تأتى رواية “الإخوة كرامازوف” للكاتب الروسى فيودور دوستويفسكى والتى كان أول نشر لها عبر مجلة الرسول الروسى نوفمبر 1880 بعد أن أمضى عامين فى تأليفها، وتوفى بعد نشر آخر فصولها بعدة أسابيع فى 1881 وتعد تلك الرواية نتيجة لتأثر تيودور من مضمون كتابة “المذكرة” وكان تجميع لمقالاته التى نشرها سابقا، والذى نشره قبل عامين من شروعه فى تأليف روايته “الإخوة كرامازوف” الى تؤجج الصراع الفكرى والفلسفى مع التعاليم الدينية فى حالة أجد عنوانها “العلمانية والأصولية” يتناسب مع الشائع الدائر الآن، وأيضا لا تخلو الرواية من صراع بين العيب والقانون من جانب، والحرية المطلقة من جانب آخر، والتى قد تنال من الرومانسية وتدنس معانيها فى علاقة العشق بين الأب “فيودور كرامازوف” وابنه البكر “ديمترى” من زوجته الأولى “أديلايدا” تجاه بائعة الهوى “جروشينكا” وكان ديمترى يشبه والده فيودور فى السعى وراء ملزاته واسراف ماله على الهوى، بينما الأخ الأوسط “إيفان” ابن الزوجة الثانية لابيه “صوفيا” الذى صب اهتمامه على التساؤلات الوجودية فى كنه الخلق وسببه، ممزوجا بابداعه الأدبى فى الكتابة والشعر، وكان والده دائما يقول انه يخاف من إيفان أكثر من ديمترى، ووقع إيفان في حب زوجة أخيه ديمترى “كاترينا إيفانوفا” التى لم تبادله الحب أبدا حتى نهاية الرواية، وارتبطت بديمترى ليسدد ديوان والدها، ولتتفاخر بنسبها به رغم عيوبها النفسية التى كانت تميل إلى فضح الآخرين، ويحب تيودور ديستوفيسكى ابنه “اليوشاط الذى توفى صغيرا، وامضى ديستوفيسكى ايام حزنه على ولده فى إحدى الكنائس مما زاده تعمقا فى التعاليم الدينية مما أثر عليه فى إختيار اسم بطل روايته الرابع وهو”اليوشا” وهو الراهب الكنسى والابن الثانى من صوفيا الزوجة الثانية للأب فيودور، وأيضا أحبه الأب بطل الرواية ووجد فيه خلاصا من معاصيه، أما الأبن الرابع غير الشرعى من الخادمة الصماء هو “بافل” المصاب بالصرع والذى يتلذذ بقتل القطط ويميل الى الإلحاد كما يعتقد أخيه “ايفان”.
وبعد استعراض ملخص والاقتباس من روايتى الإخوة الأعداء والإخوة كرامازوف أجد تناصا جزئيا فى دلالة “قافلة الصمود” التى يقودها بعض الإخوة “الأشقاء” الذين بينهم مناطق الخلافات أكثر من حدود التماس والتقارب، حتى إن بعض الأصوات فى الجزائر “الشقيق” تدعى بأن تونس “الشقيق” إحدى ولايات الجزائر “الشقيق” وبغض النظر عن التفهمات المتعارضة بين الجزائر “الشقيق” والمغرب “الشقيق” حول البوليسارى أو الصحراء الغربية، ومعهما أيضا موريتانيا “الشقيق” وتلك الصراعات الخلافية بين حكومتى ليبيا “الشقيق” إلا انه فى النهاية سارت قافلة الصمود لدعم شعب فلسطين “الشقيق” فى غزة، ورغم أن القافلة تكونت من ما يقارب الألف وسبعمائة “شقيق” من اليساريين والمقاتلين البوليسارى والصحراويين الغربيين والسياسين والاعلاميين والنشطاء الذين رفعوا شعارات التضامن مع غزة واعلنوا الهدف “المعلن” للقافلة وهو : الوقوف على الحدود الشرقية المصرية أمام معبر رفح بهدف لفت أنظار العالم للقضية الغزاوية، لكن كما يقول المثل الدارج “الشعبى” حنية الوز” فلا غذاء ولا دواء ولا مستلزمات اغاثة تحملها القافلة لأطفال غزة ومرضاها ومصابيها وجرحاها وعجائزها وشيوخها، وفقط الهدف هو التجمع لالتقاط الصور “السلفى” أمام معبر رفح.
أتذكر المقولة العبقرية للمفكر والناقد الفرنسى “لوران بارث” إذ قال :” ان الصورة هى الأله الثانى” لما للصورة وتأثيرها العظيم فى العصر الحديث الذى أطلق عليه “عصر الصورة”.
وهنا أعى تماما أهمية الصورة “السلفى” لهؤلاء المشاركين فى القافلة، إنما ما تداولته وسائل التواصل الإجتماعى من فيديوهات ولقاءات مصورة لمواقع وهمية وفى أفضل أحوالها “كرتونية” عن ان العديد من قادة القافلة يعلنون المسكوت عنه ويفضحون خبيث النوايا إذ يقول أحدهم:” اننا نريد من هذه القافلة ان تثبت للعالم عدم تعاون “مصر” مع القافلة”
وهنا لنا وقفة تعبوية لابد منها إذ أن المعلن منذ البداية هو قافلة لدعم غزة وليس قافلة لاسقاط مصر، والأمر ما بين المعلن عنه وبين المسكوت عنه مختلف أيما إختلاف، بل تعاظم كشف الاختلاف عندما تجمعت عناصر تتبع القافلة وقد سبقتها بالدخول الجوى الى مصر وتجمعت عند بوابة طريق الاسماعيلية وبغض النظر عن نشر فيديوهات راقصة لبعض افراد القافلة وغيرها ممن ينددون بمصر وآخرون يرفعون شعارات مضادة لمصر، ألم يكن الهدف هو معاداة الصهاينة قتلة الفلسطينين الأشقاء، بل تحولت الشعارات لمعاداة مصر تلك الأرض والناس الذين قدموا مائة الف شهيد للقضية الفلسطينية ولم يقدم أحدا من الأشقاء سوى الكلمات الرنانة الجوفاء التى لا تثمن ولا تغنى من جوع، فلم يحترق قلب أم من الشقيقات على وليدها الشهيد من أجل فلسطين وشعبها “الشقيق” ولم ترمل زوجة من الشقيقات لاستشهاد زوجها من أجل فلسطين وشعبها “الشقيق” وكذلك الأبناء والبنات الذين حرموا نعمة الأب وغيرهم ممن لم يتمتعوا بنعمة مجاورة الشقيق فى حياتهم ثمنا لفلسطين وشعبها “الشقيق” وبعيدا عن فانتورة الدم التى سددها المصريون وحدهم دون غيرهم من الأشقاء، والتاريخ لا يكذب فى ذلك أبدا ولا يرحم أيضا، وكما ان الواقع الحاضر أيضا لا يكذب ولا يرحم، فلم يقدم شقيق للأشقاء الفلسطينيين على مدى عامين منذ اكتوبر 2023 وحتى الآن كما قدمت مصر من مساعدات اغاثة وطبية ولوجستية وغذائية بلغت فى تقديرات الامم المتحدة اربعة أخماس ما قدمه العالم كله من الأشقاء وغير الأشقاء، وهنا يتبادر للعقل الواعى سؤالا صريحا مفاده :” ما هى القيمة والنسبة المئوية للمساعدات التى قدمها الاشقاء المغاربة والشوام والخليجة إلى الفلسطينيين الأشقاء؟” وبالطبع لن نسأل عن عدد الشهداء الأشقاء المنتسبون إلى الأشقاء الشوام والمغاربة والخليجة الذين سالت دمائهم من أجل الأشقاء الفلسطينيين !!!
والسؤال الثالث : كم عدد المؤتمرات الدولية التى دعا إليها الأشقاء المغاربة والشوام والخليجة من أجل دعم القضية الفلسطينية؟
والسؤال الرابع : هل قاطع الأشقاء العدو الصهيونى ولم يقبلوا سفيرهم على سبيل المثال؟
والسؤال الخامس : هل وقف الأشقاء عمليا فى وجه قرار التهجير للأشقاء الفلسطينيين؟
والسؤال السادس : هل شارك الأشقاء فى مفاوضات الجانبين الفلسطينى والصهيونى؟
والسؤال السابع : هل كانت تأشيرة دخول الأشقاء معنية بالتنسيق مع الجهات المعنية لأهداف سياسية من الزيارة أم كانت تأشيرة سياحية فقط؟
والسؤال الثامن : هل يقبل الأشقاء أن يدخل إلى أراضيهم من يحمل تأشيرة سياحية ويقوم بأعمال سياسية فى أراضيهم ودون إذن السلطات؟
والسؤال التاسع : هل اعترض أحدا من الأشقاء عندما اعلنت السلطات السعودية ان تأشيرة السياحة لا تعنى موافقة المملكة على آداء شعيرة الحج لحامليها من الأشقاء، بل وتأثيم من ينتهكون هذا القرار وعقابهم بالمخالفة لقوانين المملكمة؟ ألم يكن هذا حق شرعى وقانونى للأشقاء السعوديين؟
والسؤال الأخير : ماذا لو سمحت مصر بوصول القافلة التى زاد عددها لاكثر من سبعة الاف مشارك فى الوصول الى معبر رفح وتعرضوا للقتل من قبل الاحتلال الجاثم على الطرف الآخر من المعبر، هنا من سيكون المسئول عن سلامة الأشقاء؟ أم هى قافلة لفرض الحرب على مصر؟ ولماذا كانت النوايا الذهاب لميدان التحرير(!)؟.
الوعى الجمعى المصرى لا ينخدع بتلك الدعاوى الجوفاء والتى يصح ان يقال فيها : دعوات حق اريد بها باطل!.